رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


علماء مصريون وقصص نجاحهم الملهمة 12

4-9-2022 | 14:46


د. حامد عيد,

 د. محمد القصاص .. أبو البيئة

 

 

في 19 أبريل 2001، نشر لى بريد الأهرام رسالة بعنوان "أبو البيئة‏!‏" تحدثت فيها عن احتفال معهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة بتكريم واحد من رواد علم البيئة في مصر والعالم العربي والعالم كله، الذي لانبالغ إذا أطلقنا عليه لقب أبو البيئة في مصر، الدكتور محمد عبد الفتاح القصاص، وبلوعه سن الثمانين‏،‏ وتبارى جميع الحاضرين في الحديث عن مآثره والدعوة له بالصحة والسعادة الدائمة وعندما جاء دوره ليرد علي مهنئيه ومن تحدثوا عنه‏،‏ آثر أن يتناول طباشير ويكتب علي السبورة بيانات آخر نداء تقدم به للدعوة إلي تعريف العالم بكميات المياه التي تحتاجها شعوب العالم في المستقبل‏،‏ وكيفية الحفاظ علي نقطة المياه وكيفية زيادة الكمية المتاحة إلي مستويات عليا‏..‏ وهكذا لم يتحدث عالمنا الكبير عن نفسه في يوم تكريمه وإنما فضل الحديث عن موضوع خطير يهمنا في مصر ويهم كل البشر فكان مثالا يحتذي به‏....!.

وفى الأول من أبريل 2007، نشر لى أيضا بريد الأهرام رسالة تحت عنوان "التقاليد الراسخة" تحدثت فيه عن عيد الخريجين لدفعة 2006 الذى أقامته كلية العلوم جامعة القاهرة وأطلقت عليه كتقليد محمود اسم رائد من روادها وهو محمد عبد الفتاح القصاص أحد رواد علم البيئة على المستوى القومي والعالمي‏،‏ فكان بالفعل حفل التقاليد الراسخة التي تميزت بها الجامعات المحترمة‏،‏ وقد شدني في هذا الاحتفال الكلمات التي ألقيت من جانب الدكتور القصاص ورئيس جامعة القاهرة الدكتور ‏علي عبد الرحمن وعميد الكلية ‏حمدي حسانين‏،‏ فكانت بحق مباراة محترمة في الحديث عن ارستقراطيات الجامعة وتقاليدها العريقة التي كتبت عنها منذ عشر سنوات في نافذة بريد الأهرام وقلت إن الجامعة ليست دورا تشيد‏،‏ ولا أموالا تصرف ولا وظائف تقلد‏،‏ ولا درجات تمنح‏،‏ أنها فكرة سامية تُعتنق ومثُل عليا تطبق‏،‏ وإيمان بالحق والعلم وحين تحدث الدكتور القصاص مذكرا بتلك المناقب فكان أن بدأ حديثه "سيدي رئيس الجامعة"، فكانت بداية مؤثرة جدا‏،‏ وفيها ذكر الحاضرين بالنظم الجامعية في جامعة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي‏،‏ والتي أعلت من شأن الأستاذية وجعلت من أساتذة الجامعة رجالا مسئولين ذوي وظائف مسئولة‏،‏ يطلق لهم التصرف داخل حدود وظائفهم‏،‏ ويخضعون لمجلس الاساتذة الذي اعتبر القوة التي تدير الجامعة وحكي عن بعض من ممارسات هذا المجلس القوي‏ منها: عندما أنهى العالم المصري علي مصطفى مشرفة بعثته وعاد إلى الجامعة عام‏ 1923‏ تم تعيينه أستاذا مساعدا وبعد عام واحد حصل على درجة الدكتوراه في العلوم وتمت ترقيته إلى درجة أستاذ بدون انتظار السنوات الخمس المنصوص عليها في لائحة الجامعة‏،‏ كما حكي عن أن اثنين من علماء النبات المعروفين وهما ‏أحمد ماجد وعبد الحليم منتصر واللذان تم منحهما درجة الماجستير برسالة واحدة‏،‏ ثم حكي عن أحد المعيدين في قسم الجيولوجيا وهو الدكتور إبراهيم فرج عند تقدمه للحصول على درجة الماجستير بهر مجلس الأساتذة، كم العمل الذي تقدم به فكان أن قرروا منحه درجة الدكتوراه بدون العودة إلى اللائحة‏،‏ ما يعني أن مجلس الأساتذة كان له من القوة والتأثير العلمي ما كان للائحة ان تتصدي له...!  

