د. صلاح سلام
دائما يحذونا الأمل فكلما ضاقت بنا السبل رددنا بيت الشعر للإمام الشافعي.. ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج.. وحديث العامة بكرة تفرج "بضم التاء" وبكرة أحلى.. والقادم أفضل إن شاء الله... وهكذا نعيش على الأمل.. والمقولة الخالدة لولا الأمل لخاب العمل.. وبرغم كل جرعات التفاؤل التي نتداولها صباح مساء إلا أننا في أحاديثنا أو كتاباتنا نحن "بتسكين النون الأخيرة" دائمًا إلى الماضي وغالبًا ما ينتهي الحديث.. ياااه كانت أيام حلوة حتى برغم قسوتها كانت حلوة.. نحن إلى أغاني زمان لأم كلثوم وعبد الوهاب وفريد وعبد الحليم وفايزة ونجاة وشادية ونعشق فيروز ووديع الصافي وصباح فخري.. حتى أحمد عدوية الذي كنا نعتبر أغانيه هابطة اتضح أنها هادفة إذا ما قارنا زحمة يا دنيا زحمة.. وهي تصف واقع بدأ يفرض نفسه في مطلع السبعينيات فقد ضاقت القاهرة بأهلها.. وأغنية أنا قلبي برتقان بصرة ملكك وأنت حرة.. فالأول برغم خروجه عن المألوف وقتها إلا أنه ما زال في الهدف، لكن كل ما كان يؤخذ عليه أنه يغني في النوادي الليلية.. فإذا حاولت اليوم أن تقارن بين الأغاني وبعضها أتحدى أن تجد لحنًا مميزًا مختلفًا فكلها إيقاع سريع مع صوت موسيقى عالي ربما لا تستطيع تفسير كلام من يغني وحتى لو فسرته فستجد ما لا يسرك إلا ما رحم ربي.. وماذا عن أفلام زمان.. هل تستطيع متابعة أي فيلم حديث مهما كانت درجة حبكته أكثر من مرة؟.
مستحيل.. هذا إذا استطعت أن تستكمل المشاهدة حتى النهاية.. إلا قليل القليل هذا مع الوضع في الحسبان أن إنتاج الأفلام المصرية انخفض بنسبة تزيد على النصف بكثير.. لكن تستطيع أن تستمتع بفيلم بين القصرين ليحيى شاهين أكثر من مرة وتشاهد رد قلبي برغم أنك تحفظه.. وتندمج مع نهر الحب لفاتن حمامة وعمر الشريف وكأنك لم تراه من قبل.. وتستمتع بفؤادة ومحمود مرسي في شيء من الخوف كأنه يرصد واقع عشناه.. أما فيلم الأرض.. فلو تكرر كل أسبوع لشاهدناه.. وأصبحت كلمة محمود المليجي.. كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة ترند بلغة محركات البحث الحالية.. وهنومة ويوسف شاهين في باب الحديد وأفلام إسماعيل ياسين.. وهكذا ونحن إلى الصحف وزخمها وقوتها في عصور الستينيات والسبعينيات والكتب والمؤلفات.. والمسرح منذ يوسف بك وهبي إلى سمير غانم وعادل إمام ومحمد صبحي.. ربما يكون اجتهاد أشرف عبد الباقي محمودًا في مسرح مصر وأن كان المضمون هشًا.. لكنه أبدًا لا يرتقي إلى لعبة الست ولا سكة السلامة.. حتى التليفزيون لا يجد في الأعياد إلا تلك المسرحيات ليعيد عرضها مرة أخرى.. وناهيك عن حديث الذكريات لما كان كيلو اللحمة بربع جنيه وقد عاصرت ذلك بالفعل ومرتب الموظف من 5 إلى 13 جنيهًا، كانت فضل ونعمة ومكفي حاله وحامد ربه على النعمة وحديث أيام القرية والحارة والسهرة على الزراعية والترعة وحكاوي الراوي وحلاق الصحة وطابور الجمعية والبيجاما الكستور وعم علي بتاع التموين.. هذا ما يدور ويسمونه نوستالحيا الحنين إلى الماضي.. فهل هو بالفعل كذلك.. أم أن الحياة تزداد صعوبة.. وأن التقدم العلمي والتكنولوجي له ضريبة فرضها بجبروت على الحاضر وأجبرنا أن ندفع الثمن صاغرين.. فقد أصبحنا مضطرين لاستخدام أدوات العصر حتى نتماهى مع التقدم وأساليب الحياة الحديثة.. وأكيد كل شيء بثمنه.. فلن يعود الزمن إلى الوراء.. وبرغم العبارة المتفائلة بكرة أحلى.. إلا أن عمر الخيام على لسان أم كلثوم يقول غدًا بظهر الغيب واليوم لي وكم يخيب الظن في المقبل.. وصدق عبد المطلب وهو يغني رائعته التي لاقت رواجًا كبيرًا بعد أن فارقنا بعقود.. ودع هواك وأنساه وأنساني عمر اللي فات ما هيرجع تاني.. كان حلم وراح أنساه وارتاح.. ودع هواك ودع.. فكم يسرح الخيال في ماضي الزمان ويجتر الذكريات مع الأصدقاء والأخوة والأحباب الذين منهم من رحل ومنهم من فارق إلى بلاد بعيدة وآخرين تقطعت بهم السبل.. أواه يا ليل طال في سهري وسائلتني النجوم عن خبري.. هل ما زالت تعتقد أن بكرة أحلى؟.