ارتبط مسرحها بالقضايا الاجتماعية والسياسية .. ثورة يوليو رائدة النهضة المسرحية الحديثة
كتب : محمد جمال كساب
مع الذكرى الـ 65 لثورة يوليو نحصد أهم انجازاتها في الفن والثقافة وتقييم النقاد للعلاقة بين الثورة والمسرح، فقد سعت ثورة يوليو 1952 وزعيمها القائد جمال عبدالناصر للعمل علي نشر أهدافها في الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة وترسيخ مبادئ الاشتراكية من أجل بناء الإنسان المصري الجديد لمواكبة المتغيرات السياسية والاجتماعية والفكرية وغرس القيم ورفع الظلم والتأكيد علي الهوية والحضارة المصرية العريقة.
فعمل عبدالناصر علي القيام بثورة ثقافية وفنية إيمانا منه بأهميتها في ترسيخ أهدافه وتطلعاته من أجل مستقبل مشرق لمصر والوطن العربي وذلك بتحقيق مجموعة كبيرة من الإنجازات الهامة في مختلف مجالات الفنون «المسرح - السينما - الأدب» ونشرها في كافة ربوع الوطن، سعيا لاكتشاف المبدعين والموهوبين؛ فتم إنشاء «المجلس الأعلي للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية» في يناير 1956 لتنظيم عمل المؤسسات بعيداً عن العشوائية والارتجال ومنح الجوائز للمتميزين ودعمهم ماديا ومعنوياً ثم إنشاء وزارة الثقافة والإرشاد القومي يقودها الوزير فتحي رضوان وإنشاء مؤسسة «المسرح والموسيقي والفنون الشعبية» ومسرح التليفزيون بقيادة السيد بدير لتقديم الأعمال الرفيعة الهادفة و«أكاديمية الفنون» بمعاهدها المختلفة ومؤسسة السينما عام 1959 ودار الكتب والوثائق 1966 ونادي القصة الذي كان نواة «اتحاد الكتاب» والثقافة الجماهيرية لنشر الإبداع في كل مكان، ومعارض متعددة للفنون التشكيلية وإقامة «عيد العلم» لتكريم الفنانين والعلماء.
وإرسال البعثات الخارجية حيث برز المسرح السياسي بصورة كبيرة تماشيا مع الأوضاع الثورية وقتها.
ثورة يوليو والنهضة المسرحية
وبرزت مجموعة كبيرة من المسرحيين في كل التخصصات «التأليف والإخراج والتمثيل والديكور» استطاعوا بمواهبهم وثقفاتهم وفكرهم إحداث نقلة نوعية ساعدت علي ظهور مصطلح العصر الذهبي للمسرح المصري خلال حقبة الستينيات من القرن الماضي، والذي مازالت آثاره باقية حتي اليوم سواء فى الأعمال أو البنية التحتية.
الكتاب
وقام جيل الكتاب الذي ظهر في فترة الاربعينيات وتبلور بقوة في الخمسينيات مع قيام الثورة وانتشر بصورة كبيرة حيث ارتبطت الأعمال المسرحية بالقضايا الاجتماعية والسياسية للثورة ومبادئها التي احتضنت الفكر الاشتراكي والعدالة الاجتماعية والمساواة والحرية، والتعبير عن الآمال والآلام وتطلعات للمستقبل، وتبلور هذا مع بزوغ المدرسة الواقعية في الأدب والفنون والتأليف والإخراج والتمثيل.
وانبثق العديد من المدارس للمؤلفين لتقدم مسرحيات مصرية خالصة؛ بعد أن كان الاعتماد في السابق علي الاقتباس والاعداد عن الأعمال الأجنبية وبرزت الواقعية والسياسة والذهنية والبحث عن هوية مسرحية مصرية واضحة.
وظهرت الأسماء الكبيرة مثل: نعمان عاشور وألفريد فرج ورشاد رشدي وعبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبدالصبور ونجيب سرور وميخائيل رومان وسعد الدين وهبة ولطفي الخولي ويوسف إدريس وعلي سالم.
المسرح الواقعى
تبلور المسرح الواقعي مع كتابات عدد من المبدعين أبرزهم: نعمان عاشور وسعد الدين وهبة ولطفى الخولي، بعد اعتمادهم علي مناقشة المشاكل الاجتماعية والتعبير عن تناقضات الواقع والدعوة إلي التغيير للأفضل، حيث قدم نعمان عاشور عدة مسرحيات منها «الناس اللي تحت- الناس اللي فوق - المغناطيس - عائلة الدوغري - عطوة أفندي قطاع عام - مولد وصاحبه غايب» تتحدث عن الصراع بين الطبقات.
