رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


اجتماع بايدن وبينج خلال قمة العشرين لن يوقف انزلاق العلاقات الأمريكية الصينية

25-8-2022 | 20:05


الصين والولايات المتحدة

دار الهلال

تمر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بمرحلة هي الأسوأ منذ عقود ولا سيما بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي "نانسي بيلوسي" إلى جزيرة تايوان ورد فعل الصين اللاحق بإجراء مناورات عسكرية كبيرة حول الجزيرة.

وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية - في تقرير صحفي اليوم- أن الترجيحات تُشير إلى أن الرئيسين الأمريكي "جو بايدن" والصيني "شي جين بينج" سيلتقيان شخصيا في قمة مجموعة العشرين التي ستعقد في إندونيسيا خلال شهر نوفمبر المُقبل، وأنه إذا كان الرئيسان سيجلسان معا في غضون ثلاثة أشهر فقط من الآن، فيجب على مجموعات العمل في الجانبين التفكير في مسارات لإصلاح الضرر الكبير في العلاقات الثنائية.

وأكدت المجلة أنه لإصلاح هذا الضرر، يحتاج كلا الجانبين إلى تحليل واضح لسبب عدم استقرار الوضع في تايوان، وإلى إدراك أنه من المُحتمل أن يزداد الوضع سوءا حال عدم استغلال فرصة وجود رئيسي الدولتين في قمة العشرين لإحداث انفراجة في العلاقات.

وتجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية رئاسته، تحدث بايدن مع بينج أربع مرات عبر الهاتف أو الفيديو وعلى الرغم من المسار الهبوطي المستمر للعلاقات الصينية ــ الأمريكية، إلا أن رسائل الجانبين كانت واضحة، حيث يتحدث بايدن كثيرا عن الحاجة إلى إقامة ما يصفه بـ "حواجز الحماية" استعدادا لفترة جديدة من منافسة القوى العظمى، فيما يضع شي أهدافا طويلة الأجل لما وصفته المجلة بـ "قلب النظام الإقليمي" الحالي في آسيا.

كما أن بينج يحذر باستمرار من الخطوط الحمراء للصين بشأن تايوان، وتجلى ذلك في تحذيره خلال مكالمته الأخيرة مع بايدن في يوليو الماضي، وفي إشارة إلى مخاوف الصين بشأن استقلال تايوان، قائلا: "أولئك الذين يلعبون بالنار سيحترقون بها" ومع ذلك، فعلى المدى القصير، يبدو أن بينج يفضل الاستقرار واستمرارية العلاقات مع الولايات المتحدة.

وتؤشر التطورات الأخيرة - وفقا لمحللين - إلى أن احتمال تمكن الزعيمين من وقف الانزلاق الهبوطي في العلاقات، وإن كان على الأقل مؤقتا، مرهون بالتغلب على بعض العوائق فالصين، على سبيل المثال، تهدف إلى استعادة تايوان بصورة تدريجية وبإجراءات بعيدة عن الحرب، لكنها تخشى من سيناريو الانجراف بسبب مساعي "الاستقلال التايواني الرسمي"، المدفوع بما تعتبره تدخلا أمريكيا متهورا، قد يجبرها على خوض حرب تفضل تجنبها على الأقل في الوقت الحالي.

ويمكن القول إن بكين حققت، خلال الأسابيع الأخيرة، أهدافا مهمة، بما في ذلك إطلاق صواريخ باليستية لأول مرة مباشرة فوق جزيرة تايوان.. كما وفرت المناورات الصينية –التي أجرتها عقب زيارة بيلوسي للجزيرة - فرصة نادرة لإجراء عمليات مُشتركة بين مختلف فروع جيش التحرير الشعبي الصيني – في محاكاة واضحة لحصار مستقبلي للجزيرة والنتيجة، هي تغيير في الوضع العسكري الراهن عبر مضيق تايوان لصالح بكين.. وكذلك تمكنت الصين من القيام بما سبق مع الحفاظ على جانب كبير من علاقاتها بدول المنطقة، حيث ترى الكثير من دول جنوب شرق آسيا، في السر، أن واشنطن، وليس بكين، هي المسؤولة في الغالب عن الأزمة، وأن زيارة بيلوسي كانت بمثابة "استفزاز" لا داعي له.