هذه مقدمة غير تقليدية للتعريف بالرجل الذى يعرفه القاصي والدانى فى مصر والعالم أجمع فهو صاحب العطاء الفياض والتقاليد الراسخة والمحبة الخالدة. ولد د. القصاص في‏6‏ يوليو‏1921‏ بقرية برج البرلس بكفر الشيخ‏،‏ نال تعليمه الثانوي بالاسكندرية وحصل علي البكالوريوس في تخصص علم النبات من كلية العلوم بجامعة القاهرة عام‏1944،‏ ونال الدكتوراه من جامعة كمبردج عام‏1950‏ في علم البيئة النباتية وعاد إلي مصر للتدريس بعلوم القاهرة حيث عمل بها استاذا غير متفرغ‏،‏ له دراسات عن البيئة بصحراء مصر، كان من بين مائة من كبار خبراء البيئة العالميين الذين وضعوا كتاب حدود النمو في عام‏ 1972‏ وهو الكتاب الذي أثار ضجة كبري في العالم أجمع‏.

‏ وشارك في نفس العام في إعداد التقرير الوطني المصري في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة الإنسانية باستكهولم‏،‏ وعمل مديرا مساعدا للعلوم في برنامج الأمم المتحدة للبيئة من‏1971‏ حتى ‏1978‏ وأنشأ خلالها عدة برامج بيئية للعمل العربي المشترك‏،‏ وفي عام ‏1978‏ انتخب بالإجماع رئيسا للاتحاد الدولي لصون الطبيعة والموارد الطبيعية بسويسرا حتى عام ‏1984،‏ وشارك في إصدار الاستراتيجية العالمية لصون الطبيعة بالتعاون مع الدكتور مصطفي طلبه والامير فيليب زوج ملكة بريطانيا‏،‏ وكان آخر تكريم له هو فوزه بجائزة الشيخ زايد الدولية للبيئة‏.‏

هو أول من أدخل مفهوم التصحر إلى المجتمع العلمي الدولي وعمل كرئيس الاتحاد الدولي لصون الطبيعة  (IUCN) منذ 1978 حتى 1984، ودخل "نادي روما" وكان من رواد التنمية المتواصلة وأنشأ برنامج حماية البحر الأحمر وخليج عدن ومشروع الحزام الأخضر في شمال أفريقيا. وأسس مدرسة بحثية عن البيئة الصحراوية وكان لها الدور الرائد في تحديد قضايا التصحر، كما كان عضوا وزميل في العديد من الأكاديميات العلمية والمنظمات في المنطقة العربية والعالم وتتلمذ على يديه مئات العلماء وكان همه وشاغله الرئيسي زيادة الاهتمام بالتنمية المستدامة في المنطقة العربية. ترك عدة مؤلفات منها "النيل في خطر" وموسوعة جغرافية تحت اسم "التصحر"، و"على خُطى العشرين" يتحدث فيه عن سيرته الذاتية. وعند عودته إلى الوطن، شرع الدكتور القصّاص في دراسة البيئة النباتية في الصحاري المصرية. وانتهج نهجاً جديداً، إذ عكف على دراسة آليات تكوُّن أنماط توزيع النباتات في الصحراء، بدل الاكتفاء بمجرد وصف هذه الأنماط.

في أواخر الخمسينات، اشترك مع ثلاثة علماء من أوروبا في تنفيذ مشروع مشترك بين منظمة اليونيسكو ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لوضع خريطة بيومناخية وأخرى للغطاء النباتي في منطقة حوض البحر المتوسط. ولتنفيذ ذلك جاب الصحاري المصرية مع لفيف من تلاميذه النجباء، منهم الدكتور محمود عبد القوي زهران والدكتور سامي الأبيض والدكتور وليم عبد الله جرجس. وقد مكنته هذه الدراسات الميدانية من أن يتفهم بكثير من الوضوح آليات حياة النبات في الصحراء والعوامل البيئية التي تؤثر عليها.

عمل الدكتور القصّاص في جامعة الخرطوم بالسودان فترتين، أولاهما من 1952 إلى 1956 والثانية من 1964 إلى 1968، وفي الفترة الأولى شاهد ظاهرة التصحر وتمكن من قياس معدلاتها، وفي الفترة الثانية تأكد من دقة ملاحظاته وتحقق من أن قياساته مخيفة فعلاً، وبين الفترتين، استطاع أن يقيس أيضاً معدلات النحر لشاطئ الدلتا عند قريته الساحلية قبل وبعد إتمام بناء السد العالي في أسوان، وعندما قدم نتائج هذه البحوث في المحافل العلمية أواخر الستينات، بهتت الأوساط العلمية العالمية من دقة قياساته ورصانة استنتاجاته وتحذيراته.

