الحوار.. الطريق إلى السلام
ما يحدث فى العالم من صراعات وحروب وأزمات طاحنة يستلزم إعادة الحسابات.. ونظرة أخرى أكثر اعتدالاً وسلاماً لانقاذ البشر.. وليس هناك أكثر من تغليب لغة الحوار والتفاوض والتواصل لإخراج العالم من النفق المظلم.. مصر أول من طالب وأكد على أهمية تغليب الحوار فى حل الصراعات والخلافات بين الدول.. أو إنقاذ الدول نفسها من الداخل.. ولعل الحوار الوطنى الذى أطلقته مصر يشير إلى انه السبيل الوحيد لإحداث التكاتف والتلاحم.. وترسيخ الاصطفاف على المستوى المحلى.. كما أنه طريق النجاة على المستوى العالمى.. لإنقاذ الشعوب من ويلات وتداعيات الصراعات المشتعلة والحروب المستعرة.
ماذا لو اتجه العالم إلى الحوار والنقاش والتفاوض، وألجم الصراعات والنزاعات والحروب والمواجهات المسلحة، وأوقف سياسات التعنت؟! فى اعتقادى انه بات ضرورياً وملحاً ان يعيد العالم النظر فى سياساته وأدواته ويتوقف قليلاً لمراجعة النفس فى ظل الأزمات الطاحنة التى تواجه البشر، والخوف والرعب والدمار والخراب والقتل وسفك الدماء وغياب الأمن والاستقرار فى بقاع كثيرة من المعمورة وسقوط دول وأوطان، وإهدار ثروات وموارد ونعم .
المولى- عز وجل- كرم الإنسان، عن سائر المخلوقات وكان العقل وإعمال الفكر والتفكر والمنطق أهم ما ميز به الله البشر وبنى آدم.
تجارب التاريخ أثبتت ان أعقد المشاكل وأشرس الحروب والنزاعات والصراعات انتهت بالحوار والتفاوض وتحكيم لغة العقل.. لكن ما أريد أن أشير إليه، لماذا لا يلجأ العالم إلى الحوار والتفاوض قبل تعقد واستفحال الخلافات والصراعات بين الدول؟، فهناك وسائل كثيرة للحوار والاحتكام إلى المؤسسات والقوانين الدولية، تجنب أطراف الخلاف والصراع اللجوء إلى السلاح والدمار والخراب.
الحوار ليس مهماً بين دول وأخرى فحسب، ولكن أيضا يشكل ضرورة وحتمية فى داخل الدول نفسها لمعالجة قضاياها وإحداث التوافق بين أطياف وفئات الشعب وقواه السياسية، وهو ما يحدث نوعاً من اللحمة والاصطفاف.
بدون مبالغة وبمنتهى الموضوعية فإن مصر لا تتوقف عن إعلان ان الحوار هو الطريق الأمثل لحل النزاعات والصراعات والخلافات الإقليمية والدولية، وأيضاً فى الحفاظ على الدولة الوطنية داخل دول بعينها، حيث تطالب مصر دائماً بتغليب لغة الحوار والتفاوض والحلول السلمية التى تأتى من رحم هذا الحوار البناء على أرضية وطنية بالنسبة لداخل الدول أو على أرضية قانونية بين الدول وبعضها البعض.
مصر نموذج ومثال وقدوة فى إعمال وتغليب الحوار، وأكدت على ذلك فى جميع الأزمات داخل الدول بالمنطقة، فهى تكرر دائماً على أهمية تغليب لغة الحوار فى الأزمات العربية وأهمية لم الشمل وجمع المختلفين فى ليبيا واليمن والعراق، وأن يكون هناك حوار وطنى يجمع كافة الأطراف والفئات والأطياف والقوى السياسية داخل هذه الدول وصولاً للتوافق، ووقف لأى نوع من الفوضى والعنف قد تستغله بعض الأطراف الخارجية لإشعال المواقف وأيضاً للحفاظ على وحدة وسلامة هذه الدول وأراضيها وتحقيق الأمن والاستقرار وبما يؤدى إلى قوة الدولة الوطنية لتتحمل مسئوليتها فى ترسيخ الأمن والاستقرار والانطلاق نحو البناء والتنمية.
