رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حقوق الإنسان .. الانفصام الأوروبي في التطبيق

14-8-2022 | 12:10


محمد جادالله

نعيش الآن، ونحن على مشارف انتهاء النصف الأول من القرن الواحد والعشرين، أدني صور الاستهانة بالنفس الإنسانية التي من الممكن أن نراها أو نتخيلها، وأخص بالذكر هنا ما يحدث على الصعيدين العربي والأوروبي، أما عن الصعيد العربي، نجد ما يحدث في فلسطين من انتهاكات يُحدثها المستعمر الإسرائيلي كالنار التي تلتهم الأخضر واليابس؛ فيما عن الصعيد الأوروبي، نجد الأزمة الروسية الأوكرانية الحاصلة من أكتوبر 2021م، إذا أمعنا النظر وتأملنا في النزاعات - إلا أن هذا المصطلح لا ينطبق على الدولة الفلسطينية وما يحدث بها - التي تحدث في روسيا وأوكرانيا، فمنذُ دخول أول جندي مقاتل إلى أوكرانيا، وجدنا دول العالم الأوروبي وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، تُدين ما يفعله الرئيس الروسي "فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين" في الأراضي الأوكرانية، ومثلوا ما يحدث حتى الآن بأنه انتهاك لحقوق الإنسان والمواطنين العُزل، كما أن منظمات حقوق الإنسان، قامت على قدم وساق بتقديم تصريحات واتهامات إلى مجلس الأمن لمعاقبة الرئيس الروسي، عما يفعله في الأراضي الأوكرانية.

ولم يهدأ الحال عن هذا الحد، فسرعان ما تطور الموقف وقامت معظم الدول الأوروبية بتقديم المساعدات لأوكرانيا، حثاً منهم على مواجهة الجيش الروسي وحفاظاً منهم على استقلال أوكرانيا، كما امتدت المساعدات إلى الجانب العسكري، فنجد مساعدات بالسلاح بكل أنواعه الثقيل والمتوسط، وقامت الدول المجاورة لأوكرانيا، بتقديم المساعدات عن طريق إعطاء المواطنين الأوكرانيين حق اللجواء في بلادهم حتى يستقر الوضع الراهن، ولا يزال هذا الصراع الروسي الأوكراني مستمر حتى يومنا هذا، والسؤال الآن، أين منظمات حقوق الإنسان هذه مما يحدث في دولة فلسطين (القضية الفلسطينية أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي) بدءاً من عام 1897؟ هل ما حدث في أوكرانيا يختلف عما يحدث في الدولة الفلسطينية؟ هل المواطنين في فلسطين يختلفون في درجة الإنسانية عن المواطنين الأوكرانيين؟ هل مواثيق حقوق الإنسان تُطبق على جانب بعينه فقط من الإنسانية؟ هل قامت اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 آب/ أغسطس 1949م – سنستعرض لاحقاً ما يهمنا من مواد الاتفاقية – بدورها المنشود، تحقيقاً للمساوة وما نصت عليه؟ هل كان صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان Universal Declaration of Human Rights عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر سنة 1948م، إيذانا ببدء عصر جديد من الحريات والمسواة، أم أنه إعلان بهيمنة الجانب الأوروبي على الجانب العربي جملةً وتفصيلاً؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات سنستعرض المواثيق – سنستعين في مقالنا هذا ببعض المواد المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، واخص بالذكر، اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في ديسمبر سنة 1948م.

قبل البدء في موضوعنا يحضرني هنا موقف السيد المُستشار رئيس جلسة إحدى قضايا القتل التي حدثت منذ فترة وجيزة، عندما ناشد المُشرع أن يُعدل القانون من أجل أن تكون عقوبة الإعدام على مرأى ومسمع الجميع، ولكن الأمر لم يكن بالهين على جمعيات حقوق الإنسان، بحجة أن هذا لا يليق، وهذا يعني انتهاكا للشعور الإنساني.

ولكن دعونا نتساءل، أي شعور تتحدث عنه هذه المنظمات أمام دماء أصبحنا نغوص فيها ليل نهار، وأين أنتم من قول المولى عز وجل "وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين" (سورة النور – الآية 2). عندما يكون الأمر على مرأى ومسمع الجميع، الجميع سيأخذ حذره، وأيضاً من الحلول العاجلة ألا نتعاطف مع قاتل أو مستعمر أو مغتصب للأرض.