فى الستينات من القرن الماضي، دعا رجل الأعمال الإيطالي الشهير أوريليو بيتشي الدكتور القصّاص للانضمام الى ما سماه "نادي روما"، وهو مجموعة من مئة من كبار الخبراء العلميين العالميين، للتباحث في أمور العالم وتوعية الشعوب والقادة بالمخاطر البيئية المحتملة ونشر الكتب التي تضم ما ينتهون إليه من تحذيرات. وفى 1972 تم نشر كتاب حدود النمو(Limits to Growth) .

انتخب القصّاص نائباً لرئيس اللجنة العلمية للمسائل البيئية (SCOBE) التي أنشأها المجلس الدولي للاتحادات العلمية في باريس، فطلب من اللجنة الاهتمام بالمسائل البيئية للدول النامية، إذ أن المفهوم السائد وقتئذ كان أن المشاكل البيئية ليست سوى مشاكل التلوث في الدول الصناعية، واستجابت اللجنة لطلبه، وعقدت الاجتماع الدولي الأول للعلوم البيئية في الدول النامية بمدينة كانبرا عاصمة أستراليا عام 1971، والثاني في نيروبي عاصمة كينيا عام 1974، والثالث في القاهرة عام 1983. وكان القصّاص هو الذي يضع المحاور ويختار المدعوين ويشرف على نشر النتائج. وفي 1971 عاون في إنشاء برنامج الانسان والمحيط الحيوي (MAB) في الاونيسكو، وكان نائباً لرئيس أول مجلس تنسيقي للبرنامج.

في العام 1972، حينما عقد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة الإنسانية في ستوكهولم بالسويد، وقام الدكتور محمد القصّاص بجهد كبير لإعداد التقرير الوطني المصري حيث شارك كعضو في الوفد المصري الذي رأسه الدكتور مصطفى كمال طلبه، صديق عمره الذي صار فيما بعد المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي انبثق عن المؤتمر. وفي المؤتمر ذاته، شارك القصّاص في وفد المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو)، التي كان قد شارك في إنشائها قبل ذلك بعامين.

عمل القصاص مديراً مساعداً للعلوم في المنظمة من 1971 إلى 1978، وأنشأ خلال هذه الفترة عدة برامج بيئية للعمل العربي المشترك، منها: برنامج حماية بيئة البحر الأحمر وخليج عدن، وبرنامج التربية البيئية على مختلف المستويات، ومشروع الحزام الأخضر لشمال أفريقيا، وغيرها، وعمل بعد ذلك كبير المستشارين في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وانتخب عـام 1978، بالإجماع، رئيساً للاتحاد الدولي لصـون الطبيعـة والمـوارد الطبيعية (IUCN) في سويسرا، وظل في منصبه هذا حتى 1984، ومن خلال هذا المنصب، تعاون مع الدكتور طلبه في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والأمير فيليب زوج ملكة بريطانيا الذي كان رئيساً للصندوق العالمي للحياة البرية (WWF)، في إصدار الاستراتيجية العالمية لصون الطبيعة. وهي الوثيقة التي حوت لأول مرة تعبير "التنمية المتواصلة" أو "المستدامة"، الذي تقدمت به اللجنة الدولية للتنمية والبيئة التي شكلتها الأمم المتحدة عام 1983 لدراسة العلاقة بين هذين الأمرين الملحَّين في العالم. وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة مفهوم التنمية المتواصلة الذي تقدمت به اليها تلك اللجنة عام 1987، وأوصت أن تهتدي جميع جهود التنمية في العالم بمبادئه.

اشترك الدكتور القصّاص مع علماء آخرين من الولايات المتحدة وروسيا في الإعداد لمؤتمر الأمم المتحدة للتصحر الذي عقد في نيروبي عام 1977، وفي إعداد خطة العمل العالمية لمكافحة التصحر، التي أسفرت في النهاية عن توقيع الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر عام 1994، وعمل أيضاً على إنشاء مركز البيئة والتنمية لأوروبا والاقليم العربي (سيداري) الموجود في القاهرة حالياً. لذا يمكن القول إن أستاذنا شارك في كل برنامج دولي للبيئة وفي كل منظمة دولية للبيئة ظهرت إلى الوجود في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.

