رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


بالصور.. منْ وأد مشروع «عبدالناصر» القومي لصناعة الدواء؟

25-7-2017 | 20:58


تحقيق أميرة سعيد  وتسبيح سمير:

 

الرئيس جمال عبد الناصر شيد أول شركة لصناعة الدواء في الشرق الأوسط

توقف 8 مصانع تابعة للدولة.. وشركات القطاع العام للتعبئة والتوزيع فقط

الشركات العالمية تمتلك زمام الأمور.. السيولة وتقنيات الأجهزة يعوقا أبحاث الدواء


 

أدرك الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مبكرًا، أهمية صناعة الدواء في مصر، بعد أن لجأت الشركات الأجنبية العاملة في مجال صناعة الدواء للضغط على مصر باستخدام الملف الدوائي من أجل إثناء "ناصر" عن فكرة التأميم وإجلاء الإنجليز، فقرر الرئيس المصري على الفور إنشاء شركة النصر للكيماويات الدوائية عام 1960، في أبو زعبل بمحافظة القليوبية، بمساعدة الاتحاد السوفيتي، من أجل عدم رضوخه لأي دولة في العالم.

وبات مصنع القليوبية، أول مصنع في أفريقيا والشرق الأوسط لإنتاج المادة الخام الدوائية للمضادات الحيوية، مثل الأمبيسيلين والتتراسيكلين، والريفامبسين، والكلورامفنيكول.

ولكن تجربة الرئيس عبد الناصر لم يكتب لها النجاح وتوقفت تروس الإنتاج بل وتراجعت أيضًا، مع أن هناك دول بدأت مع التجربة المصرية ولم يتوفر لها نفس الإمكانيات ولكنها نجحت وحققت طفرة هائلة في صناعة الدواء مثل الهند.

 

انهيار الصناعة الوطنية

وعادت الشركات الأجنبية إلى سابق عصرها وقوتها وهيمنتها على السوق الدوائي في مصر، واستحوذت الشركات على 60% من حجم صناعتها وتجارتها، أما نسبة 36% المتبقية سيطر عليها القطاع الخاص، ولم تحصل الدولة سوى على 4% فقط من حجم سوق الدواء، بعد أن تعطلت خطوط الإنتاج بثمانية مصانع تابعة لشركات الدواء العامة المملوكة للدولة واختفت من المشهد نهائيًا ومع توقف حلم صناعة الدواء الوطنية وسط توغل الشركات العالمية والخاصة التي فرضت سيطرتها على السوق المحلي.

مع بداية الانفتاح الاقتصادي فعهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات في سبعينيات القرن الماضي، انفتح السوق على مصراعيه لشركات الدواء العالمية والخاصة وسط ترجع الإنتاج المحلي، وغضت القاهرة أنظارها عن المكاسب التي يمكن أن تحققها صناعة المواد الخام التي تدخل في صناعة مختلف العقاقير الطبية.

 

وانفردت الشركات العالمية والخاصة العاملة في مصر، بتعبئة المادة الخام والهيمنة على سوق الدواء المحلي، ولم تنتج الشركات المملوكة للدولة خلال هذه الرحلة، غير صنف دوائي واحد اسمه "ميرازيد"، مخصص لعلاج البلهارسيا، والمحزن أن شركة "فاركو" للأدوية توقفت عن إنتاجه لثبوت عدم فاعليته.

 

الأجهزة والتقنية

الدكتورة راجية علي، أستاذ متفرغ بكلية الصيدلة جامعة القاهرة، والعاملة بإحدى شركات صناعة الأدوية بالقطاع العام، قالت إن مشكلة نقص الدواء  في مصر يرجع إلى تراجع صناعته محليًا، مشيرًا إلى أن صناعة الدواء تحتاج إلى أجهزة وتقنيات عالية الجودة غير متوافرة بالسوق المحلي والقطاع العام الذي توقف بنسبة كبيرة.

 

وقالت لـ«الهلال اليوم» إن الدولة تقوم باستيراد المواد الخام لكل صنف دوائي وتقوم الشركات بكبسها وتغليفها وطرحها في الأسواق، مشيرة إلى أن تحرير سعر الصرف أدى إلى ارتفاع سعر الأدوية والمواد الخام، مما أصاب الصناعة المتبقية في القطاع العام وسببت خسائر ضخمة للشركات التي تكتفي بالتغليف والتعبئة لأن سعر توزيعها للدواء ثابت رغم ارتفاع السعر والأمر الذي دفعها للتغاضي عن إنتاج أصناف معينة مما أحدث نقصة في الدواء في السوق المحلي.

