قال إنه قدم 74 أغنية وطنية .. حلمي بكر: أغنيات الثورة صنعت نجوم الطرب
حوار : موسى صبري
استضافت "الكواكب" الموسيقار الكبير حلمي بكر للحديث عبر صفحاتها في حوار مفصل؛ عن ثورة 23 يوليو 1952 والإنجازات التي حققتها الأغنية الوطنية في ذلك الوقت، بعد أن ساهمت في التغيير الذي طرأ على المجتمع المصري في أعقاب اندلاعها، شارحا أسرار خلود هذه الأغنيات عبر الثورات التي قامت في العصر الحديث، متجاوزة زمنها الذي ولدت فيه، ومتحدثا بإسهاب عن علاقته بالضباط الأحرار، ذاكرا الأغنيات التي قام بتلحينها لكبار المطربين وقتها ومن أبرزهم وردة الجزائرية وفايزة أحمد ومحمد رشدي وغيرهم الكثير عبر سطور الحوار التالي...
حدثنا عن ذكرياتك مع ثورة 23 يوليو 1952؟
قامت الثورة وأنا في المرحلة الاعدادية، وأثرت في وجداني كطفل مثل أي مواطن مصري، وكنت أستمع إلي كل الأغاني الوطنية التي انتشرت في هذه المرحلة الهامة من تاريخ مصر، فقد كانت الأغنية الوطنية عاملا فاعلا في فهم المتغيرات التي طرأت علي الشعب المصري، ولعبت وقتها دورا بالغ الأثر في إذكاء الروح الوطنية، وهناك مجموعة كبيرة من الأغاني التي قمت بتلحينها لكبار المطربين بعد ذلك تتناول الثورة وتروي أمجادها.
وكيف كان ذلك؟
لقد قدمت العديد من الأغاني الوطنية التي ألهبت مشاعر الجمهور في فترة لاحقة بعد الثورة ،حيث عززت من الانتماء للوطن وحملت أولاها اسم " نسيم الحرية " كانت من كلماتي وتلحيني وغنائى؛ وبعد أن اعتمدت كملحن في عام 1960 لحنت لمطربين كبار مثل وردة التي غنت أكثر من أغنية وطنية من ألحاني منها " أحلي الليالي " و " يا حلاوة يا ولاد "، ثم قدمت لغيرها "سلام لكل الحبايب" و "ماتقولش ايه إدتنا مصر" ولحنت أيضا لفايزة احمد وياسمين الخيام ومحمد رشدي كما قمت بغناء أغنية لجمال عبد الناصر بعد وفاته، متأثرا بالإنجازات التي صنعها لثورة 23 يوليو ليصبح المخزون الوطني الذي صنعته أكثر من 74 أغنية.
والي أي مدي ترى أن الأغنية الوطنية أثرت في المجتمع المصري بعد الثورة؟
الأغنية الوطنية أحدثت ضجة كبيرة في المجتمع خاصة أن تكلفتها كانت بسيطة للغاية، كان جميع المطربين وعلى رأسهم أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وعبدالوهاب،؛ يغنون بإحساس صادق وكانت مشاعرهم ملتهبة كرد فعل طبيعي للتغير الذي حدث في المجتمع المصري، وهناك فرق كبير بين الأغاني التي تذاع كرد فعل لحالة وطنية يتأثر بها الجميع، وبين الأغنية التي يختارها المطرب ليفرضها علي الجمهور، فقد كانت معظم الأغاني تركز علي الإنجازات التي حققتها الثورة من عدالة اجتماعية وبناء للسد العالي إلي جانب المشروعات القومية التي حققت نصرا عظيما للبلد.
وكيف واكب المطربون وقتها هذا التغير؟
الأغنية الوطنية صنعت نجوما كبارا على رأسهم عبد الحليم حافظ الذي غني للثورة، وكانت أغانيه تذاع في كل بيت مصري وحقق مجدا عظيما من هذه الأغاني الوطنية بعد أن تغلبت هذه النوعية من الأغاني علي الأغنية العاطفية في ذلك الوقت، وأسرع نحوها كبار المطربين كرد فعل وانعكاس طبيعي للحالة التي طرأت علي الشعب المصري فقدم الغالبية أغاني وطنية خلدت في وجدان وذاكرة الشعب المصري، ولا يزال لها صدي ومردود قوي عند المصريين؛ بل إنهم باتوا يستدعونها في جميع الثورات التي تلتها حتي الآن حيث تعتبر ثورة 23 يوليو هي الثورة الأولي التي جعلت للأغنية الوطنية دورا هاما وكبيرا في المجتمع، وأصدق دليل علي كلامي استدعاء هذه الأغنيات في ثورتي 25 يناير و30 يونيو والسر يكمن في جودة صناعتها وإخلاص مبدعيها وحبهم الكبير للوطن.
وكيف كانت المنافسة بين صناع الطرب علي الأغنية الوطنية في ذلك الوقت؟
كانت على أشدها .. فقد تباري جميع المطربين والمؤلفين والملحنين لتقديم الأغنية الجيدة، وكانت المنافسة مشتعلة فيما بينهم لإبراز الأجود والأفضل، لذلك ظلت هذه الأغاني محفورة في وجدان الجمهور المصري حتي الآن، ولم تلق الأغنية العاطفية أيامها مثل هذا الاهتمام الجماهيري، حتى أن المطرب العاطفي كان يضع بعض الكلمات الوطنية في أغنيته لتعبر عن الانتماء للوطن ليقبل عليه الجمهور المتعطش للروح الثورية الوثـّابة.
