رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الدبلوماسية الهادئة

7-8-2022 | 20:27


عبد الرازق توفيق

الأمور لا تدار بالصوت العالى.. ولكن بالقدرة و العمل والصبر.. تلك هى مكونات قوة مصر الدبلوماسية.. التى ترتكز على الهدوء المستند على القوة والقدرة الشاملة والمؤثرة.. فلا مجال للصوت العالى الذى لا يجدى نفعاً.. والذى لطالما تسبب فى إحداث خسائر جسيمة فى عقود ماضية.. لكن سياسات النفس الطويل والصبر والثقة.. فى ضوء علم وتقديرات موقف وقوة وقدرة.. مصر تضمن حقوقها فى مياه النيل.. تأكيدات رئاسية واثقة، فالهدف هو الوصول إلى اتفاق قانونى ملزم ومنصف وعادل بشأن ملء وتشغيل سد النهضة.. وفى كل الأحوال لن تضيع قطرة مياه مصرية.. الدبلوماسية الهادئة حققت نجاحات وأنجزت أهدافها فى كثير من المواقع.. وفى أتون التحديات والتهديدات فى ليبيا كان (الخط الأحمر).. وشرق المتوسط كانت التحركات العبقرية.. المغلفة بحماية القوة والقدرة، وقيادة حكيمة لمنطقة هى الأصعب والأكثر اضطراباً انتصاراً ساحقاً على كل الجبهات فى صمت ودون ضجيج.

لم تجن الدول من التهور والاندفاع والمغامرات والصوت العالى سوى مزيد من الأزمات والمشاكل المعقدة والخسائر الفادحة، فقد أثبت التاريخ ان دبلوماسية الصدام والصوت العالى فشلت بكل المقاييس، ولم تعد صالحة فى هذا العصر خاصة ان الدروس المستفادة فرضت نمطاً مغايراً استلزم تأسيس مدرسة جديدة تعتمد على الصوت الهادئ، بعيداً عن الصراخ والتهديد والعويل والوعيد.

فى اعتقادى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أضاف لمكونات الدبلوماسية الرئاسية الخلاقة التى تعتمد على الصدق والشرف والسياسات الأخلاقية والتعاون والشراكة والاحترام المتبادل بعداً جديداً ومكوناً آخر وهو الدبلوماسية الهادئة المتزنة التى لا تندفع ولا تتهور، ولا تغامر.. وفى نفس الوقت فإن دبلوماسية الصوت الهادئ تعتمد على (الصبر والتفاوض) وترتكز على (القدرة والعمل)، فلاشك أن قوة الدولة وقدراتها الشاملة والمؤثرة وتأثيرها الإقليمى والدولى يؤدى بشكل كبير إلى نجاح ونتائج كبيرة وعظيمة فى تحقيق دبلوماسية الصوت الهادئ أهدافها والنتائج المرجوة.

لقد عانت مصر كثيراً خلال عقود ماضية من دبلوماسية الصوت العالى والصراخ والتهديد والوعيد والضجيج، وتم استدراجها إلى مواجهات غير محسوبة لم تحدد توقيتها هي، أو حتى شكلها وطبيعتها، ولكنها جاءت بنتائج كارثية ساهمت فى تعطيل مسيرة الدولة المصرية خلال عقود ماضية.

مهم ان تكون الدبلوماسية على درجة كبيرة من الحكمة والهدوء والثبات والإدراك والفهم وتقديرات الموقف العلمية والصحيحة، وحسابات دقيقة طبقاً لمبدأ المكسب والخسارة واختيار البدائل التى تصل بنا إلى النجاح ومن المهم أن تتحدث وتتفاوض وتعبر وتكون على درجة كبيرة من الحلم والثبات لكن فى نفس الوقت ان تكون واقفاً على أرض شديدة الصلابة، ولا تشك لحظة ان الطرف الآخر يدرك طبيعة وحجم قوتك وقدرتك وخطورة نفاد صبرك ومن الخطر أن تتبنى سياسة ودبلوماسية الصوت العالى وأنت على أرض ليست صلبة، ولم تحسب أمورك بشكل جيد، أو لم تجر تقدير الموقف الصحيح، وهو ما كان مصدر معاناة للدولة المصرية فى فترة من الفترات خلال العقود الماضية.

الدبلوماسية الهادئة لديها الصبر والنفس الطويل.. ولا تفرط ولا تتهاون فى حق مشروع، لكنها لا تتورط فى السقوط فى براثن الاستفزاز والعصبية، والصوت العالي، تملك أدواتها وأوراقها، والقدرة على تحديد التوقيت المناسب لاختيار البديل المناسب.

