رئيس مجلس الادارة
عمــر أحمــد ســامي
رئيس التحرير
طــــه فرغــــلي
ولا تحسبن الله غافلا عن الصمائر
الشيخ أحمد تركي
الشيخ أحمد تركي
ما أحوجنا إلى الانتقال بالعبادة فى سُلم الوصول إلى الله إلى درجة التغيير على مستوى النفس وعلى مستوى الأخلاق.
لأن الصلاة التى لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر لا تُسلم صاحبها إلى رضوان الله.
والصيام بلا تقوى هو جوعٌ وعطشٌ فقط !!
ولقد لخص القرآن الكريم آلية الإصلاح فى جملة واحدة لمن أراد التغيير نحو الإصلاح، قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) {الرعد:11}.
فزيادة صور مظاهر التدين الشعبى لم تعد تجعلنى أشعر بالتفاؤل نحو التغيير على مستوى القيم والأخلاق !!
لأن الكثير من المسلمين استطاع بجدارة - إلا من رحم الله - عمل قشرة من التدين يظهر بها أمام الناس بينما أخلاقهم لا ترضى الله ولا رسوله ولا المؤمنين.
ساءتنى مقالة للداعية الأمريكى حمزة يوسف قال فيها: (مظاهر الإسلام فى الشارع وعلى الشاشة وفى واقع المسلمين اليوم ليست هى صورة الإسلام فى ذهنى التى أسلمت لله بسببها من ٣٥ عامًا !! ولو عرضت علىّ قبل إسلامى ما أسلمت فالحمد لله أن عرفت الإسلام قبل معرفتى بالمسلمين).
لقد ازدادت البرامج الدينية وازداد مشايخها مع تنوعهم! منهم الأزاهرة ومنهم تخصص وعظ - فى الفلل والقصور - وكأن القرآن نزل للأثرياء فقط - والفقراء لا يستحقون المخالطة!! ومنهم وعاظ الجماعات الدينية تخصص جذب الناس بالرقائق وإبكائهم ثم توجيههم لأيدلوجيات سياسية!! ومنهم من يُزوِّر الدين لمن يدفع أكثر !!
ومنهم من يدخل فى معارك إعلامية لعمل إثارة ونسبة مشاهدة تنفعه وقت اللزوم !
ثم بعد ذلك أصبحنا نُنَظِّر كثيرًا ونبحث كيف نُغيّر واقعنا؟!
إن تغيير الواقع يبدأ من تغيير الضمير من ضمير انتفاعى وميكافيلى إلى ضمير يقظ لا يبالى إلا بمراقبة الله رب العالمين.
لأن الوعظ والدعوة ليس فى كلام المشايخ وفصاحتهم!!، بل هو القدوة فى شخص العلماء.
والعدل ليس فى الدستور أو القانون إنما فى التزام كل المواطنين بهما دون تمييز أو محاباة.
والتعليم ليس فى مناهج وكتب بل هو مهارات نقل المعرفة عند المدرس ونقل خبرته بإخلاص وتجرد.
وبناء مصر بالطبع يحتاج إلى الضمير اليقظ والعمل المنتج والعطاء المستمر.
إن صيام رمضان والحج والعمرة وختم القرآن لن يعطى هذه النتيجة حتى نغير ضمائرنا وأنفسنا من الداخل!!
وهذه حقيقة ذكرها الله تعالى فى القرآن الكريم.
قال تعالى: (وجاهدو فى الله حق جهاده)
يعنى إذا كنت مهملًا فاتقن عملك، وإذا كنت انتهازيًا فأصلح نفسك، وإذا كنت لا تحب إلا نفسك فقاومها وأحب معها وطنك وعملك والنَّاس حولك، وإذا كنت حقودًا فتخلص من هذا الداء، وإذا كنت متكبرًا فالزم نفسك بالتواضع.
هذه هى رسالة القرآن، وهذا هو منهج الإسلام فى الإصلاح.
إن صاحب الضمير المريض الذى يضطهد موظفاً تحت يده ظلماً وعدواناً ، أو الذى يمارس المحسوبية والمحاباة لينتفع من وظيفته هو وعائلته !! ، أو الذى يضيع حقوق الغلابة ولا يأبه إلا بمن ينتفع منه !! - قد يكون هؤلاء جميعاً من رواد المساجد والبرامج الدينية !! ومع ذلك أساءوا الأدب مع الله بظلمهم للناس وعدوانيتهم على من يقع تحت أيديهم.
