في ذكرى ميلاده الـ98.. أبرز محطات حياة أنيس منصور
يوافق اليوم الذكرى الـ98 على ميلاد أنيس محمد منصور الذي اشتهر بالكتابة الفلسفية عبر ما ألّفه من إصدارت، جمع فيها إلى جانب الأسلوب الفلسفي الأسلوب الأدبي الحديث.
كانت بداية أنيس منصور الأدبية مع القرآن، حيث حفظه في سن صغيرة في كتٌاب القرية وكان له في ذلك الكتاب حكايات عديدة حكى عن بعضها في كتابه "عاشوا في حياتي". كان الأول في دراسته الثانوية على كل طلبة مصر حينها، ثم التحق في كلية الآداب في جامعة القاهرة برغبته الشخصية، دخل قسم الفلسفة الذي تفوّق فيه وحصل على ليسانس آداب عام 1947، عمل أستاذاً في القسم ذاته، لكن في جامعة عين شمس لفترة، ثم تفرّغ للكتابة والعمل الصحافي في مؤسسة أخبار اليوم.
ميلاده ونشأته
ولد أنيس منصور في 18 أغسطس 1924 في إحدى قرى محافظة الدقهلية الواقعة في شرق دلتا النيل في مصر، حفظ القرآن كله وهو في سن التاسعة عند كتاب القرية وكان له في ذلك الكتاب حكايات عديدة حكى عن بعضها في كتابه عاشوا في حياتي، كما كان يحفظ آلاف الأبيات من الشعر العربي والأجنبي.
استكمل أنيس منصور دراسته الثانوية في مدينة المنصورة حيث كان الأول على كل طلبة مصر حينها، وكان ذلك استكمالاً لتفوقه في صغره، حيث اشتهر بالنباهة والتفكير المنطقي السليم، وهذا تتمة تفوقه في السنين السابقة، التي اشتهر فيها بالنباهة والتفوق حتى أنه إذا جاءت حصص اللياقة البدنية كان المدرسون يقولون له - كما ذكر هو في كتابه عاشوا في حياتي: (بلاش كلام فارغ انتبه لدروسك ومذاكرتك الأولاد دول بايزين)، لأنهم كانوا يرون فيه مستقبلاً باهراً وشخصية فريدة.
التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة برغبته الشخصية، دخل قسم الفلسفة الذي تفوق فيه، وحصل على ليسانس آداب عام 1947، وعمل أستاذاً في القسم ذاته لكن في جامعة عين شمس لفترة حيث عمل مدرساً للفلسفة الحديثة بكلية الآداب جامعة عين شمس من عام 1954 حتى عام 1963، وعاد للتدريس مرة أخرى عام 1975. ثم تفرغ للكتابة والعمل الصحفي في مؤسسة أخبار اليوم والإبداع الأدبي في شتى صوره. ظل أنيس منصور لفترة لا هم له إلا شراء الكتب ودراسة الفلسفة حتى وقعت له نقطة تحول مهمة، هي حضوره لصالون عباس محمود العقاد، والذي كان بالنسبة له بمثابة بوابة على عالم آخر لم يعهده من قبل، وسجل كل ذلك في كتاب في صالون العقاد كانت لنا أيام وقدم فيه مشاكل جيله وعذاباته وقلقه وخوفه وآراءه في مواجهة جيل العمالقة من أمثال طه حسين، والعقاد، وتوفيق الحكيم، وسلامة موسى وغيرهم الكثير من أعلام الفكر والثقافة في مصر في ذلك الوقت.
بداياته في عالم الصحافة
كانت بداية أنيس منصور في عالم الصحافة مع مؤسسة أخبار اليوم - إحدى أكبر المؤسسات الصحفية المصرية - حين انتقل إليها مع كامل الشناوي، وتتلمذ على يد مؤسسيها الأستاذين مصطفى وعلي أمين، ثم ما لبث أن تركها وتوجّه إلى مؤسسة الأهرام في مايو عام 1950 حتى عام 1952 ثم سافر أنيس منصور و كامل الشناوي إلى أوروبا، وفي ذلك الوقت قامت ثورة 23 يوليو 1952، وقام أنيس منصور بإرسال أول مواضيعه إلى أخبار اليوم. وكان يقول: كانت بدايتي في العمل الصحفي في أخبار اليوم وهذا بالضبط ما لا أحب ولا أريد أنا أريد أن أكتب أدباً وفلسفة فأنا لا أحب العمل الصحفي البحت أنا أديب كنت وسأظل أعمل في الصحافة. ظل يعمل في أخبار اليوم حتى تركها في عام 1976 ليصبح رئيساً لمجلس إدارة دار المعارف.