مصر لم تطالب وتؤكد على تغليب لغة الحوار والتفاوض على المستوى العربى فى الدول التى تشهد أزمات فحسب ولكن أيضاً تطبق ذلك على المستوى الدولي، فالرؤية المصرية تجاه الأزمة (الروسية- الأوكرانية) تجسدت من خلال تواصلها مع الطرفين، والتأكيد على أهمية تغليب لغة الحوار والتواصل والحلول السلمية لإنهاء الأزمة وإبداء استعدادها لبذل كافة الجهود من أجل تحقيق هذا الهدف.
التبنى المصرى لسياسات الحوار والتفاوض والحلول السلمية والسياسية يجسد حكمة فى القيادة، وإدراكاً لتداعيات الصراعات والحروب والمواجهات المسلحة واليقين أنها لن تفضى ولن تحقق أى نتائج سوى الدمار والخراب وسقوط الضحايا وإهدار الوقت واستنزاف الثروات والموارد وبالتالى إضعاف القدرة التى كان من الممكن أن تكون باباً لإسعاد البشر وتحقيق تطلعات وآمال الشعوب فى مستقبل أفضل.
مصر تتبنى لغة الحوار قولاً وفعلاً وعلى أرض الواقع، فقد أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى دعوة لجميع الفئات والأطياف والقوى السياسية المصرية للجلوس على طاولة الحوار الوطنى تحت شعار (ان الوطن يتسع للجميع)، وجاء التوقيت المثالى للحوار الوطنى فى مصر بعد أن فرغت الدولة من مواجهة تحديات وتهديدات ومخاطر كان حتمياً التفرغ لحسمها ودحرها لأنها تشكل خطراً داهماً على الأمة المصرية وأمنها القومي، لذلك ارتأت ان الوقت قد حان وأن الظروف مهيأة ليتحاور المصريون فى أمور وقضايا وشواغل وتحديات وطنهم سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية دون قيد أو شرط، وبلا سقف سوى مصلحة الوطن والالتزام بآداب وضوابط الحوار الصحى الذى يفضى إلى نتائج ورؤى تخدم مصلحة مصر وشعبها، ودون وضع شروط أو اشتراطات مسبقة، فالجميع يعمل تحت مبدأ مهم، هو نختلف من أجل الوطن ولا نختلف عليه.
الحوار الوطنى فى مصر ولد جاداً ومفتوحاً وشاملاً، وتحت رعاية القيادة السياسية وبحضورها فى الجلسات النهائية، وهو ما يشير إلى قوة وجدية الحوار الوطني، والتعويل على نتائجه ومخرجاته، وترسيخ حالة الاصطفاف والتلاحم المصري، وافساح المجال واطلاق العنان إلى الفكر البناء، والرؤى الخلاقة التى تدعم الأهداف المصرية فى تحقيق التقدم، وتطلعات الشعب.
الهاربون من الحوار الوطني، أو قل المتهربون منه، افتقدوا لوجود أفق سياسي، وقلب وعقل منفتح.. تصرفاتهم وسلوكهم السياسى تشوبه نرجسية واحساس وهمى بالذات ويفتقدون لأدنى أنواع الحس السياسى فى امتلاك القدرة على الحوار، وطرح الرؤى والحلول والبدائل والأفكار، خاصة أنهم أدمنوا فقط اطلاق العنان للشعارات والمتاجرات، وعندما يصطدمون بالواقع، ويتلقون الدعوة للمشاركة فى الحوار يتهربون ويتذرعون بحجج واهية ويدعون بطولات، ويفترضون أشياء لا وجود ولا أصل لها، ويسيئون الظنون ولديهم نوايا سيئة سعياً وراء محدثات صوت، وبطولات وزعامة رخيصة، ومن أفضل الحلول هو تجاهل مثل هذه العناصر التى تعيش على المتاجرات والشعارات الجوفاء، فهم أبطال من ورق وزعامات كرتونية، يعيشون عليها ويقتاتون من عوائدها فلا يمكن أن تنقطع عنهم.
