كلمتان بهدوء.. ما كل هذا الضجيج حول المرأة والرجل؟!
اشتعلت السوشيال ميديا بقنواتها المختلفة حول مهام المرأة وما لها وما عليها، وكأن المرأة لم تكون لها حقوق أو واجبات غير اليوم، وتفاقم الوضع حتى وصل إلى حد النزاعات وإثارة المشكلات بين الأزواج والزوجات بحُجة الدفاع عما يكُتب على قنوات السوشيال ميديا.
والسؤال الآن، هل المرأة منذ خلق آدام وحواء، لم يكن لها حقوق وعليها واجبات؟
بالطبع لاء، المرأة منذ خلق آدام وحواء لها حقوق على الزوج أن يُحققها بمقتضى ما يملك، وكانت ومازالت لها واجبات لا بد عليها من اتمامِها. وهذا ما جعل الحق تبارك وتعالى يضعها في منزلة أرقى وأعلى من الرجل، فقد جعل الله سبحانه وتعالى – وكما نُردد – الجنة تحت أقدام الأمهات، وهذا ما جعلنا نتساءل، ما هو الدور أو العمل الذي لا بد على المرأة من إتمامه؟
دور المرأة عظيم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهي كما نعي جميعًا المصنع الذي ينتج للمجتمع نماذج صالحة وقومية دينيًا وأخلاقيًا. ألا أن هذا الدور كاف بجعل المرأة أرقى من الرجل في المكانة والعمل.
عزيز القارئ، المرأة هي الأم التي سهرت عليك في أثناء مرضك وتعبِك، هي مصدر الأمان داخل البيت، ولا أبالغ إن قلت هي عمود الأساس الذي يقوم عليه البيت، أما عن الرجل، فهو الشريك الثاني الذي يُجاهد خارج المنزل ليوفر للزوجة الاحتياجات المادية، التي تستطيع بها أن تُكمل رسالتها في تنشئة الأبناء تنشئة صالحة ومتزنة عقليًا ونفسيًا.
أرى في تقديري أن كل ما يحدث على قنوات السوشيال ميديا، وعلى القنوات التليفزيونية ببرامجها المختلفة، ما هو إلا زوبعة فنجان لا تثمن ولا تغني من جوع، لكن علينا ألا نصغى للدعاوي والأقاويل التي تحاول أن تبني سورًا خراسانيًا بين أفراد الأسرة الواحدة، خاصة بين الزوجين.
إن المرأة على العكس مما يثير وسيُثار نحوها، على أنها لا تتمتع بأي حقوق وإنها خادمة للرجل وأولاده، من يفكر منا بعين العقل ولو لحظات يجد أن مثل هذه الدعاوي والأقاويل ليس لها أي أساس من الصحة جملة وتفصيلًا. لقد نصت الديانات السماوية الثلاث (الإسلام – والمسيحية – واليهودية) على المكانة التي تتبوأها المرأة وعلو مكانتها ودورها الذي لا يضاهيه أي دور آخر داخل المجتمع.
إلا أنه انتشرت في الآونة الأخيرة، برامج تلفزيونية تناقش قضايا المرأة بحجة أن هذا الموضوع أصبح كما يقال بلغة السوشيال ميديا تريند أي هو موضوع الساعة، ويقوم هؤلاء الإعلاميين المقدمين لهذه البرامج، بإعطاء فتاوى حيث تقول للسائلين أفعل كذا ولا تفعل كذا.
والسؤال الآن، هل هؤلاء الإعلاميين متخصصين في هذا الشأن لكي تجيب وتصرح بحل مشكلات النساء المتصلات؟ بالطبع لا، فمثلًا عندما نريد أن نستفسر في مسألة تخص الدين لا بد وأن أتوجه لرجل دين ذو علم ودراية بهذا الاستفسار ومن علماء الأزهر، ونقيس نفس الأمر على ما لديه مشكلة طبية، فعليه أن يتوجه بطبيب مُتخصص في هذا الشأن. أما نحن الآن نعيش في عصر، نجد فيه كل من له لسان وشفتان يستطيع أن يحكم على مسألة أو يعلق على مشكلة. وليكن في علمنا أن مثل هذه البرامج التلفزيونية هدفها الأساسي هو الكسب المادي وزيادة نسبة المُشاهدة سواء ما يقدم مفيد أو ضار للمستمع.