أنيس منصور بين الصحافة والأدب والفن والفلسفة
تراوح منصور بين الصحافة والأدب والفن والفلسفة وكان من أصغر رؤساء التحرير في مصر حيث تولّى رئاسة تحرير مطبوعة وهو لم يكمل الثلاثين من عمره، وتنقل بين أشهر المؤسسات الصحفية في مصر: أخبار اليوم وآخر ساعة والأهرام والهلال ، حتى كلّفه الرئيس السادات بتأسيس مجلة أكتوبر في 31 أكتوبر 1976 م وهي مجلة عربية سياسية اجتماعية شاملة ليكون رئيساً لتحريرها ورئيساً لمجلس إدارة دار المعارف حتى سنة 1984. كان أنيس منصور الصحفي الأول للسادات بعد 1975 وكان صديقاً مقرباً وكاتماً للأسرار، ويعلم الكثيرون أن ما في خزانة أنيس منصور من الأسرار والحوارات والوثائق والتسجيلات لا يقدّر بثمن ولم يكشف عنها لأسباب لم يفصح عنها حتى مات. تغير وضع أنيس منصور تماماً وأصبح من أقرب الصحفيين المقربين من الرئيس السادات وخشي عليه البعض من الاقتراب الزائد من السلطة الحاكمة، وكان في ذهنهم تجربة العلاقة المتميزة الكبيرة بين الرئيس عبد الناصر والكاتب هيكل بكل ما لها وما عليها، كانت قناعتهم وقت إذ ولا تزال أن الاقتراب الزائد من السلطة أمر محفوف بالمخاطر، فالسلطة كالشمعة المتوهجة نعم تضئ لكن إذا اقتربت منها جداً قد تحرقك، لذا يجب الاحتفاظ بمسافة معينة بعيداً عنها.
عاش أنيس منصور طوال حياته وهو ملء السمع والبصر معروفاً مشهوراً، مزهواً بثقافته ومكانته، عاصر الملكية وشهد حكم عبد الناصر وتأذّى منه وعاصر السادات وكان مقرباً منه، ولم يمت إلا بعد أن رأى سقوط نظام مبارك وانهيار حكمه بعد 30 عاماً قضاها متربعاً على عرش مصر. ورافق الرئيس مبارك في بعض أسفاره منها في تورينتو أثناء الزيارة الوحيدة التي قام بها إلى كندا في عام 1983. كتب منصور في جريدة الأهرام المقال اليومي الأكثر قراءة "مواقف" ويكتب أيضاً في صحيفة الشرق الأوسط. وترأّس تحرير العديد من المجلات منها: الجيل، هي، آخر ساعة، أكتوبر، العروة الوثقى، مايو، كاريكاتير، الكاتب. ونقلت مقالاته التي كان يكتبها قديماً إلى صحيفة آخر لحظة.
فضل أنيس منصور أن يتفرّغ للكتابة مؤلفاً وكاتباً صحفياً، وترأس العديد من مناصب التحرير لعدد من الصحف والمجلات، إذ صحب هذا المشوار الصحفي اهتمامه بالكتابة الصحفية. وحافظ على كتابة مقال يومي تميز ببساطة أسلوبه استطاع من خلاله أن يصل بأعمق الأفكار وأكثرها تعقيدًا إلى البسطاء. ظلَّ يعمل في أخبار اليوم حتى تركها في عام 1976 ليكون رئيساً لمجلس إدارة دار المعارف، وثم أصدر مجلة الكواكب. كان من المقربين للرئيس السادات ورافقه في زيارته إلى القدس عام 1977.
تعلم منصور لغات عدة منها: الإنجليزية والألمانية والإيطالية واللاتينية والفرنسية والروسية، وهو ما مكنه من الاطلاع على ثقافات عديدة، ترجم عنها عددًا كبيرًا من الكتب الفكرية والمسرحيات، كما سافر إلى العديد من بلدان العالم، وألف العديد من كتب الرحلات ما جعله أحد رواد هذا الأدب ومن هذه الكتب: حول العالم في 200 يوم، اليمن ذلك المجهول، أنت في اليابان وبلاد أخرى.
جوائز وتكريمات
عرف بأن له عادات خاصة بالكتابة حيث كان يكتب في الرابعة صباحاً ولا يكتب نهاراً، ومن عاداته أيضاً أنه كان حافي القدمين ويرتدي البيجاما وهو يكتب، كما عرف عنه أنه لا ينام إلا ساعات قليلة جداً، وكان يعاني من الأرق ويخشى الإصابة بالبرد دائماً. حصل في حياته على الكثير من الجوائز الأدبية من مصر وخارجها ومن أبرزها الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة وجائزة الفارس الذهبي من التلفزيون المصري وجائزة الدولة التشجيعية في مصر في مجال الأدب. كما له تمثال بمدينة المنصورة يعكس مدى فخر بلده به.
مرضه ووفاته
ورحل أنيس منصور صباح يوم الجمعة الموافق 21 أكتوبر 2011 عن عمر ناهز 87 عامًا بمستشفى الصفا بعد تدهور حالته الصحية على إثر إصابته بالتهاب رئوي وأُقيمت الجنازة يوم السبت بمسجد عمر مكرم بعد صلاة الظهر. وتم دفنه بمدافن الأسرة بمصر الجديدة بعد تشييع جثمانه.