عزيزي القارئ، فلنعلم أن هناك ضروريات خمس، موجودة الأديان السماوية الثلاث – الإسلامية، والمسيحية، واليهودية – وهم، حفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ العرض، وحفظ الدين. اليوم وما يحدث في المسجد الأقصى من انتهاكات وقطع صلاة وضرب المصلين، كيف يستطيع المصلي أن يأمن على نفسه في الصلاة، كيف للمواطن في الأراضي المحتلة أن يؤمن العمل، وفي هذا قال المولى عز وجل: "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ" (سورة المائدة – الآية 32). الآن هل رأيتم حرمة الدماء؟ كيف تُرى، أين دعاة حقوق الإنسان، ونحن على مرأى ومسمع مما يحدث في العالم كله – خاصة الدولة الفلسطينية والمسجد الأقصى؟ أليس كل هذا دماء! اليوم وهذه الأرواح التي تُزهق على مرأى ومسمع الجميع، في حين أن الكثير منا اليوم يهتم بحقوق الحيوان، وبالتعبير الدارج تقوم الدنيا ولا تقعد من أجل قطة أو كلب، وانا لا أنكر هذا الكلام، ولكن أليس الإنسان أولى لا سيما أن رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – (جعل بنيان الإنسان خيراً عند الله من بنيان الكعبة) إلى أن وصل الأمر أن لزوال الكعبة على الله اهون من قطرة دم على امرئ بغير حق.

 والآن دعونا نستعرض ما نصت عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان من مواد، حفاظاً على حقوق المواطنين والحريات العامة.

يُعتبر الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن الصادر في اعقاب الثورة الفرنسية 1789م نقطة الانطلاق لصياغة نظرية عامة متكاملة للحريات العامة. إلا ان المبادئ التي تضَّمنها هذا الإعلان والمفاهيم التي اعتمدها لم تولد من العدم ولم تنشأ دفعة واحدة، بل كانت عبارة عن خلاصة لتطور تاريخي طويل له جوانبه الواقعية، الفكرية والقانونية.

ثم جاءت اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس 1949م. اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام من قبل المؤتمر الدبلوماسي لوضع اتفاقيات دولية لحماية ضحايا الحروب، المعقود في جنيف خلال الفترة من 21 أبريل إلى 12 أغسطس 1949م، تاريخ بدء النفاذ: 21 أكتوبر 1950 وفقاً لأحكام المادة 53 (1). ما يهمنا هنا وفقاً لموضعنا، هو المادة الثالثة، وتأتي هذه المادة بالنص التالي:

في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية:

1- الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض، أو الجرح، أو الاحتجاز، أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون تمييز ضار يقوم على العنصر، أو اللون، أو الدين، أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد، أو الثورة، أو أي معيار مماثل آخر.

ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن:

(أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب.

(ب) أخذ الرهائن.

(ج) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهنية والخاصة بالكرامة.

(د) إصدار الاحكام وتنفيذ العقوبات دون اجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.

2- يجمع الجرحى والمرضي ويعتني بهم.

ويجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تعرض خدمتها على أطراف النزاع. وعلى أطراف النزاع أن تعمل فوق ذلك، عن طريق اتفاقات خاصة، على تنفيذ كل الأحكام الأخرى من هذه الاتفاقية أو بعضها. وليس في تطبيق الأحكام المتقدمة ما يؤثر على الوضع القانوني لأطراف النزاع.

كما صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان Universal Declaration of Human Rights عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948م، يأتي في مقدمة الديباجة، بل وفي السطور الأولى منها، لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى اعمال همجية أذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يصبو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة.

المادة الأولى: يولد جميع الناس احراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبِوا عقلاً وضميراً، وعليهم ان يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء.

المادة الثانية: لكل انسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي السياسي، أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني، أو الاجتماعي، أو الثروة، او الميلاد، أو أي وضع آخر، دون أي تفريق بين الرجال والنساء. وفضلاً عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي، او القانوني، او الدولي للبلد، أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود.

المادة الثالثة: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.

المادة الخامسة: لا يُعرض أي انسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة للكرامة.

المادة الثلاثون والأخيرة: ليس في هذا الإعلان أي نصٍ يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أية دولة أو جماعة، أو أي فرد، أي حق في القيام بأي نشاط أو بأي فعل يهدف إلى هدم أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها فيه.

