د. شيرين الملواني,
نعم هناك مُسكنْات تَقتل؛ سواء بفرط تعاطيها أو حتى بفجائية تأثيرها على الجسم البشري طالما ليست بأمر طبيب؛ مما يسبب الوفاة، حذرنا مراراً من عشوائية استخدام المسكنات وكأن السوق يخلو من الدواء المصروف بروشتة طبيب بعد تشخيص مدعوم بالأشعة والتحاليل؛ ثقافة مُجتمع يستسهل ابتلاع الحبوب ويتلذذ بوخز الحقن مُتيقنًا من كَون المُسكن هو العلاج ؟!، فإلى متى هذا الجهل ورمي النفس للتهلكة؟
وهنا نحن بصدد التبصير ونوال ثواب النُصح، فإذا تطرقنا لأنواع المسكنات سنجدها مختلفة واسعة الانتشار، على رأسها المُسكنات التي تحتوي على مادة الأفيون والتيلينول، وأدوية تحتوي على التيلونول والمواد الأفيوينة والأسبرين، ومسكنات مضادة للالتهاب خالية من الستريود، والباراسيتامول والأستيامينوفين، ونجدها كلها وقد وجهت بعقلية المريض لعلاج الآلام، كألم التهاب المفاصل، والجراحة، والإصابة، ووجع الأسنان، والصداع، وتشنجات الحيض، والتهاب العضلات.
ونجد أشهرهم والأوسع انتشاراً هو البارسيتامول كدواء مسكن للآلام وغير مخدر، لا يخلو منه أي منزل من منظور أنه آمن للبالغين والأطفال، وكثرت استخداماته في تسكين الآلام الخفيفة والمتوسطة وخفض الحمى، خاصة مع من يعاني من الإصابة بقرحة المعدة كبديل للأسبرين، غافلين تماماً عن تأثير جرعاته العالية على الكبد، حيث تأثيره التراكمي السام خاصة على الأشخاص الذين يتناولون المشروبات الكحولية.
وبالتدقيق نجد أن أغلب المسكنات لها ميكانيزم عمل في الجسم البشري؛ يصيب بها هدفه في القضاء على الألم لكنه يؤثر على وظائف حيوية أخرى في الجسم؛ فالأفيونيات تقوم بتقليل إشارات الألم التي يرسلها الجهاز العصبي، بالتوازي تقلل من رد فعل الدماغ تجاه هذه الإشارات، أما أدوية "التيلينول" فتعمل على تغيير الطريقة التي يشعر بها الجسم بالألم، أما الأدوية المضادة للالتهاب فتقوم بمنع آثار البروستاجلاندين، وهو إنزيم ينظم الكثير من الوظائف الحيوية في الجسم.
ونجد هنا علاقة طردية بين ظهور أضرار المسكنات ومدة تناولها؛ فكلما اعتاد الشخص على ابتلاع المسكن غير عابئ بمراقبة جسمه، وقد يختلط عليه الأمر في تفسير الآثار الجانبية التي تتابع عليه في صورة حدوث الإمساك المتكرر، الوهن والنعاس، الدوخة، اضطراب المعدة، طنين الأذن، جفاف الحلق، الشعور بالحكة في الجلد كعرض للحساسية.
نحن هنا بصدد التنبيه لتغيير ثقافة المجتمع التي تعبر عن جهل يرمي بصاحبه للتهلكة، وأولى خطوات التغيير تأتي في تقديس مُسلمة.
استشارة الطبيب قبل أخذ المسكنات بشكل عام، والبعد كل البعد إعطاء المسكنات للأطفال، وإن كان الأمر حتميا وحادا ينبغي مراعاة عدم تجاوز جرعاتهم الثلاثة جرامات من مسكن الباراسيتامول.
كما لا بد من القضاء على الفتاوى المتبادلة بين أفراد شعبنا، الذي يحمل روح تعاون ومودة قد يكون لها أثر عكسي ومؤذي، حيث يتكالب الجميع لإسداء النصح للمُتألم بضرورة تعاطي كمثال مادة (الديكلوفيناك)، وڤولتارين، كاتافلام، وهي تُعَد من المسكنات المُضادة للالتهاب الخالية من الستريود، ما يرفع من مخاطر حدوث نزيف المعدة أو توقف القلب.
وهنا يمكن استعراض بدائل طبيعية مؤقتة لتخفيف الألم حتى استشارة الطبيب مثل أوراق الصفصاف التي تحتوي على (Salicin) الكيميائي، الذي يشبه المكون الرئيسي في الأسبرين، والكركم الذي يحتوي على مركب الكركمين (Curcumin، الذي يستخدم في علاج كثير من المشكلات الصحية؛ كعسر الهضم، وقرحة المعدة، واضطراباتها، ويأتي معه في القائمة القرنفل كعلاج للغثيان ونزلات البرد، والتهاب المفاصل وآلام الأسنان، وكله يتم التعامل به لفترة وجيزة ناجزة حتى زيارة الطبيب.
المسكن ليس علاجًا للأمراض ولكنه مُخفي لعَرض المرض، وثقافة الإفراط فيه كفيلة بتدمير صحة المصريين، فلنعمل معا على درء عاداتنا السيئة وتغيير مفاهيمنا الخاطئة لحياة وصحة أفضل تليق بالمواطن الكريم.