رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ذكرياتى مع الرئيس نجيب

28-7-2017 | 14:37


بقلم – محمد كشك

* عندما شاهدت اسم الرئيس محمد نجيب يتلألأ على القاعدة العسكرية التى قام بافتتاحها منذ أيام الرئيس عبد الفتاح السيسى.. شعرت بسعادة غامرة لا يحسها غيرى من ملايين البشر، ربما لأننى كنت فى يوم من الأيام أحد الشهود على خزائن ذكريات هذا الرجل.

فى اللحظات التى أزاح فيها الرئيس السيسى الستار عن اسم الرئيس محمد نجيب، شعرت وكأن هذا الرجل العظيم قد عاد مرة أخرى للحياة لكى يكرمه ملايين المصريين.. لقد رد الرئيس السيسى بهذه اللفتة الرائعة الاعتبار لرمز كادت تمحوه تفاصيل الحياة بحلوها ومرها.

سيادة الرئيس.. شكرًا.. لقد علمتنا أن الوفاء شيمة الأكرمين. وأن الفضل يجب أن يرجع لأصحابه مهما طالت السنين.

ونعود للعلاقة التى ربطتنى بالرئيس محمد نجيب، ففى مساء ليلة صيف ساخن فى شهر يوليو من عام ٨٤ وكنت متخرجًا منذ شهور فى كلية الآداب.. وأخطو خطواتى الأولى نحو عالم الصحافة.. اتصل بى أحد الأصدقاء وقال لى أريدك فى أمر هام.. هل سمعت من قبل عن الرئيس محمد نجيب.. قلت له كل ما أعلمه أنه كان من الضباط الأحرار.. ضحك صديقى وقال لى.. الرئيس نجيب هو الذى راهن على حياته كلها مقابل نجاح الثورة.. نجيب هو الرئيس الحقيقى للثورة، وهو الذى اختاره ناصر ورفاقه ليكون واجهة الأحرار أمام الملك والسرايا والأحزاب والعالم كله.. نجيب هو أول شاب مصرى يلتحق بالكلية الحربية.. نجيب هو من رفض رتبة الفريق التى منحها له الملك فاروق وفضل عليها رتبة اللواء التى وصل لها باجتهاده وإصراره وتفوقه.

قلت لصديقى وأين محمد نجيب الآن فقال إنه يرقد مريضًا فى مستشفى المعادى للقوات المسلحة.

فقلت له وكيف لنا أن نراه ونقابله ونتحدث معه.. فقال صديقى إن الطريق للرئيس يبدأ من منطقة المنيل حيث تقيم شقيقته الحاجة نجية، وبعد تحديد موعد معها اتجهنا للحاجة نجية التى ظلت تحكى لى ذكرياتها عن طفولتها مع الرئيس نجيب وباقى أشقائها.

ومن الذكريات النادرة التى روتها لى السيدة نجية نجيب عن أخيها أول رئيس لمصر.. أنه بعد نكسة ١٩٦٧ أرسل نجيب برقية إلى الرئيس عبد الناصر يطلب منه السماح له بالخروج والانضمام لصفوف الجيش ولو حتى باسم مستعار ليحارب مع الجيش المصرى ولكن لم يتم الرد على طلبه.

بعد أيام من لقائى الأول معها وجدت صديقى يقول لى.. الحاجة نجية تريد مقابلتك.. على الفور توجهت إلى منطقة المنيل وقابلت الحاجة التى قالت لى وهى تستقبلنى على باب المنزل.. لك عندى مفاجأة يا محمد.. قلت لها خير.. قالت أولًا حددت لك موعدًا لمقابلة الرئيس نجيب بمستشفى المعادى، وثانيًا اتفقت مع الرئيس أن تقوم أنت بكتابة مذكرات الرئيس خاصة فى أيامه الأخيرة.

وأخرجت الحاجة نجية صندوقًا خشبيًا متوسط الحجم، وأخرجت منه عشرات الصور النادرة لمحمد نجيب وخطابات مكتوبة بخط يده ومذكرات بدأ فى كتابتها فى أيامه الأخيرة فى مقر إقامته الإجبارى بمنطقة المرج.

بصوت يملؤه الحزن والحسرة والألم قالت لى الحاجة نجية إن هذه الأشياء هى الثروة التى جمعها نجيب عبر سنوات حياته الماضية... نجيب منذ دخوله مستشفى المعادى لا يمتلك من حطام الدنيا مليمًا واحدًا ولا شبرًا واحدًا من الأرض لدرجة أن ابنه الكبير يعمل سائقًا على ميكروباص بالقاهرة.

وفى الموعد المحدد اتجهت بصحبة الحاجة نجية إلى منطقة المعادى حيث مستشفى المعادى للقوات المسلحة وهناك شاهدت الرئيس نجيب لأول مرة فى حياتى.

انحنيت تجاه الرئيس، طبعت قبلة على جبهة وجهه المضيء، انسابت دمعة ساخنة حارقة من عينى، فشلت أن أداريها عن عينى الرئيس التى ظلت تتابعنى منذ دخولى الغرفة حتى خروجى منها.. كانت حالته الصحية تمنعه من الكلام. اتفقت مع طبيبه المعالج أن آتى إليه بعد أسبوع ولم أكن أعلم أن هذه الزيارة كانت هى الأولى والأخيرة, فقد مات الرئيس وترك خلفه شلال هادر من الذكريات التى لم يتم اختراقها حتى هذه اللحظة..

ولكن تبقى نظرة الرئيس لا تفارق ذاكرتى أبدًا، وجعلتنى أؤمن عن يقين أن الله موجود بداخلنا، وأن المظلوم عندما يقول حسبى الله ونعم الوكيل، فهذا يعنى أنه نقل ملف القضية من الأرض إلى قاضى السماء، وقد نقل الرئيس محمد نجيب السنوات العجاف التى عاشها فى منفاه إلى قاضى القضاة الذى لا يظلم عنده أحد.

ألم أقل لكم إن الله موجود.. الله موجود.