إن الموظف عبد المأمور (كما يقولون) فى الخطأ والصواب، ومسئولى المؤسسات التى لا تحسن إلا ثقافة (كله تمام)، بلوائح لا تغيث الملهوف بل تزيده لهفة وكربا، إن لم يكافح هؤلاء الأخطاء والفساد بتقديم مبادرات الإصلاح اللازمة ! سيحاسبهم الله تعالى وفق قول النبى صلى الله عليه وسلم : " «كلكم رَاعٍ، وكلكم مسؤول عن رَعِيَّتِهِ: الإمام رَاعٍ ومسؤول عن رَعِيَّتِهِ، والرجل رَاعٍ في أهله ومسؤول عن رَعِيَّتِهِ، والمرأة رَاعِيَةٌ في بيت زوجها ومسؤولة عن رَعِيَّتِهَا، والخادم رَاعٍ في مال سيده ومسؤول عن رَعِيَّتِهِ، فكلكم رَاعٍ ومسؤول عن رَعِيَّتِهِ».متفق عليه.
هؤلاء لا يعرفون أن مناصبهم ابتلاء من الله لهم!!، إن أحسنوا فى وظائفهم دخلوا الجنة بغير حساب بمقتضى قول النبى - صلى الله عليه وسلم - (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء)، وإن أساءوا فأوزارهم على قدر صدهم لملهوف يستحق الإغاثة ، وبمقتضى قول الله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا عظيمًا) ١٥٨: الأحزاب
{أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4)لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) } [المطففين]
إننا فى حاجة ملحة وشديدة إلى إصلاح للضمائر حتى نفوز بالضمير اليقظ الذى تُصان به حقوق الله وحقوق الناس وحقوق الوطن بالتوازى مع إصلاح الإدارة ولوائحها فى كل مؤسساتنا،
ضميرٌ يوجه صاحبه للمساعدة والتضحية دون توقع مقابل.
والإسلام يعتبر الضمير حاسة فطرية يدرك بها الإنسان الصواب من الخطأ، والحسن من القبيح، والإيجابية من السلبية، والتجاوب بشهامة مع المواقف بعيداً عن التبلد والنذالة ، ولذلك يقول صلوات الله وسلامه عليه : لوابصة بن معبد وقد ذهب إليه يسأله عن البر والإثم: جئت تسأل عن البر؟ قال: نعم. قال صلوات الله عليه: (البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك فى النفس وتردد فى الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك).
والقرآن الكريم يشير إلى هذا الضمير فى قوله تعالى: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ] (ق:16).
هذا الصوت الخفى الذى يتحرك فى داخلك هو صوت الضمير الذى نسمعه كل يوم يناجى عقلك وقلبك ويصرفك عن الشر.
أين ضمائر الذين يبيعون المباديء والأخلاق للوصول إلى المناصب والمكاسب؟، و أين ضمائر من يعملون لأنفسهم على حساب هذا الوطن ؟، أين ضمائر تجار الدين؟ أين ضمائر من يتاجر بآلام الناس وحاجتهم؟
يقول الله تعالى فى بنى إسرائيل عندما أصيبوا بأزمة ضمير فقتلوا وأهلكوا وأفسدوا فى الأرض : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِى كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(74) البقرة
فالضمير يمرض كما يمرض الجسد، وعلى هذا، فهناك ضمير صحيح وضمير مريض وضمير ميت، الضمير الصحيح يوجه صاحبه إلى الخير والبذل والعطاء، ويصرفه عن الشر، ولا يرضى بغير ذلك بديلًا، وصاحب هذا الضمير تراه دائمًا هادئًا ساكنًا منشرحًا مطمئنًا، يصفه القرآن الكريم بقوله: [يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِى فِى عِبَادِى وَادْخُلِى جَنَّتِي] (الفجر:30).
وهذا هو الضمير الذى ظهر عند كثير من المصريين بعد ثورة الثلاثين من يونيو فتوحدوا ضد مؤامرات الإرهاب والاستخراب العالمى، وهو الذى سيبنى مصر الجديدة بإذن الله.
- أما الضمير المريض ستجد صاحبه يخطئ ويصيب، وإذا أخطأ لام نفسه، ورجع إلى صوابه، وهؤلاء أمامهم فرصة كبيرة أن يُحيوا ضمائرهم ويعيشوا صالحين لأنفسهم ولوطنهم.
- و أما الضمائر الميتة فلا نفع فيها ولا يُرتجى من أصحابها نفع أبدًا، فقد تحقق فيهم قول الله تعالى : " خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) سورة البقرة.
لا مانع عندهم من الوصول إلى أغراضهم، حتى ولو بالخراب والدمار للبلاد والعباد !!
ولا شك أن الفساد والإرهاب ، من أخطر صور هذا النوع وتحدث الكارثة الكبرى عندما يتحالفان !! ، وهذا يتوجب علينا مكافحة الفساد فى مؤسساتنا على التوازى مع مكافحة الإرهاب لأنهما وجهان لعملة واحدة.
غيّروا أنفسكم على مستوى الضّمير، واعلمو أن أفضل عمل تتقربون به إلى الله هو منع شروركم عن الخلق فالمسلم من سلم الناس من لسانه ويده !!
والله أعلم.