وقدم سعد الدين وهبة المسرح الانتقادي السياسي معرّيا الواقع في إطار من السخرية اللاذعة كما فى أعماله «سكة السلامة - كوبري الناموس- سبع سواقي - بير السلم - المسامير- سهرة مع الحكومة - السبنسة- كفر البطيخ».
ودعا يوسف إدريس إلي البحث عن صيغة جديدة لمسرح مصري وعربي أصيل؛ فقدم أعمالا واقعية اجتماعية تظهر التباين الطبقي في إطار شعبي بالتركيز علي القرية؛ مركزاً علي التغريب الملحمي التحريضي مثل «الفرافير، والمهزلة الأرضية ، والمخططين، والجنس الثالث، واللحظة الحرجة».
وركز رشاد رشدي علي تسجيل مشاكل الواقع السياسي وانتقادها، والعمل علي تغييرها بتحريض المتلقي علي إعمال عقله بالمزج بين الرمز والواقع كما في «رحلة خارج السور، وبلدي يا بلدي، واتفرج يا سلام، ولعبة الحب».
واتكأ ألفريد فرج علي تقديم التراث الشعبي الملحمي المغلف بالسياسة لإثارة وعي الجماهير بالقضايا التي يطرحها في أعماله «النار والزيتون، وسليمان الحلبي، وسقوط فرعون، وعطوة أبو مطوة، وعلي جناح التبريزي وتابعه قُفـّه» وانشغل لطفي الخولي بالمسرح الواقعي التسجيلي الانتقادي الأيديولوجي لتأكيد الأفكار الاشتراكية مثل أعماله «قهوة الملوك، والقضية ، والأرنب».
وجنح علي سالم نحو تقديم الكوميديا الواقعية الفانتازية كما في مسرحياته «ولا العفاريت الزرق، والرجل الذي ضحك علي الملائكة، وأنت اللي قتلت الوحش، ومدرسة المشاغبين، والكلاب وصلت» وغيرها.
يحكي الكاتب يسري الجندي: أحدثت ثورة يوليو 1952 تغييراً شاملاً في كافة المجالات وخاصة في الثقافة والفنون والمسرح الذي ناصر أهدافها وعبر عن هموم الناس وقضايا الوطن وظهرت كتابات معارضة انتقدت تكلس مساحة الديمقراطية، وبرز فرسان المبدعين في التأليف والإخراج والتمثيل ومنهم سعد الدين وهبة وألفريد فرج ويوسف إدريس ونجيب سرور وكرم مطاوع وسعد أردش وسمير العصفوري وارتاد الجمهور المسارح بشكل كبير.
ويضيف الجندي: أنتمي للثورة وتأثرت بها جداً في كتاباتي المسرحية التي عبرت عن قضايا الحرية والعدالة الاجتماعية وانتقدت بعض سياساتها مما أوقعني في مشاكل مع الرقابة التي أعترضت علي بعض اعمالي منها «بغل البلدية» عام 1969.
تقول د. هدي وصفي اشعلت ثورة يوليو جذوة الشعور بالوطنية ولعبت كافة الفنون وخاصة المسرح دوراً كبيرا في ذلك من خلال التأكيد علي الدور الكبير للقوي الناعمة وترسيخ صورة الزعيم جمال عبدالناصر البطل الملهم والدعاية لإنجازاته والاهتمام بالمبدعين الموهوبين الشباب، فوجدنا ألفريد فرج يقدم أولي تجاربه مسرحية «سقوط فرعون» علي المسرح القومي وعمره 28 عاماً وتولي كرم مطاوع إدارة فرقة المسرح الحديث في الـ30 من عمره وهذا من الصعب تكراره حاليا وكانت هناك علي الجانب الآخر اعتراضات ومنع الرقابة للعديد من المسرحيات التي حاولت التعبير عن بعض الممارسات الديكتاتورية والمسالب للنظام الحاكم كما حدث مع الكاتب عبدالرحمن الشرقاوي.
ويؤكد الناقد والكاتب د. محمد أمين عبدالصمد أن ازدهار فترتي الخمسينيات والستينيات واهتمام الحركة النقدية بهما بشكل كبيرة ظلم الجيل التالي في السبعينيات الذي برز فيه مجموعة من الكتاب الموهوبين منهم محمود دياب ويسري الجندي وعلي سالم وأبوالعلا السلاموني الذين تميزوا بأنهم كانوا أكثر جرأة في نقد السلطة الحاكمة وتقديم خطاب مغاير ليساستها، واستطاعوا مواجهة الفكر المتطرف للتيار المتأسلم الذي بدأ يفرض نفسه بقوة في المجتمع والجامعات والمدارس بنشر القتل والعنف والإرهاب الذي نعاني منه حالياً.