سينما يوليو.. الأيدى الناعمة تكسب
بقلم : محمد الشافعى
احتفت ثورة يوليو 1952 بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر.. بالفن والفنانين وجعلت منهم أهم أعمدة «القوة الناعمة المصرية» التي ساهمت في صناعة «الدور المصري» عربيا وإقليميا ودوليا ويعود ذلك بالأساس إلي الصفات الشخصية لجمال عبدالناصر حيث كان مثقفا رفيع الثقافة ومتذوقا لكل أنواع الفنون... ومن هذا المنطلق لم يكن غريباً أن يكون عبدالناصر صاحب فكرة فيلم بورسعيد عام 1956 وهو شخصيا الذي كلف الفنان فريد شوقي بتقديم الفيلم لتسجيل البطولات المصرية ضد العدوان الثلاثي... ولم يكن غريبا أن يكون عبدالناصر صاحب فكرة التقاء أم كلثوم وعبدالوهاب في أغنية أنت عمري ولم يكن غريبا أن يكون صاحب فكرة الدفع بالمطربة عفاف راضي إلي الصفوف الأمامية ولم يكن غريبا أن يذهب لحضور حفل افتتاح أحد أفلام فريد الأطرش عندما منعه المرض من حضور افتتاح فيلمه والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تحصي.
وأمام هذا «الوعي الثوري» بأهمية الفن والفنانين والثقافة بشكل عام التقط الفنانون هذا الوعي وبادلوا الثورة اهتماماً باهتمام... وتقديراً بتقدير.. وحباً بحب.. وتحول أهل الفن إلي «كتائب» لنشر الوعي والتنوير وظهرت تجليات تأييدهم للثورة وقائدها في الغالبية العظمي من الأعمال سواء في الموسيقي والغناء.. السينما .. المسرح .. الشعر والرواية ... إلخ.
ومن الصعب بل من المستحيل تقديم رصد كامل لما قدمه الفن في كل مجالاته تأييداً للثورة ودعما لقائدها ولهذا سنحاول أن نتوقف وبشكل سريع عند ما قدمته السينما والتي استطاعت إنتاج العديد من الأفلام المهمة والتي يعد أغلبها من أهم كلاسيكيات السينما المصرية مثل «رد قلبي - غروب وشروق - في بيتنا رجل - الله معنا- لا وقت للحب - ثمن الحرية... إلخ» وكل هذه الأفلام وغيرها كانت ترصد مقاومة المصريين للمحتل الإنجليزي أو تسترجع معاناتهم مع الحكم الملكي المهترئ، وتتفق كل هذه الأفلام في قيام ثورة يوليو مع نهاية الأحداث.. تلك الثورة العظيمة التي قام بها الجيش وأيدها وساندها الغالبية العظمي من المصريين ورغم الأهمية القصوي لهذه الأفلام وتميز كل عناصرها.. إلا أنها لم تتوقف بالرصد والتحليل عند العطاءات العظيمة التي قدمتها ثورة يوليو للمصريين ومن هذا المنطلق أجدني منحازا وبشدة للفيلم الرائع «الأيدي الناعمة» باعتباره الفيلم الأكثر تعبيرا عن إنجازات ثورة يوليو وقد يتعجب البعض من هذا الاختيار انطلاقا من أن الفيلم لم يتحدث بشكل مباشر عن ثورة يوليو ولكن المتأمل لأحداث الفيلم لابد وأن يكتشف أنه يقدم أهم إنجازات ثورة يوليو والتي تتمثل في تكافؤ الفرص وإزالة الفوارق الطبقية والعدالة الاجتماعية وكل هذه الانجازات يجسدها مشهد الشاب ابن بائع البسبوسة «السريح» والذي جعلته الثورة يلتحق بوزارة الخارجية ... ويتزوج من ابنة مدير عام.
ومن الإنجازات المهمة لثورة يوليو والتي قدمها فيلم الأيدي الناعمة بمنتهى الحرفية والرقة والعذوبة .. مسألة «الغفران الوطني» وعدم محاسبة أي إنسان بذنوب الآخرين فرغم أن البرنس «أحمد مظهر» ينتمي إلي العائلة الملكية التي كانت تحكم قبل ثورة يوليو إلا أن نظام الثورة لم يرفض انضمام هذا البرنس إلي «الصف الوطني».
بعد أن خلع أردية التعالي والتكبر.. وارتدي ثياب المساواة والعدالة وأصبح مواطناً مصرياً.. له ما للمصريين كلهم، وعليه ما عليهم. إنها فكرة المساواة وعدم التميز بالحسب والنسب والثروة ويقدم الفيلم منجزاً آخر من منجزات ثورة يوليو يتمثل في إتاحة فرص الترقي والتقدم لكل من يمتلك القدرة والاصرار عليها.. وذلك من خلال ابن عامل السكة الحديد الذي أصبح صاحب مشروع كبير ويسكن في فيللا بالمعادي ورغم بساطة وجاذبية فيلم «الأيدي الناعمة» .