الرئيس السيسى فى موجات الأزمات العاتية من تحديات وتهديدات وأطماع ومخاطر واجهت الدولة المصرية كان دائماً واثقاً يمتلك رباطة الجأش والهدوء لم تصدر منه إساءة فى حق أى طرف آخر رغم صعوبة التحدي، انتهج الشرف كعقيدة مع الإصرار على نيل الحق وبلوغ الأهداف وهو ما حدث طيلة 8 سنوات لم تفرط فيها الدولة المصرية فى غاياتها وأهدافها وحقوقها أو ما يمس أمنها القومي.

القدرة هى العنوان الرئيسى والمكون الأساسى لنجاح دبلوماسية الصوت الهادئ، فالثقة فى القدرة والقوة والتى يدركها ويعرفها الطرف الآخر تهييء أفضل السبل للتفاوض الناجح بالإضافة إلى الصبر وطول النفس مع التمسك بالحق.

نجاح الدبلوماسية الهادئة فى الحفاظ على الحقوق المصرية، بدون توتر أو عصبية أو حتى إساءة.. يمثل نقطة انطلاق جديدة للسياسة الخارجية، للدول ترسخ مبادئ جديدة تجلت فى مواقف عديدة، ولعل إدارة مصر لملف (سد النهضة الإثيوبي) نموذج يحتذى به فما أشار إليه الرئيس السيسى أول أمس خلال تفقده الكلية الحربية ولقائه بأعضاء هيئة التدريس والطلاب فإن مصر تبنت مساراً دبلوماسياً وتفاوضياً تجاه أزمة (سد النهضة) بهدف ايجاد حل لتلك الأزمة وأنها تحرص على أمرين مهمين هما الصبر والتفاوض، وهذا يتسق تماماً مع ما تتبناه القاهرة فى دعوتها لأطراف أى صراع دولى بالتأكيد على أهمية الحلول السلمية والسياسية والتفاوضية وتغليب لغة الحوار لذلك فإن مصر لم تخضع للاستفزاز أو الاستدراج ولم تتسم إدارتها بالعصبية أو الصوت العالى لكنها ارتكزت فى تحركها على الهدوء والثقة والتفاوض، فالأمور كما أكد الرئيس لا تحل بالصوت العالى ولكن بالقدرة والعمل والصبر، فالقدرة يدركها الجميع.. والعمل والتفاوض لا يتوقف.. والصبر حتى بلوغ الأهداف، ومن منطلق الثقة أكد الرئيس ان «مياه مصر أمانة فى رقبته وقبلها أكد خلال تدشين المشروع القومى العملاق الذى أطلقته مبادرة حياة كريمة تطوير وتنمية الريف المصري، ان القلق فيما يتعلق بسد النهضة أو حصة مصر لا يليق بنا كمصريين»، وأشار فى قناة السويس عقب النجاح المصرى المبهر فى تحريك وتسيير الناقلة (ايفرجرين) إلى ان حصة مصر من مياه النيل (خط أحمر) وان اللى عاوز يجرب يجرب، هذه المعانى لها دلالات قوية على القدرة والثقة فى ضمان الحقوق المشروعة مهما كانت التحديات والمعوقات والتعنت الإثيوبي.

الدبلوماسية الهادئة، أو دبلوماسية الصوت الهادئ أصبحت ركيزة النجاح المصرية، فالمهم أن تمتلك القدرة وتقف على أرض صلبة، فلم يكن النجاح المصرى الرائع فى (شرق المتوسط) إلا انطلاقاً من ثقة مطلقة فى الحقوق المشروعة، لم تصدر مصر أى ضجيج، ولم يعلُ صوتها بل تعاملت مع الأمر بعبقرية فتحركت دبلوماسياً بنجاح، وعقدت شراكات واتفاقات وامتلكت القوة لحماية حقوقها، فلم يجرؤ أحد على الاقتراب للنهب والسطو أو التعدى على حقوق مشروعة، فلم تكن اتفاقيات الترسيم البحرى للحدود وإقرارها من الأمم المتحدة إلا تحركاً هادئاً حكيماً عكس روعة التحرك المصرى على الرقعة الإقليمية، فالدبلوماسية الهادئة الواثقة بطبيعة الحال تحميها قدرة فائقة لا تستدعى الصوت العالى أو الأنين أو الصراخ والانفعال وإنما استدعت العمل والصبر فدانت كل المعطيات وتأكدت كل حقوق مصر المشروعة.