أنشأ الدكتور القصّاص مدرسة علمية من مجموعة متميزة من الطلاب والباحثين في مجال البيئة النباتية وعلوم البيئة عموما، كما اقترح على جامعة القاهرة إنشاء قسم للموارد الطبيعية ضمن معهد البحوث والدراسات الأفريقية، الأمر الذي تم تنفيذه عام 1971.

كما عمل على إنشاء اللجان الوطنية المصرية لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي واللجنة العلمية للمسائل البيئية والاتحاد الدولي لصون الطبيعة، ورأس هذه اللجان من عام 1971 حتى عام 1981، وساعد القصّاص على إنشاء جهاز شؤون البيئة عام 1983، كما أنشأ وحدة التنوع البيولوجي فيه عام 1992.

في أوائل التسعينات أشرف على إعداد خطة العمل البيئي لمصر، وفي أواخرها أعد خطة مصر الوطنية للتنوع البيولوجي، وكان الناصح الأمين والموجه الحكيم لكل خطوة اتخذها جهاز شؤون البيئة منذ إنشائه، ويمكن القول إن القوانين والإجراءات البيئية التي تصدر عن جهاز شؤون البيئة هي من وحي توجيهاته. وقد اختير القصّاص عضواً في مجلس الشورى عام 1981.

لقد كان القصاص موسوعة في مجال المعرفة البيئية، واستطاع وهو لم يزل طالبا في جامعة القاهرة الإلمام بتفاصيل جانب هام من الثروة النباتية المصرية. وجعل منها مادة أطروحة دكتوراه نالها من جامعة كامبريدج البريطانية في منتصف القرن الماضي. وقادته دراسة تصحر الأراضي شيئا فشيئا إلى الاهتمام بتصحر البحار من خلال الصيد الجائر وانعكاسات ظاهرة الاحتباس الحراري على الثروة البحرية في المنطقة العربية. واكتشف في سنوات عمره الأخيرة أن برج البرلس مسقط رأسه والموقع الأكثر انخفاضا في منطقة الدلتا المصرية سيكون في مقدمة الأماكن التي ستغمرها مياه المتوسط جراء هذه الظاهرة. قال يوما في أحد أحاديثه لمونت كارلو الدولية بين الهزل والجد إن ما يحز في نفسه أكثر فرضية ابتلاع برج البرلس قبل نهاية القرن الجاري. وهي فرضية جادة. وكان دوما يحث السياسيين والباحثين على إعداد العدة بسرعة لبدائل تحد من وقع هذه الكارثة المحتملة على سكان الدلتا وعلى الاقتصاد المصري برمته. فلا ننس أن هذه المنطقة تؤوي لوحدها اثني عشر بالمائة من الأراضي المصرية الصالحة للزراعة.

حصل القصاص على ثلاث درجات دكتوراه فخرية من جامعة السويد للعلوم والزراعة عام 1985، والجامعة الأمريكية عام 1986، وجامعة أسيوط عام 1994، كما حصل على العديد من الأوسمة والجوائز والنياشين على الصعيد الوطني أهمها: وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1959، ووسام الجمهورية من الطبقة الثانية، وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى 1981، وجائزة الدولة التقديرية 1982. كما حصل على وسام السلم التعليمي الذهبي (السودان 1978)، وجائزة الأمم المتحدة للبيئة 1978، ووسام الآرك الذهبي برتبة فارس – هولندا 1981، ووسام النجم القطبي برتبة فارس – السويد 1998، والوسام الذهبي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 1978، وجائزة الأمم المتحدة للبيئة 1978 ، وجائزة زايد الدولية للبيئة 2001.

من المعلومات اللطيفة أنه تم إطلاق اسم القصاص على نوع من الضفادع اسمه العلمي هو (Amietophrynus kassasii)، وهو متوطن في مصر، وسجل لأول مرة عام 1993 في منطقة دلتا النيل وينتشر بين النباتات المائية في حقول الأرز، وله وضع خاص في مصر لمحدودية مكانه وعدم انتشاره بكثرة.

توفي العالم المصري محمد عبد الفتاح القصاص في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء 21-3-2012 بعد صراع قصير مع المرض، عن عمر يناهز 91 عامًا.