كما أن السوشيال ميديا تعج بكثير من المشكلات الزوجية، وأيضًا، امتلأت محكمة الأسرة بالكثير من قضايا الطلاق والنفقة وقضايا رؤية الأولاد بموعد معين وغيرها من المشكلات الأسرية. المتأمل في الأمر وما يحدث، سيجد أننا أمام وضع خطير جدًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، من الممكن أن يؤدي بنا إلى تدمير المجتمع، بل وتفسخ قيمه.
وخير ما نستند إليه في حديثنا هو خطبة يوم الجمعة، التي قدمتها لنا وزارة الأوقاف منذ عدة سنوات، تدور حول مظاهر تكريم المرأة التي نص عليها القرآن الكريم، وسنستعين هنا ببعض الفقرات الواردة في هذه الخطبة، لكي تكون ردًا مدعومًا بالأدلة والبراهين على أصحاب الدعاوي الساذجة، غير العقلانيين.
إن الأم التي عُني بها الإسلام كل هذه العناية، وقرر لها كل هذه الحقوق، واجب عليها أن تحسن تربية أبنائها، فتغرس فيهم الفضائل، وتبغضهم في الرذائل، وتدفعهم دفعًا إلى الجد والاجتهاد والعمل من أجل بناء الوطن؛ وتعودهم على طاعة الله، وتشجعهم على نصرة الحق، ولا تثبطهم عن الجهاد، استجابةً لعاطفة الأمومة في صدرها، بل تغلب نداء الحق على نداء العاطفة.
ولقد ضربت لنا الأمهات الخالدات أروع الأمثلة في التربية والتعليم؛ فلقد رأينا أمًا مؤمنة كالخنساء في معركة القادسية تحرض أبناءها الأربعة، وتوصيهم بالإقدام والثبات في كلمات بليغة رائعة، وما إن انتهت المعركة حتى نعوا (ماتوا جميعًا) إليها جميعًا، فما ولولت ولا صاحت، بل قالت في رضا ويقين: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في سبيله!!
وهذه أم سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث لما مات أبوه انقطع عن طلب العلم فترك حلقة شيخه في رواية الحديث النبوي الشريف فقالت له أمه: لم فعلت ذلك؟! قال: أريد أن أعمل وأنفق على البيت!! فقالت له أمه: عد إلى طلب العلم والزم حلقة شيخك وأنا أكفيك بمغزلي!! فكانت الأم تغزل الصوف وتبيعه في السوق وتنفق على ولدها سفيان حتى صار أمير المؤمنين في الحديث!! والأمثلة على ذلك كثيرة، ولكننا يحضرنا هنا تساؤل، هل الدور الذي تعلبه الزوجة في بيتها وتربية أبنائها، يتساوى مع دور الزوج؟
يرى علماء التربية أن دور الأم في تربية الطفل يسبق دور الأب، وذلك لكثرة ملازمتها للطفل منذ تكوينه جنيناً في بطنها حتى يكبر. وكما ذكرنا آنفاً، إن الأم هي العمود الأساس الذي يقوم عليه البيت، بل والمجتمع، فهي كالبنيان إذا اهتز أساسه، سقط البنيان متفتتًا. وصدق الشاعر حافظ إبراهيم إذ يقول:
الأم مدرسة إذا أعددتها .. أعددت شعباً طيب الأعراق
عزيزي القارئ، علينا ان نعي تمامًا إن المرأة نصف الأمة، بل هي بمنزلة القلب منها، فإذا صلحت صلحت الأمة، وإذا فسدت فسدت الأمة، وقد أدرك هذا العلماء فقالوا: إنك إن علمت فتاةً علمت أسرةً؛ ويكفي أنها تحمل مسؤولية كبيرة في تربية شباب المستقبل، ورجالات الأمة، فهي المحضن الخصب الذي يخرج منه إلى الحياة أولئك الأبطال، والذي لولاها بعد الله لخرجن نماذج كرتونية ضعيفة هزيلة.