هناك أمران مهمان إذا غابا عن أى مجتمع فإنهما يشكلان خطراً داهماً عليه، وهما غياب الحوار وفقدان التواصل وهو ما يحدث حالة من «التكلس السياسى» والجمود المجتمعى ويؤدى فى النهاية إلى ضعف حالة الوعى العام وربما تصاعد وتيرة الاحتقان، وهو ما ينطبق على الصعيد الدولي، فإن غياب حالة الحوار يفسح المجال لتفاقم الأزمات والصراعات التى لن تنتهى إلا بالجلوس للتحاور والتفاوض.
الدعوة المصرية للحوار الوطني، نراها الآن فى دول شتي، فرغم ارتفاع وتيرة الاختلاف فى العراق الشقيق، إلا انه مع انطلاق الحوار الوطنى العراقى الذى اتفقت عليه الرئاسات الثلاث سواء رئيس الدولة ورئيس الحكومة والبرلمان مع القوى السياسية المختلفة بدأت الأمور تعود إلى الهدوء وهناك نتائج مبشرة، وهناك حوار أيضا فى الشقيقة الأردن ليس لوجود مشاكل أو اختلافات ولكن لوجود تحديات تواجه هذا العالم ومنها الأردن.. والتى وجدت فى الحوار الوطنى بين فئاته وأطيافه فرصة للوصول إلى رؤى وحلول تخفف من وطأة تداعيات الأزمة العالمية.
نحن فى حاجة إلى حوار وطنى يشمل كافة الأطراف والأطياف والقوى الوطنية فى ليبيا واليمن وسوريا وهو ما تدعو إليه مصر على الدوام، سعياً لإحداث حالة من التوافق والتلاحم تحفظ لهذه الأوطان سلامة أراضيها وتوحد أبناءها وتعظم من قدرة الدولة الوطنية فى هذه الدول الشقيقة.
إعلاء لغة الحوار وتغليبها أحد أهم أسباب النجاح فى مصر سواء فى تعاطيها مع الشأن الخارجى على الصعيدين الإقليمى والدولى من خلال بناء علاقات وشراكات تقوم على التوافق والتشاور والتنسيق واتساق وجهات النظر والتى تأتى من خلال الحوار البناء، وأيضا على المستوى المحلى فإن الدولة المصرية حريصة على التواصل والحوار مع أبنائها واحاطتهم بكافة التحديات، والنجاحات والإنجازات وفق بيانات ومعلومات وأرقام بأعلى درجات الشفافية بالإضافة إلى اطلاق الحوار الوطنى لتبادل الرؤى والأفكار بين القوى السياسية الوطنية وجميع فئات وأطياف المصريين لبلورة مستقبل هذا الوطن، ودعم البناء والتنمية والتقدم، بعيداً عن حالات التشنج السياسى والمراوغات التى تحلى بها بعض الخارجين عن السياق الوطني، أملاً فى الحصول على نجومية ترضى أعداء مصر، والظهور بعباءة الزعامة المصطنعة والمصنعة.
أمس، تسلم الرئيس السيسى دعوة الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون، للمشاركة وحضور القمة العربية نوفمبر القادم بالجزائر، وهى فرصة ثمينة للحوار والنقاش وتبادل الأفكار والرؤى من أجل تعظيم التكاتف والتلاحم والعمل العربى المشترك وسط هذه التحديات بالغة الدقة التى تواجه الأمة فى محيط إقليمى وعالمى مضطرب يلقى بظلاله وتداعياته على دول الأمة العربية وأيضاً إيجاد حلول وتوافق لإنهاء الأزمات العربية فى داخل الدول، أو الأزمات العربية- العربية وهو ما أكد عليه الرئيس السيسى الذى أعرب عن تطلع مصر للعمل مع الجزائر لضمان نجاح القمة العربية فى تعزيز العمل العربى المشترك للتصدى للتحديات الضخمة التى تواجه الأمة بهدف استعادة مكانتها ووحدتها وبما يدعم مفهوم الدولة الوطنية والحفاظ على مقدرات الشعوب العربية.