لم يكن غريباً وعجيباً أن تعلن مصر بهدوء وثقة (الخط الأحمر) فى ليبيا فى حضرة قوة وقدرة الجيش المصرى الذى يحمى ويدافع ولا يعتدى أو يطمع إلا نموذجاً لدبلوماسية الصوت الهادئ، فجاء «الخط الأحمر» سيرت- الجفرة.. علاجاً ناجعاً مجسداً عبقرية الدبلوماسية الرئاسية الهادئة المرتكزة على القوة والقدرة والصبر الجميل.

لا يقلق ولا يتوتر ولا يعلو صوت إلا الضعفاء..  أما الأقوياء فيكفيهم أن يحددوا فقط حقوقهم المشروعة، يتعاملون بشرف فلا يغدرون ولا يعتدون ولا يطمعون.
فى أوج الأزمات والاختلافات بل والخلافات لم تصدر من مصر إساءة لأحد، بل كانت ومازالت عفة اللسان، لم تلجأ يوماً على مدار 8 سنوات إلى الشعارات والعنتريات وسياسات التهديد والوعيد، فهى دولة عظيمة تقول وتفعل، ولا تقلق من طامع أو مستفز أو متعنت فى كل الأحوال.. حقوقها مضمونة ومصانة، ولن تفلح معها محاولات الاستفزاز والاستدراج.

الرئيس السيسى الذى امتلك زمام الحكمة والرؤية والثبات والثقة وأصر على ترسيخ دبلوماسية الشرف فى العلاقات الدولية، لم ينس فى نفس الوقت بناء القوة والقدرة، فتلك معادلة نموذجية تعكس قوة وثقة الدولة المصرية، وتتواكب مع مقولات رئاسية «لا يليق بنا أن نقلق.. أو مياه مصر أمانة فى رقبتي».

إذا قرأنا دفتر أحوال عقود ماضية كان الصوت العالى والصد والرد مع أطراف النزاع والتراشق والتهديد والوعيد، بل واتخاذ الإجراءات والقرارات دون حسابات دقيقة، وتقديرات مواقف صحيحة وهو ما كبد مصر خسائر فادحة، كان يمكن تجنبها إذا انتهجت سياسات ودبلوماسية هادئة تعمل بفاعلية، وبنجاح فى صمت وإدارة صحيحة وتحركات فاعلة.

(مصر- السيسي) انتصرت على أخطر التحديات دون ضجيج أو صخب أو صوت عالٍ ولكن بعمل وصبر وهدوء ومن أبرز هذه التحديات الإرهاب الأسود المدفوع والممول والمدعوم لتركيع الدولة المصرية لكن ورغم التضحيات انتصرت مصر وسحقت الإرهاب ودون مساعدة من أى طرف دولي.

أعظم وأروع ما فى الرئيس السيسى هو حكمته وهدوءه وثقته الكبيرة، واكتمال رؤيته، فلم يتبن الرئيس الصوت الهادئ والعمل والصبر والتفاوض من فراغ أو عن ضعف على الإطلاق، بل عمل على بناء القوة والقدرة الشاملة والمؤثرة والهائلة لضمان نجاح وبلوغ أهدافه وضمان حقوقه فالصوت العالي، لن يفلح ولن ينجح أبدا، فكما قال الرئيس فى كاتدرائية ميلاد المسيح يناير الماضى: (مصر «الجمهورية الجديدة» دولة قادرة لا غاشمة مسالمة لا مستسلمة).

مصر لديها إمكانات وأوراق وقدرات هائلة، وقوة فائقة، تديرها قيادة وطنية شريفة مخلصة تمتلك زمام الحكمة والثقة والهدوء الواثق، لا تميل للمغامرات ولكن تمضى وفق حسابات دقيقة وتقديرات مواقف صحيحة.

إن نجاح مصر فى أن تكون هى ركيزة أمن وسلام واستقرار الشرق الأوسط وتعويل العالم عليها فى قيادة المنطقة وشرق المتوسط وأفريقيا لم يأت من فراغ ولكن جاء بفضل تعانق القوة والقدرة والثقة والحكمة والهدوء والصبر والاتزان.. لتشكل فى النهاية قوة رشيدة ذات دور وثقل وهو ما برز فى نجاح مصر فى هدوء وبإدارة حكيمة فى إطفاء حرائق المنطقة، خاصة العدوان الإسرائيلى على غزة للمرة الثانية، حيث تشير المصادر المصرية المسئولة إلى اقتراب نجاح الجهود المصرية فى وقف التصعيد بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى فى ظل اتصالات مكثفة جرت خلال الساعات الأخيرة مع كافة الأطراف للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار بقطاع غزة.. وهذا يؤكد ويشير إلى قوة الدبلوماسية المصرية الهادئة.