ومن العبارات التي قيلت في وصف الدور الذي تقوم به الأم، "إن وراء كل رجل عظيم امرأة أعظم"، وكما قيل: "الرجال لا يولدون، بل يُصنعون". وكما قال الشاعر:
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ مِنا .. على ما كان عَوَّدَهُ أبُوه
أضف إلى ذلك عزيزي القارئ، انه كما للأم دورًا كبيرًا في رعاية الأولاد - منذ ولادتهم - وفي تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، إلا أن اهمالها لهذا الدور واسناده لغير الأم – اقصد بذلك من يترك تربية الأبناء لأشخاص آخرين سواء مربية او خادمة – يُعد جريمة يترتب عليها أَوْخَم العواقب على حد قول الشاعر:
إهمالُ تربية البنين جريمةٌ .. عادت على الآباء بالنكبات
وفي الختام، أتمنى من الزوجين ان يحسنوا المعاملة بينهم وبين ابنائِهم. فنجاح المعاملة بين الزوجين من نجاح المعاملات بين الأبناء والآباء. بل وعليهم بتربية أبنائهم بالتربية السليمة القومية، وان تكون تنشئتهم تنشئة دينية صحيحة، لا يشوبها أي تقليد غربي اعمى يحاول هدم ما بناه الدين منذ عقود كثيرة. أتمنى أن يعود ويسود الحوار المتبادل بين أعضاء الاسرة بمناقشة المشكلات المختلفة التي تواجههم سواء للأبناء أو الآباء، بهدف تبصير الأبناء على حلول سليمة وصحيحة، وتدربهم على حل المشكلات وتنمية لغة الحوار بينهم. علينا أن نُربي أبنائنا على احترام الدين، والقيم والأخلاق، وحثهم على أن الدين في المقام الأول في جميع ما يواجهنا في أمور الدنيا. علينا ان ننتبه، لأن تماسك الاسرة وصلابتها، من تماسك المجتمع وقوته. ولن يحدث هذه التماسك ونلمس قوته في المجتمع، دون الرجوع والاستناد أوامر الحق تبارك وتعالى في كتابة العزيز وأحاديث رسولنا سيد المُرسلين وخاتم النبيين.
ولا بأس هنا من أن نَذْكر ونُذكَّر القارئ بعبارات ذكرتها في مقال سابق – فلسفة التربية والتعليم كما يجب أنّ تكون.. رؤية درامية – دعونا ننظر لأبنائنا بعين المستقبل، نحميهم من أنفسنا قبل أنفسهم، دعونا نأخذ بأديهم وسط هذا المجتمع العالمي السيء والفاتن بمشكلات اخلاقية وتربوية قد تؤدي بأبنائنا نحو حافة الضياع. علينا ان نعي جميعاً ان زرعنا اليوم في أبنائنا واستثمارنا فيهم، هو حرسنا غداً، بمعنى ان ما نفعله مع أبنائنا اليوم هو درسهم غداً لأبنائهم. أبناء اليوم هم آباء وأمهات الغد.
ولنجعل ختامنا مسك بحديث سيد المرسلين والنبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، «رُوَيْدَكَ يا أنْجَشَةُ سَوْقَكَ بالقَوَارِيرِ». فقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالقوارير، ومعلوم ليونة القوارير ووجوب صيانتها من الانكسار والضياع، فهكذا يجب على الرجال للنساء صيانتهن من الانكسار والضياع. فقد كان أنجشة رضي الله عنه يحدو للإبل التي كانت تحمل أمهات المؤمنين وكان حسن الصوت فأسرعت الإبل في السير فخاف النبي صلى الله عليه وسلم عليهن فقال له على معنى الحديث: "يا أنجشة رفقا بالقوارير". إذا أمعنا النظر في قول سيدنا رسول الله، وفهمناه فهم عن ظهر قلب، حينها نستطيع أن نفهم ما هو سبب كل هذا الضجيج عن المُشكلات المُثارة حول المرأة والرجل؟!