كيرة «عبد العزيز».. و«عز» الجن
قمت بقطع وعد لنفسي أن أكافئها بأي قدر من المكافأة النفسية والمعنوية، بعد فترة عصيبة مضت بي وانتهت بإصابتي للمرة الثانية بالكورونا اللعينة في خلال سبعة أشهر فقط، وعليه عزمت أن أستأنف أنشطتي -بعد تمام شفائي وانقضاء فترة إجازات العيد- بدخولي لفيلم "كيرة والجن" هذا الفخر السينمائي لمربع العظماء أحمد مراد، ومروان حامد، وكريم عبد العزيز، وأحمد عز، وغيرهم من أبطال العمل أمام وخلف الكاميرات وللجميع كل الاحترام والتقدير والثناء.
امتدت أحداث العمل لحوالي ثلاثة ساعات تخللهم فترة استراحة لم تتعدى العشرة دقائق، ومنذ الدقيقة الأولى حرص مروان حامد المخرج شديد التميز على التصريح كتابة بما يعني أن أحداث الفيلم المنقولة عن رواية 1919 للأديب والروائي المبدع/ أحمد مراد، قد تتشابه أحداثها إلى حد كبير مع الواقع، بالإضافة إلى بعض الرؤى السينمائية التي روعي في سياقها عدم الإخلال بالنسق العام للقصة الحقيقية، وهي عن بطولات المقاومة المصرية إبان فترة ثورة 1919، للمطالبة برحيل الاحتلال الإنجليزي عن مصر.
وقبل أن أستطرد في تناول بعض التفاصيل الخاصة بالعمل، وجب علي أن أنوه أن تناولي هذا هو من قبيل رؤية وتحليل المشاهد العادي المتعطش لتلك النوعية من السينما الوطنية التاريخية أو المعاصرة، ولاسيما مع تمام اكتمال كل عناصر ومقومات نجاح العمل الأساسية من مؤلف وأبطال ومخرج.
فيقف المشاهد لإرادياً عند كل كادر من كوادر العمل، من مبانٍ وشوارع وأزياء مصر القديمة 1919، عيون الخيول، أصوات الأحذية، وأصوات الموسيقى في أكثر من مشهد، لحظات الصمت التي تتحدث دون التفوه بكلمة، الاستشهاد بمانشيتات الصحف آنذاك، النقلات بين المشاهد الداخلية والخارجية، والمزج بين المشاهد الوثائقية المصورة وأحداث الفيلم، وقبل كل هذا وذلك التقديم العبقري لخط الشخصيات الأساسية لأعضاء تنظيم المقاومة المصري إلى أقرب ما يكون من الشخصيات الحقيقية وخلفياتهم، المسلم والمسيحية واليهودي الأخرس، الطبيب والرسام ومعلمة التاريخ والمطبعجي والبلطجي التائب وغيرهم.
وجب علي أن أشير بكل الاحترام إلى عظمة التصوير وزواياه واستخدامات الجرافيك بشكل محترف في إخراج المعارك، هذا إلى جانب المعلومات التي حرص القائمون على العمل بتمريرها خلال الأحداث، كتلك التي أشارت إلى إجبار الاحتلال الانجليزي لمليون مجند مصري على الاشتراك في معارك الحرب العالمية الأولى، واختفاء 500 ألف مجند منهم، أي نصف العدد تماماً، وهي معلومة أكاد أجزم أن عموم المصريين لا يعلم عنها شيئاً ضمن جملة وحشية احتلال الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
لا أنكر أن بعض المشاهد والأحداث لامست جانباً مؤلماً بداخلي وصل إلى حد البكاءأحياناً، لكن في المقابل أقر أنني على استعداد تام لمشاهدة الفيلم لمرة ثانية وثالثة لإشباع ذلك الجانب المتعطش بداخلي لسماع ومشاهدة أحداث لم نراها إلا في مخيلتنا بداخل كتاب التاريخ المقرر بالثانوية العامة.
وأعلم وغيري أن القصة الأصلية -المستقاة من بطولات المقاومة المصرية- ثرية في حد ذاتها إلى الحد الكبير الذي مَهّدَ الطريق لكلا المؤلف والمخرج، لما لا وهو من أحد أوجه الفخر في التاريخ الوطني المصري العامر والذاخر بقصص حقيقية مشرفة لأبطال مصريين اسثنائيين ازال أحفادهم يبهروننا ببطولاتهم إلى اليوم، وهي بطولات واقعية لا من وحي الأساطير الخيالية لسوبر مان و Hulk وسبايدر مان التي تعكس الإصرار الأمريكي على تعظيم الصورة الذهنية للشخصية الأمريكية الخارقة للقدرات.
وأعي تماماً أن الذي تم تجسيده على الشاشة مهما بلغ حد الواقعية والمحاكاة فلن يعكس الحجم الحقيقي لعظمة البطولات والأحداث الوطنية، إلا أنه يجب الإقرار بأن فخامة العمل قد اكتملت بأنامل أحمد مراد، وطوال القامة عظيمي القيمة الفنية كريم كيرة وعز الجن، وبالطبع المايسترو مروان حامد، وبالطبع أنا وغيري من جمهور المتعطشين هم الكاسب الأعظم.