إثر قيام الثورة رفض الجمهور بعض المطربين الذين كانوا يغنون في حفلات الملك فاروق وعلى رأسهم أم كلثوم وغيرها... فهل أثرت هذه التصرفات علي هؤلاء المطربين في تقديم الأغاني الوطنية فيما بعد؟
هذه ترهات سياسية لا تمت للحقيقة بأي صلة؛ والحقيقة أن ما حدث وقتها كان توحد صفوف الشعب المصري إعلاء لكلمة الوطن فوق أي مصالح أو حسابات أخري، والدليل علي ذلك أن ام كلثوم وغيرها من الذين تغنوا للملكية غنوا أيضا لثورة 23 يوليو وحققوا نجاحا منقطع النظير، والثورة جاءت للم الشمل وليس للتفريق، وقد قدمت أم كلثوم أعظم الأغاني الوطنية للثورة وغنت "مصر تتحدث عن نفسها" و "الوجوه الغابرة" عن إسرائيل بعد ذلك، وقدمت خدمات للمجهود الحربي وجابت وطافت البلاد العربية والأوربية وسخرت نفسها للوطن وكان هذا بفعل ثورة 23 يوليو التي أحدثت الفارق في وجدان ونفوس الشعب المصري الأصيل.
هل كانت تربطك صلات قوية بالضباط الأحرار بعد ثورة 23 يوليو؟
بالفعل فبعد أن قدمت أغنية لجمال عبد الناصر وذاع صيتها تواصلت مع العديد منهم، ولكني كنت صغير السن وقتها لذا فلم التق بعبد الناصر ولكني حظيت بلقاء الرئيس العظيم أنور السادات بعد أغنية "حبايب مصر" التي أحدثت ضجة في الشارع المصري وسلمت عليه وقمت بالحديث معه عن إنجازات الثورة وعلي إثر هذه العلاقة الطيبة قمت بتلحين بعض الأغاني التي صنعت خصيصا لثورة 23 يوليو وحرب أكتوبر، إلى أن اختلفت مع صفوت الشريف في زمن الرئيس حسني مبارك.
ولماذا ضعفت الأغنية الوطنية في الوقت الحالي ولم تعد بنفس القوة التي أعقبت ثورة 23 يوليو 1952؟
لأنه يوجد استسهال واستهلاك للأغنية الوطنية في هذه الأيام في الكلمات والتلحين، ورغم وجود أغان جيدة على الساحة، ولكن دعنا نتفق أن المردود المادي أصبح عنصرا فارقا في صناعتها، كما أن جيل هاني شاكر وعلي الحجار لن يكون بنفس قوة عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم، لذلك نجد الأغاني التي أعقبت ثورة 23 يوليو هي التي تذاع في كل الاحتفالات والثورات التي أعقبتها.
وما تقييمك للأغاني الوطنية التي قدمت لثورة 23 يوليو ولكن بعد سنوات كثيرة من قيامها؟
تفتقد إلى الحماس بلا شك، ولن تكن بحال من الأحوال بنفس القوة التي قدمت بها الأغانى الوطنية إبان الثورة مباشرة، ففي المرحلة التي أعقبت الثورة حتي نكسة 1967 كانت الأغنية الوطنية تعبيرا صادقا عن هذه الإنجازات التي حققتها الثورة، وأثناء النكسة قام عدد من المطربين بغناء بعض الاغاني التي تعبر عن الانتصار، بما أحدث تضليلا عند الجمهور لذلك انصرف الكثيرون عنهم، وأصبحت الأغنية نفسها ذات ذوق مختلف، بسبب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي فرضت علي المجتمع المصري وقتها، ولكن الاغنية الوطنية التي أعقبت ثورة 23 يوليو كانت أصدق تعبير عنها، وما تلى ذلك كان عبارة عن اجتهادات شخصية.
ولماذا لم تقم بتلحين بعض الأغاني الوطنية لتعبر بها عن الثورات التي أعقبت ثورة 23 يوليو حتى الآن ؟
لقد قمت بذلك بالفعل ...وقدمت أغنية وطنية صدحت بها المطربة كارمن سليمان التي تتمتع بصوت قوي ورائع، ولكنها كانت تذاع في أوقات غير مناسبة؛ لذلك أصيبت بالإحباط، وهذا الأمر جعلني أتراجع عن التلحين مرة أخرى إلى ان تحين الفرصة بعد تسويق الأغنية وتوزيعها بشكل جيد، ليستمع لها الجمهور بالشكل الذي يرضي رغباتي الفنية، وسأناقش كل هذه التداعيات في برنامجي القادم.
وكيف يتم تنفيذ أغنية وطنية تضاهي أغاني ثورة 23 يوليو 1952من وجهة نظرك؟
لابد أن تكون هناك أحداث حاضرة تعلق في أذهان الجمهور وتملك عليه أمره، وتكون مرتبطة بأحداث عظيمة تتحول إلي ذاكرة وتاريخ جمعي ، وعندما يتم استعراضها لاحقا تجد أنها تتفوق علي واقعك الحالي، فالحماس والأفكار والقضايا المرتبطة بالثورة أو الحدث الهام هى أصدق تاريخ تتحدث عنه الأغنية الوطنية، وليس بعد ذلك بعشرات السنوات ولابد ان نجد لحنا وكلمات قوية تلهب حماس الجمهور وتعبر عن آماله وتطلعاته حتى نحدث الصدى والثراء الذي أحدثته أغنيات ثورة يوليو الخالدة.