باسم الحب الذي كان .. مغدورة جديدة
بين عشية وضحاها، وباسم الحب الذي كان، مغدورة جديدة فقدت حياتها في ريعان الشباب، وقاتل تتلبس روحه شياطين الإنس والجن، لا يعرف الرحمة، ذبح ضحيته دون وازع من ضمير، لم يهتز له جفن، لم يتذكر ولو للحظة، غضب الرحمن من إراقة الدم الحرام.
مشهد مقيت يتكرر للمرة الثانية في غضون شهرين، ولمَ لا، ففي القضية الأولي نحر محمد عادل، زميلته، نيرة أشرف على مرأى ومسمع من الجميع، وانقسم المجتمع حول الجريمة ما بين إدانة الجريمة والتفتيش في حياة الفتاة، وتحولت قضيتها في لحظة لملف الجميع يفتش في جنابته، هناك من يبحث عن زيادة حجم التفاعل على حساباته في منصات التواصل الاجتماعي، وهناك مرضى الشهرة الباحثون عن إثارة الجدل، دون أدنى احترام لحرمة الموت.
وتحولت الجريمة التي يهتز لها عرش الرحمن، لوسيلة تهديد ووعيد لكل فتاة ترفض حب زميلها، لم تكد تمر بضعة أيام و تكررت الجريمة في الأردن، و لم يمر شهران، إلا و تكررت الجريمة في محافظة الشرقية، وبالتحديد في مدينة الزقازيق، تلك المدينة الهادئة، التي تقترب أخلاق أهلها من أخلاق أهل الريف، ماذا يحدث في المجتمع المصري؟! هل أصبحت إراقة الدم يسيرة إلى ذلك الحد؟!
من الصعب أن تجد وصفًا لذلك القاتل السفاح الذي سدد ما يقرب من 17 طعنة لجسد تلك الفتاة النحيلة، وهو يرقص فوق نهر الدماء البريئة الذي سال دون ذنب، سوى رفضها له وكأنها ارتكبت إحدى الكبائر، لم يلتقِها مصادفة، بل هدد ولوّح لها بالانتقام مذكرا إياها بمصير نيرة أشرف.
كلنا مدانون وفاسدون عندما نبحث عن تبرير الجرائم، عندما نتحول لجلادين للضحايا، عندما نصمت تعاطفا مع القاتل، عندما نضع دوافع للقتل، الأمر هنا لا يقف عند الجريمة الأولى، لكنه سيكون البداية فقط لكرة الثلج.
غابت القدوة عن المجتمع، ورحلت القيم التي تربى عليها أجيال، وحلت مكانها ثقافة شبكات التواصل الاجتماعي، تراجع التراحم بيننا، وخرج جيل بعضه مشوّه فاقد الانتماء لقيم المجتمع، الحب لديه رغبة وامتلاك، وبعضهم لا يرى فيه إلا وسيلة للصعود وارتقاء درجة من درجات السلم الاجتماعي.
إننا أمام قضية يمكن تعصف بقوام المجتمع، وأخطر ما في ذلك الأمر تخريب المجتمع من الداخل وتحطيم القيم، تحضرني هنا كلمات المستشار بهاء الدين المري رئيس محكمة جنايات المنصورة، حينما قال:
"ونفس تدثرت برداء حب زائف مكذوب، تأثرت بثقافة عصر اختلطت فيه المفاهيم الرغبة صارت حبا، والقتل لأجله انتصارا، والانتقام شجاعة، والجرأة على قيم المجتمع تسمى حرية مكفولة، ومن هذا الرحم، ولد جنينا مشوها .. وقود الأمة صار حطبها.. بات النشء ضحية قدوة مشوهة، وثقافات هذا هو حالها، ومن فرط شيوعه، واعتباره من قبيل كثيرين، كشفا لواقع، زين لهم فرأوه حسنا، فكان جرم اليوم له نتاجا، أفتذهب نفسنا عليهم حسرات؟!"
لقد أصبح القتلة والسفاحون ملهمين بعضهم البعض، وأصبحت الجريمة باعثة على التي تليها، تذكروا أن التبرير والصمت مشاركة في الجريمة، بأي منطق يضع المجتمع السفاح والضحية في كفتي ميزان، إن وصف "كليهما بـ ضحية" خطأ يضع المجتمع ككل في دائرة الخطر، علي العقل الجمعي للمجتمع أن يدرك وجود قاتل عقد النية ونحر ضحيته على مرأى ومسمع من الجميع، والقصاص حق وعدل وسياج يحمي المجتمع.
تذكروا جميعا، أننا سوف نحمل كتابنا يوم الموقف العظيم، تذكروا أننا جميعا ماضون ليوم الحساب، تذكروا أن في القصاص حياة لكم ولأولادكم وأحفادكم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إننا الآن نستمع جميعا لأجراس الخطر تدق وتسقط الضحية تلو أخرى، من أمِن العقاب أساء الأدب، لا تتركوا الجريمة تكرّس لواقع اجتماعي جديد، فالأمر ليس بعيدا عن أحد، كم من جرائم ترتكب باسم الحب الذي كان؟!