واشنطن بوست: العمليات الروسية تحد من الانقسامات العديدة بين الشرق والغرب في أوكرانيا
نشرت صحيفة "واشنطن بوست"الأمريكية في عددها الصادر اليوم تقريرًا حول تداعيات العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا على الأوضاع الاقتصادية والديموغرافية داخل المناطق الشرقية والغربية من أوكرانيا، لاسيما بعد نزوح الملايين من مناطق النزاع إلى الأماكن الهادئة نسبيًا في غرب البلاد والتي لاتزال تقع تحت سيطرة الحكومة الأوكرانية.
وقالت الصحيفة (في مستهل التقرير الذي نشرته عبر موقعها الرسمي) انه مع استمرار موسكو في شن هجمات الأرض المحروقة في شرق وجنوب أوكرانيا، هجر المواطنون منازلهم بأعداد كبيرة. ووفقًا لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، نزح حتى الآن أكثر من 6 ملايين شخص داخل أوكرانيا، بالإضافة إلى ما يقرب من 5 ملايين فروا إلى خارج البلاد.
وأضافت: ان العديد من هؤلاء الأوكرانيين حملوا أعمالهم التجارية وأحلامهم وخططهم المستقبلية إلى جانب حقائبهم نحو وجهاتهم الجديدة في غرب البلاد؛ حيث يظل القتال والهجمات الصاروخية الروسية في حدها الأدنى، في رحلة مثلت تحولًا ديموغرافيًا هائلاً وضخمًا للغاية داخل بلد واحد، وهو تغيير سيُلقي حتمًا بتداعياته الاقتصادية على وضع الدولة الأوكرانية ككل، وربما يغير تصور الأوكرانيين لبعضهم البعض.
واستشهدت الصحيفة في ذلك بسرد قصة لمواطن أوكراني، يدعي أوليكسي فاخروشيف، كان يقيم في اقليم خاركيف بشرق البلاد ويمتلك فيه مصنعًا لكنه اضطر إلى الخروج من بلدته- بسبب استمرار تعرض الاقليم للقصف الروسي- مصطحبًا عماله وآلات مصنعه إلى منطقة آمنة بالغرب وبالتحديد في اقليم "زاكارباتيا أوبلاست"..وبعد ذلك، أعرب فاخروشيف عن اعتقاده بأن الشرق والغرب يتقاربان!.
وفي ترانسكارباثيا، وهي منطقة زراعية تقع في "زاكارباتيا أوبلاست" بجنوب غرب البلاد، قدر الحاكم فيكتور ميكيتا أن عدد السكان البالغ مليون نسمة قد زاد بمقدار الثلث على الأقل، وأشار إلى أن التدفق المفاجئ للأشخاص القادمين من شرق البلاد تسبب في إجهاد البنية التحتية المحلية، وانه يتم إيواء العديد من النازحين في مباني المدارس مع بذل جهود حثيثة من جانب المسئولون لإيجاد أماكن إقامة جديدة لهم قبل استئناف الدراسة في الخريف المقبل. مع ذلك، أكد ميكيتا أن الجميع يتم الاعتناء بهم، وأن ترانسكارباثيا شعب مضياف للغاية.
وأبرزت الصحيفة أيضا: أن الاضطرابات في الشرق تحمل في طياتها تغييرات أخرى قد تكون أكثر ديمومة. فقد انتقلت أكثر من 350 شركة إلى ترانسكارباثيا، مصطحبة معها معرفة جديدة وتكنولوجيا تجارية جديدة وطرقًا جديدة للقيام بالأشياء. وكان مصنع فاخروشيف، على سبيل المثال، هو أول شركة في المدينة تعيد تدوير النفايات البلاستيكية كجزء من عملية التصنيع، الأمر الذي لاقى ترحيبًا في منطقة تعتمد على السياحة وتريد الحفاظ على المناظر الطبيعية البكر.
ومع ارتفاع عدد المتخصصين في مجال الكمبيوتر من حوالي 2000 قبل الحرب إلى ما يقرب من 35 ألف حاليًا، أعرب ميكيتا عن أمله في تحويل المنطقة إلى مركز تقني، وأكد أن المسئولين لديه بدأوا بالفعل في العمل مع شركات تكنولوجيا المعلومات المهتمة بالانتقال إلى المنطقة ويخططون لإضافة دورات برمجة الكمبيوتر في المدارس المحلية.
من جانبها، اعتبرت فيكتوريا سيريدا، أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأوكرانية الكاثوليكية في لفيف، أن الصور النمطية التي حملتها المناطق المختلفة عن بعضها البعض بدأت تتلاشى وأصبحت الهوية الأوكرانية ترتبط بشكل متزايد بشعور مشترك بالانتماء إلى الوطن، وقالت: إن "خط الصدع" في كيفية تعريف الأوكرانيين لأنفسهم الآن هو ما إذا كانوا "يدافعون عن بلادهم بكل الطرق الممكنة".
مع ذلك، أكدت "واشنطن بوست" أن نزوح الأشخاص والموارد يتجاوز الفوائد الاقتصادية، وأن التغييرات الديموغرافية حتى لو كانت مؤقتة قد تؤدي إلى تغيير النسيج الاجتماعي لأوكرانيا..وقالت: غالبًا ما تكون الانقسامات في المجتمع الأوكراني مبالغًا فيها، لكن الاختلافات بين مناطق البلاد لاتزال قائمة. فغرب أوكرانيا ريفي في أغلبه ويتحدث الأوكرانية وينتمي إلى ثقافة أوروبا الوسطى، بينما يتحدث الشرق والجنوب إلى حد كبير بالروسية، مع إحساس ثقافي كان يشعر، على الأقل قبل بدء الحرب، بمزيد من الانتماء إلى روسيا مع حقيقة أن العديد من أكبر مدن البلاد تقع في الشرق والجنوب، وكذلك مراكز الصناعات الثقيلة.