بقيت كلمة حق يجب أن تقال عن كريم خصال أستاذنا وعن الخبرة التي يتلقاها كل من يجلس إليه، لم يكن لديه طموحات مادية، ولا رغبات شهرة، ولا أحقاد نحو أي كان. وكانت طموحاته تنحصر فقط في خدمة وطنه والبشرية جمعاء. ورغباته هي معاونة من حوله، ورعايتهم، و"فتح أبواب يكبر الناس منها" كما يحلو له أن يقول. وكل الذين زاروه في السنوات الأخيرة له في مكتبه بكلية العلوم في جامعة القاهرة أدهشهم صفاته من تواضع وخلق وعلم عميق تحلى به. وكان نشطا باستمرار ودقيقا جدا في تعامله مع المعلومة المتصلة بالمشاكل البيئية المطروحة بحدة في العالم العربي وفي مقدمتها مشكلة التصحر. فكان ينصح طلاب العلم من العرب وغير العرب دوما بالمسارعة على الأقل إلى توثيق الثروة النباتية الأصيلة بدقة لاسيما في المنطقة العربية. وكان يردد على مسامع زواره أن هذه الثروة مهددة اليوم بظاهرة التغيرات المناخية القصوى وبخاصة عبر فترات الجفاف التي تطول أكثر من اللزوم. وما يذكره مسئولو المنظمات الدولية والإقليمية التي تعنى بالبيئة والتي عمل فيها القصاص أو أسهم في تطوير أدائها أنه كان غزير الإنتاج وثاقب الرؤية ومثلا في قمة التواضع. ومن هذه المؤسسات التي ترك فيها الراحل بصماته الاتحاد الدولي لصون الطبيعة.

وهنا أحكى عن مواقف حدثت معى شخصيا، فعندما بدأت فى تأسيس مركز التراث العلمى بكلية العلوم لم يتوانى فى حضور فعالياته التى كانت تعقد فى قاعة أبن سينا بمبنى النبات القديم، وعندما كنت أزوره فى مكتبه الصغير الذى كان تأثيثه بسيطا كصاحبه فلم يكن هناك الا مكتب صغير وكرسيين للضيوف ومكتبة معلقة، وكنت دائما التقى به فى الصباح المبكر بدون موعد حيث يرحب بى مهللا وبحب وأفتح النقاش معه فى قضية ما ولا اكمل الا أن يناولنى كتاب من كتبه أو حتى من مكتبته به الموضوع الذى جئت للسؤال عنه ويؤكد على عودة الكتاب بعد انتهاء مصلحتى منه.

أخيرا أختم هذا الحديث الغير تقليدى عن الرجل بأننى تلقيت رسالة من الأستاذة نجوى القصاص ابنة أخت الدكتور القصاص وتعمل مديرا للتعليم الثانوي والإعدادي بإدارة برج البرلس مسقط رأس العالم الجليل الدكتور محمد عبد الفتاح القصاص من خلال صديقى العزيز طارق قابيل عضو هيئة التدريس بقسم النبات بالكلية، حيث طلبت مني مخاطبة المسؤولين للسعي لإطلاق اسمة على ميدان كبير بمحافظته كفر الشيخ وأن يُطلق اسمه على مدرسة بمسقط رأسه، أو على قاعة كبرى في كلية العلوم بجامعة القاهرة وكذلك بكلية العلوم جامعة كفر الشيخ لتعلم الأجيال مدى قدر عالمنا وما قدمهُ للبشرية من علم نافع، ومن هنا فإننى أناشد كل من يهمه الامر أن نقوم بتكريمه تكريما يليق بما قدمه من علم ملأ الدنيا به رافعا أسم مصر عاليا.

  • وقد تم نشر ورقتين باللغة الانجليزية بمشاركة ابنى العزيز د.طارق قابيل أحدهما بالمجلة النباتية والاخرى بمجلة جامعة القاهرة JAR   تتحدثان تفصيلا عن محمد عبد الفتاح القصاص ولمن يرغب فى الاستزاده عن الرجل وإنجازاته أترك رابط الورقتين:
 
  1. Mohamed Abdel Fattah Al-Kassas: The Founding Father of Egypt’s Ecology, Egypt. J. Bot. Vol. 61, No. 3, pp. 673 -680 (2021), https://ejbo.journals.ekb.eg/article_201667_1f9eb4e8235d7d2364d24a4ca8352a8b.pdf
  2. This to dedicate the 100th anniversary of the birth of Prof. MohamedAbdel Fattah El-Kassas‘‘The father of Egypt’s Environment”, Journal of Advanced Research, Volume 35, January 2022, Pages v-vi, https://doi.org/10.1016/S2090-1232(21)00256-3,