أمس أيضاً الرئيس السيسى استقبل الرئيس الفلسطينى محمود أبومازن وهو ما يشير إلى أهمية التواصل والتشاور الدائم والتنسيق المكثف سواء على المستوى الثنائى أو فى إطار صيغة التنسيق الثلاثية (المصرية- الأردنية- الفلسطينية) أو الأطر الأخرى.
مصر حريصة على استعادة مفاوضات السلام واستئناف هذه الجهود والوصول إلى حل وفق الثوابت والمرجعيات الدولية، والتأكيد على ثبات الموقف المصرى الذى يعمل على مبدأ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وهو ما يشير إلى ما أكده الرئيس السيسى على استمرار مصر فى تقديم كل الدعم الممكن للقضية الفلسطينية بما يضمن تحقيق التطلعات المشروعة للشعب الفلسطينى الشقيق.
الحوار والتواصل البناء، والتشاور هو السبيل الوحيد لخروج العالم من نفق أزماته وصراعاته الطاحنة التى تهدد بمزيد من الخراب والدمار والمعاناة للبشر والشعوب، وطالما ان كل أزمة مآلها الحوار والتفاوض فلماذا لا تعجل أطراف الصراع فى تغليب لغة الحوار والتأكيد على القواسم المشتركة ونقاط الاتفاق والعمل على إذابة وتحييد نقاط الخلاف دون اللجوء إلى المواجهات والصراعات المسلحة، أو التآمر والعمل ضد مصالح الدول بعضها البعض.
لن يطفئ حرائق هذا العالم، والنيران التى توشك ان تندلع فى كافة ربوعه إلا إقرار الحوار والتفاوض كمبدأ عام وإطار أساسى لتصفية أجواء الخلافات وأسباب الصراعات فالبشر أولى بالأمن والاستقرار والثروات وتجنب الأزمات.
مصر سبقت الجميع فى دعوتها وسياساتها الداعية لتغليب لغة الحوار، أو إطلاق الحوار الوطنى بين جميع أبنائها ليتعلم العالم منها الحكمة، وترسيخ السلام والأمن والاستقرار.
تسويق النجاح
ربما تنجح، وتحقق إنجازات تفوق التوقعات، وتؤدى بشكل جيد.. لكن فى نفس الوقت تحتاج إلى تسويق هذا النجاح الكبير، لتحقق الوعى الحقيقي، لدى المواطن.
من هذا المنطلق الدولة المصرية حققت نجاحات كبيرة فاقت كل التوقعات ونجح الإعلام فى تسويقها إلى حد معقول ومرضٍ، والأداء المصرى فى آتون تداعيات الأزمة العالمية يستحق التحية فى ظل مرونة التعامل مع تداعياتها وتحقيق الاستقرار والثبات والثقة على المستوى الاقتصادى أو فيما يتعلق بتوفير احتياجات المواطن من السلع الأساسية وتوافر سبل ومقومات تجاوز الأزمة واستقرار الأمن الغذائى وأمن الطاقة كل ذلك يجب أن يجرى تسويقه من خلال لجنة مشكلة ليس لجنة لإدارة تداعيات الأزمة العالمية فهى موجودة.. ولكن أقصد لجنة لتسويق النجاح فى إدارة هذه التداعيات، وتحقيق الاستقرار للدولة المصرية ومواطنيها.
من المهم أن نسوق نجاحنا وأن يعلم الجميع تفاصيل هذا النجاح، وكيف ولد من رحم صعوبات وأزمة عالمية قاسية وهو ما يجعل المواطن يبدى الثقة والاحترام والتقدير لجهود الدولة فى ظل هذا التوقيت.. أخيراً، نحتاج إلى «خلية عمل» لتسويق النجاح ليس فقط فى التعامل مع تداعيات الأزمة العالمية ولكن فى كل مشروعاتنا وإنجازاتنا ونجاحاتنا لأن «خلية عمل» إدارة الأزمة تختلف تماماً عن خلية عمل تسويق النجاح فى التعامل مع الأزمة، والإعلام إحدى الوسائل المهمة فى تحقيق التسويق السياسى والإعلامى فى إبراز نجاحات التعامل مع الأزمة وتداعياتها، والعبور الآمن من آثارها.