أعضاء قافلتي الأزهر والأوقاف في سوهاج والمنوفية يستعرضون أبرز دروس الهجرة النبوية
أكد علماء الأزهر والأوقاف المشاركين في القافلتين الدعويتين المشتركتين بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف إلى محافظتي المنوفية وسوهاج، أن الهجرة النبوية المباركة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة كانت حدثًا غيَّر مجرى التاريخ، وفاتحة خير في تاريخ الإسلام والمسلمين.
وأفادوا بأن تلك الرحلة المباركة حافلة بالدروس العظيمة، والحِكم الباهرة، منها: تجلَّي خُلق الأمانة في حياة نبينا (صلى الله عليه وسلم)، فقد كان المشركون يودعون أماناتهم عنده (صلى الله عليه وسلم) رغم كفرهم به؛ وكانوا يلقبونه بالصادق الأمين، وعندما أراد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) الهجرة إلى المدينة المنورة ترك سيدَنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) في مكة؛ ليرد الأمانات إلى أهلها، رغم أنهم آذوه (صلى الله عليه وسلم)، وآذوا أصحابَه (رضي الله عنهم)، وأخرجوهم من ديارهم؛ تلك هي الأمانة في أسمى معانيها.
جاء ذلك في إطار انطلاق قافلتين دعويتين مشتركتين بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف إلى محافظتي المنوفية وسوهاج، اليوم، تضم كل قافلة عشرة علماء، خمسة من علماء الأزهر وخمسة من علماء الأوقاف، ليتحدثوا جميعًا بصوت واحد حول موضوع "دروس من الهجرة النبوية"، ويتم ذلك في إطار التعاون المشترك والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف والأزهر الشريف، وبرعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ووزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة.
وشدد علماء الأزهر والأوقاف على أن معية الحق سبحانه لحبيبه ومصطفاه (صلى الله عليه وسلم) تتجلى في رحلة الهجرة، حين قال له صاحبه أبو بكر (رضي الله عنه) وهما في الغار والمشركون على حافته: يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فكان الرد من نبينا (صلى الله عليه وسلم): "يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا، لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا"، وفي ذلك يقول الحق سبحانه: "فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا"، ومع تلك المعية الإلهية أخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأسباب النجاح من التخطيط، واختيار الصاحب، والدليل، في تكامل وتنسيق بديع بين أدوار كفاءات المجتمع على اختلاف أجناسه وأطيافه، وكان مع كلِّ ذلك صدقُ اعتماد قلب نبينا (صلى الله عليه وسلم) على معية ربه وتوفيقه؛ ليتجلى حسنُ التوكل الحقيقي على الله عز وجل في كل جوانب الرحلة المباركة.
كما أوضحوا أن من دروس الهجرة النبوية المباركة تأسيس بناء الدولة وإقامة أركانها، بدءًا ببناء المسجدِ منارةً للعبادة والعلم والتربية، تتكون فيه الشخصية المسلمة السوية التي تعمِّر الدنيا بالدين؛ فتبني ولا تهدم، وتعمِّر ولا تخرب، ومرورًا بإقامة السوق إشارةً واضحة إلى أهمية الجانب الاقتصادي في بناء الدول، وليكون سوقًا قائمًا على الأخلاق الإسلامية الفاضلة في البيع والشراء؛ وبذلك يؤسس رسولُنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) لمجتمع متوازن مستقر، لا يطغى فيه شيء على حساب آخر؛ تحقيقًا لرسالة الإسلام المتكاملة، حيث يقول الحق سبحانه: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"، ذلك إلى جانب وثيقة المدينة المنورة التي رسخت لأسس العيش المشترك بين سكان المدينة جميعًا.
وبينوا أيضا أن وثيقة المدينة التي أبرمها نبينا (صلى الله عليه وسلم) بعد استقراره بالمدينة المنورة تعد أهم وثيقة للعيش المشترك في تاريخ البشرية، حيث نصت على إقامة الحقوق والواجبات على أساس وطني وإنساني، حين قررت أن سائر اليهود بالمدينة مع المؤمنين أمة، فأقرت حرية المعتقد، وحرمة دور العبادة للجميع دون تمييز، فأي إنسانية، وأي حضارة، وأي رقي وتقدير لمفاهيم الإنسانية يمكن أن يرقى إلى ما كان من تسامح نبينا (صلى الله عليه وسلم) حين أثبت في وثيقة المدينة: "لليهود دينهم" قبل إثباته أن "للمسلمين دينهم"، تلك أعلى درجات الإنصاف والتسامح.
كما أشاروا إلى أن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) رسَّخ مبدأ الأخوة ووحدة الصف بين المسلمين، حين آخى بين المهاجرين والأنصار؛ امتثالًا لقول الحق سبحانه: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا"، وقوله (عز وجل): "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ"، وفي ذلك يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ".
ولفتوا إلى أهمية الحاجة لاستلهام معاني الهجرة النبيلة بالتحول إلى ما يرضي الله عز وجل من الأعمال والأقوال، وبالتحول من البطالة والكسل إلى الجد والإتقان، ومن الأثرة والأنانية إلى الإخاء الإنساني الصادق، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ يَدِهِ وَلِسَانِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى الله عَنْهُ".