ويبدو أن الولايات المتحدة تدرك على الأقل أنها تخاطر بخسارة حرب العلاقات العامة في آسيا بسبب رحلة بيلوسي.. كما أن واشنطن ورغم الدعم الذي تحظى به الصين في المنطقة، إلا أن واشنطن ترى أنها نجحت أيضا في بلورة الدعم لتايوان لذا، سيكون التغلب على التصور بتحقيق كل طرف من الجانبين نجاحا نسبيا هو العائق الأول الذي يواجهه بايدن وبينج إذا كانا يريدان السعي إلى نوع من الاستقرار عندما يلتقيان في نوفمبر المقبل.

ويتمثل العائق الثاني والأكثر تعقيدا، في تأكيد كل من الصين والولايات المتحدة أنهما تدعمان الوضع الراهن بشأن تايوان، لكن في الحقيقة، تعمل الصين والولايات المتحدة وجزيرة تايوان على تقويض الوضع الراهن بطريقة أو بأخرى.

فمن الواضح أن الصين تحاول تغيير الحقائق على الأرض، حيث تعمل منذ عقود على إنشاء قوات عسكرية قادرة على استعادة السيطرة على الجزيرة بالقوة إذا لزم الأمر وتضغط الصين على تايوان بلا هوادة –وفقا للمجلة الأمريكية- من خلال التكتيكات العسكرية للمنطقة الرمادية (ما يسمى بخط الوسط الفاصل) والإكراه الاقتصادي.

كما أزال الكتاب الأبيض (وثيقة رسمية) الذي أصدرته بكين مؤخرا حول "مسألة تايوان وإعادة توحيد الصين في العصر الجديد" التأكيدات السابقة المقدمة لتايوان بشأن موقعها المستقبلي في الصين الموحدة، مثل عدم تمركز القوات الصينية في الجزيرة.

وتتطور أيضا السياسات المحلية في تايوان في اتجاه تصعيدي، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات الوطنية المقررة في تايوان في 26 نوفمبر المقبل - بعد اجتماع بايدن وبينج المحتمل - ستشهد تحقيق حزب الزعيمة الحالية رئيسة الحزب الديمقراطي التقدمي "تساي إنج وين" الفوز على حزب المعارضة الذي يفضل توثيق العلاقات مع بكين، ما يشير إلى أن الرأي العام التايواني مستعد بشكل متزايد لدعم الاستقلال، الأمر الذي من شأنه إثارة قلق شديد في بكين.

وعلى الرغم من سعي بايدن الحثيث للتأكيد على أنه لن يغير سياسة "صين واحدة" (الأمر الذي ترى بكين أن واشنطن لا تلتزم به)، إلا أن الأسس التي يقوم عليها الوضع الراهن تتغير بالفعل، حيث يتحرك رأي النخبة والكونجرس في الولايات المتحدة في اتجاه خط أكثر صرامة ضد بكين ولا سيما ما يتعلق بتايوان.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن هناك العديد من النقاط الساخنة التي تلوح في الأفق ربما تقوض الوضع الراهن بشكل أكبر، حيث من المحتمل أن يقوم المزيد من الزوار الأمريكيين رفيعي المستوى بزيارة تايبيه (عاصمة جزيرة تايوان)، وسط توقعات –وفقا لاستطلاعات الرأي- بزيارة ستكون الثانية خلال أشهر لرئيس مجلس النواب الأمريكي إذا استعاد الجمهوريون السيطرة على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي خلال شهر نوفمبر المقبل.

كما أن الولايات المتحدة ربما تمرر قريبا قانونا جديدا حول سياسة تايوان، وهو مشروع قانون من الحزبين من شأنه رفع تايوان إلى فئة "الحليف الرئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي/الناتو/"، وزيادة مبيعات الأسلحة إلى الجزيرة..كما يرى مراقبون أن الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2024 ستشهد تبني العديد من المرشحين الجمهوريين موقفا متشددا حيال تايوان.

ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن جميع هذه العوامل تجعل من الصعب على بايدن أو بينج الوصول إلى تسوية خلال لقائهما المحتمل وأن أي استقرار طويل الأجل بشأن تايوان يتطلب من الناحية الواقعية أن يقوم بايدن وبينج ليس فقط بإنقاذ الوضع الراهن المتدهور، ولكن إعادة بنائه أيضا، وهو احتمال يبدو مستحيلا في الوقت الحالي. 

ويظل السؤال الأكثر واقعية هنا عما إذا كان الزعيمان لديهما الإرادة السياسية والقوة لتوجيه المزيد من الأصوات من جانب كل منهما لتهدئة التوترات، وإن كان بشكل مؤقت على الأقل؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الانزلاق نحو صراع أكبر - والذي كان اندلاع الأزمة بشأن زيارة بيلوسي مجرد بدايته- يبدو أنه سيستمر!.