لقد انتهك الأوروبيون كل حقوق الانسان التي عبرت عنها تلك المواثيق الدولية المتعارف عليها، ولعل اصدق تعبير يمكننا ان نستعين به هنا، ما ذكره الدكتور جميل أبو العباس الريان في مؤلفه "فلسفة الحضارة: عوامل قيام الحضارات وانهيارها" قائلاً: "إن عالمنا العربي حالياً في وضع لا يحسد عليه. العدو الإسرائيلي قابع كالخنجر في الصدر، والقوى العربية تتفتت الواحدة تلو الأخرى، بالإضافة إلى اتهامات تواجهه من كل جانب "تمس تاريخه القديم قبل الحديث – لأسباب سياسية وأيديولوجية أبعد ما تكون عن الموضوعية". فالفرد والمجتمع مفهومان لا ينفصلان، وحياة الفرد لا تستوي – طبيعياً واجتماعياً وسياسياً – إلا ضمن مجتمع ينتمي إليه بالولادة أو بالاختيار.

إذا نقطة الانطلاق لمشكلات المساواة والحرية والكرامة والسلامة العامة تكمن هنا، وهي تظهر بمجرد الإقرار بانه لا يمكن تصور الإنسان إلا ككائن اجتماعي. لأنه لا يمكن طرح هذه المشكلات السابق ذكرها في فرضية الإنسان المنعزل – إلا من وجهة نظر ميتافيزيقية – بينما هي تطرح وبإلحاح عند الكلام عن الإنسان ككائن اجتماعي، وذلك في مجال علاقاته مع الآخرين من ناحية، وفي مجال علاقاته مع مجمل الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه من ناحية أخرى.

غير أن سياسات إنتاج أسس لحقوق الإنسان المعاصرة ومعاييره، ربما لن تفهم على نحو دقيق في إطار الجهود المتسلسلة لترجمة القانون الدولي لحقوق الإنسان سواء وطنياً أم خارج الحدود الوطنية. كما أن طرق الإنتاج التجريبي لحقوق الإنسان ومعاييره ومشاعره وقيمة تؤثر أحياناً على السلوك السياسي والإداري لكن هذه الحالة لا تتطابق مع كون أساليب إنتاج أسس ومعايير حقوق الإنسان منظمة بصورة لا تتخطى عتبة الحكم "المستدام".

بهذه العبارة أشير إلى الأساليب التي بموجبها – تبقى جهود إنتاج أسس حقوق الإنسان ومعاييره موجهة لضمان وتأمين الصالح العام الملخص في عبارة "السلامة الهيكلية للحكم"، وبالتأكيد يبقى سؤال حاسم عن متى وكيف ولماذا وبأي تكلفة اجتماعية ناشئة صار ذلك "الصالح العام" مرادفاً لأساليب هيمنة النظم.

وفي واقع حياتنا، نشهد صوراً من حقوق الإنسان ناتجة عن فكرة أن "من يملك" هو فقط من لديه وسائل حقوق الإنسان وأدواته نفسها، وهذا ما نجده لدى مالكي وسيلة الإنتاج فهم يشاركون في تطبيق الهيمنة والسيطرة بشكل موسع تحت لواء حقوق الإنسان. وبعبارة أخرى أكثر دقة ووضوحاً، نجد أن حملة حقوق الإنسان يقيمون مصالحهم الخاصة باللجوء إلى مجموعة من القيم قد تختلف أو تتفق مع الآخر، ولكن همهم الأوحد والرئيسي هو تحقيق مقصدهم، بصرف النظر عن النتيجة الواقعة على الآخر.

وختاماً، علينا أن نعلم ان القيم الأخلاقية الأساسية (مثل كرامة وسلامة ورفاهية الإنسان) تمهد لمنبر يمكن من خلال التحقيق الدائم في النماذج المسيطرة لحقوق الإنسان. ولكن، هل هذه القيم الأخلاقية تُطبق في دولة فلسطين، وفقاً ما نصت عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟

بقى أمامنا سؤالان، أولهما : اين هو التطبيق الفعلي لحقوق الإنسان على المستوى العالمي العربي؟ وثانيهما: هل نستطيع أن نظفر بها لو أردناها، ام يبقى المتحكمون هم وحدهم من يحق لهم أن يمارسوها لصالح الدول الأوروبية، على خلاف الدول العربية المستعمرة – فلسطين – فهم صما بكما عميا، عما يفعله فيها المستعمر الإسرائيلي الخاشم، المُختصب، الداني، القاهر، للحقوق والإنسانيات. ونُضيف إلى ذلك، الا يجعلنا الوضع الراهن نتساءل اين التطبيق الفعلي لهذه النصوص والمواد؟ ولكن هذا الوضع المؤلم يجعلنا ان نقول في عبارة واحدة، أن حقوق الانسان المزعومة تواجه انفصام في التطبيق تحت راعية أوروبية.