 

ولفت إلى أن توقف إنتاج بعض الأدوية في القطاع الخاص والعام يرجع إلى أسباب متعلقة بالسعر ويمكن أن تعود مرة أخرى بعد ضبط الأسعار، مضيفة:" من خلال تجربتي السابقة في شركة النيل للأدوية كنا نصنع الدواء من 20 سنة فاتت لكن حاليا اعتمدنا أكثر على الاستيراد المواد من الخارج لكن من المفترض أن تقام مصانع في الصحراء لصناعة المادة الخام وتوفيرها، فمرضى السرطان هم نادرا ما يجدوا علاجهم وأسعارها خيالية تصل ثمن الحقنة 20 ألف جنيه".

 

اختفاء الأدوية من الأسواق، ألقت بظلالها على الشارع المصري، فالحالة المرضية لوالد إبراهيم محمد، القاطن بحي بولاق، المصاب بجلطة في القلب تزداد سوءًا نتيجة عدم حصوله العقاقير الطبية المطلوبة لاختفائها من الأسواق  نتيجة ارتفاع السعر.

 

عناء البحث عن الدواء

وقال إبراهيم محمد لـ«الهلال اليوم»  إنه بحث عن الدواء في كل مكان من أجل إنقاذ والد ولكن لم يجده"، مشيرًا إلى أنه بعد عناء وجد ضالته ولكن صدم بالسعر الجديد فاضطر لاتفاق مع الصيدلي الحصول على الدواء مقابل تقسيط الثمن، متابعًا:" حالة والدي تسوء يوما بعد يوم.

 

صعوبة البحث العلمي

أما الصيدلانية نوران أسامة قالت إن اكتشاف المادة الفعالة للدواء يحتاج من 10 إلى 20 عاما  ويعتبر من أهم مراحل مرحلة صناعة الدواء، هذا غير التكاليف التي يقام عليها البحث العلمي وأحقية الدولة المكتشفة للمادة بالاحتفاظ به ولا يصلح لأي دولة أخرى الحصول عليه تحت مسمى حق براءة الاختراع.

 

بعد مرور الفترة المحددة وفق المعايير الدولية من 15 إلى 20 عامًا  يكون لك حق في الحصول على المنتج أو الدواء جاهزًا فقط وبعد مضى الفترة المحددة يسمح بالحصول على المادة الفعالة من البلد الأم و هذا ما يتم فعله داخل مصر، فصناعة الدواء بها تتم بعد المرحلة الأولى أي بعد استيراد المادة الفعالة من الدولة المنتجة لها وتعتبر معضلة الأبحاث العلمية التي تقام في مصر، حسبما أوضحت الطبيبة نورهان أسامة.

 

وأضافت أن ضعف السيولة وتراجع الإمكانيات يعد من أهم أسباب ضعف إنتاج شركات الأدوية، ناهيك من المنافسة والاعتقاد في صناعة الأدوية المحلية والعالمية، حيث تجذب الصناعة الدولية المستهلكين معتقدين أن المادة الفعالة في المنتج المستورد أقوى من المنتج المحلي وهذا خطأ شائع، فالمادة الفعالة واحدة ويكمن الاختلاف في المواد المضافة للمادة فقط والتي تعزز من مفعولها.

 

أزمة الأسعار

الدكتور أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعات الأدوية، قال إن هناك فرق كبير بين نقص دواء معين وبين وقف صناعته فلم يتم وقف أي خط إنتاج لأن المشكلة تكمن في نقص المواد الخام بسبب ارتفاع سعر الدولار، وأثر ذلك على تراجع الكمية المعروضة بما لا يتماشى مع متطلبات السوق ومن هنا حدثت الفجوة لكن صناعته لم تنعدم.

وأضاف رستم لـ"الهلال اليوم"، أن ما أشيع عن توقف أو امتناع بعض الشركات العاملة في سوق الدواء في مصر غير صحيح ومحض شائعات، لأن انخفاض قيمة الجنيه أدت إلى انخفاض استيراد المواد الخام، وكانت بعض بعض المصانع على وشك الإغلاق، بسبب ارتفاع سعر المواد الخام وعدم وجود هامش ربح بسبب ثبات السعر للمستهلك مما كبد الشركات خسائر.

ولفت إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في عدم توافق نسبة العرض والطلب بمعنى تصنع شركات الأدوية دواء معين بكمية معينه ومع زيادة الطلب على هذا المنتج يظهر النقص في المنتج.