رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


بلاغة الزمن في خطابات التنصيب الرئاسي من السادات إلى السيسي (3)

13-9-2022 | 16:12


د.شريف درويش اللبان,

قامت الباحثة د. حنان عبد الوهاب عبد الحميد الأستاذ المساعد بالمعهد العالي للإعلام وفنون الاتصال بالسادس من أكتوبر بتحديد إشكاليتها البحثية من خلال الكشف عن التنافر أو التقارب الخطابي فيما يتصل بثلاثية الزمن وفقا للتقارب أو التنافر الأيديولوجي بين خطابات الافتتاحية الأربع (السادات ومبارك ومرسي والسيسي)  فيما يتصل بالخطاب النقدي، والكشف عن البنى المعرفية والخلفية والخبرة السياسية لمنتج الخطابات الأربعة (السادات ومبارك ومرسي والسيسي) وأثرها في تقديم المنتج الخطابي وفقا لخطاب، ورصد الأنساق اللغوية الخاصة بالذات (أنا/نحن) والآخر(هم)، وأثرها في بناء الدلالات الخطابية، والكشف عن الخطاب الارتدادي، ورصد كيفية توظيف الخطابات الأربعة النزعة البراجماتية في استقطاب الجماهير لخطابها السياسي.

ثانيًا: خطاب تنصيب الرئيس مبارك في مجلس الشعب 14 أكتوبر 1981

يعد خطاب مبارك من خطابات التنصيب الطويلة التي وصلت مدتها إلى حوالي خمسٍ وخمسين دقيقة، استهل مبارك خطابه بالألم الذي خلفه مقتل السادات الذي وصفه بالألم وذكر مراراَ  صفات السادات المتمثلة في عديدٍ من الصفات (زعيمنا الراحل، الزعيم العملاق، القائد، والمعلم،  القائد الشهيد،، الزعيم الإنسان)، مخلفاً ألماً لكلٍ من الرجال والنساء والأبناء والأطفال، كما أن العالم المتحضر قد أثقلته الأحزان لفقد الزعيم أنور السادات الزعيم العملاق أقوي زعماء العالم على مدى قرنٍ من الزمان، لقد أطلق مبارك على خطابه أنه خطابٌ من القلب وعلى المستوى التفصيلي تشكلت محددات الخطاب كالتالي:

(1) البني الأيديولوجية والمعرفية في خطاب مبارك

لقد تم توظيف الأيديولوجية العاطفية في خطاب مبارك من خلال تكرار الصفات الجيدة ونبرة الصوت الحزينة، كان الخطاب عاطفياً لدرجة كبيرة حتى أن مبارك زرف بعض الدموع أثناء حديثه عن السادات. وكما أن مبارك لم يكن يعرف أحدٌ توجهاته السياسية، فقد خَلَفَ السادات الذي استطاع أن يحقق الكرامة لمصر، وأن ينتصر على إسرائيل ويفرض السلام، فعلى غرار خطاب السادات الذي أفاض فيه في ذكر جمال عبد الناصر، أفاض مبارك في ذكر السادات في نفس المكان وهو مجلس الشعب، والفارق أن خطاب السادات كان مقتضباً، بيد أن خطاب مبارك كان مطولاً، وقد كرر فيه التزامه بالسير على طريق السادات من خلال التأكيد على معاهدة السلام، واستكمال نفس طريق السادات الخاص بسياسة الانفتاح من خلال قوله في أكثر من موضع من الخطاب "إن اعظم تكريم أن نواصل السير علي دربه محبةً فيه وفي الوطن".

 إن هذا الخطاب على الرغم من عاطفيته إلا أنه لم يستخدم التضمين أو التلميح فقد كانت كل مفرداته واضحة وصريحة، حتي عند ذكر الالتزامات الدولية والوفاء بها، حيث ذكر صراحةً تمسكه بجميع بنود اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل والمساعدة في الحكم الذاتي للشعب الفلسطيني، وقد أفضت صراحته أنه ذكر مكرراً قول السادات "نحن لا نتحدث باسم شعب فلسطين ونحن لا نزعم أننا نحقق الحل النهائي فشعب فلسطين هو صاحب الحق الأول والأخير، ويقتصر دور مصر علي إزالة الصعوبات والقرار لشعب فلسطين".

(2) الأنساق الزمنية في خطاب مبارك

جدول يوضح دلالة الزمن في خطاب مبارك

الزمن

الأحداث

الدلالة

الماضي

زعيم استطاع أن يهز أعمدة التاريخ.

وأن يغير مجري التاريخ

نحن أبناء مصير واحد وتاريخ واحد

تغير حالة الصراع العربي الإسرائيلي

القوة التاريخية الفاعلة والمؤثرة في الآخر

التواصل بين أبناء الشعب فهم صناع التاريخ

الحاضر

استخدام  قانون الطوارئ في نطاقه المطلوب

وعدم التجاوز خارج هذا النطاق وعدم القضاء علي الحريات ولكن وضع مؤقت

المستقبل

وعلي الجانب الآخر ، حدد ملامح الدولة الرامية إلي الحفاظ علي الحرية والديمقراطية المسئولة وليست الحرية الفوضوية

توضيح السياسة المستقبلية الرامية إلي الحرية المسئولة

 

 

ذكر مبارك التاريخ في مواضع متعددة من خطابه، فمن خلال مدحه للسادات أطلق عليه زعيم استطاع أن يهز أعمدة التاريخ، وأن يغير مجري التاريخ، نقل العالم من الحرب والسلام، مؤكداً الدور الذي قام به السادات؛ فمبادرة السادات للسلام ليست ملكًا لمصر ولكن لكل العالم، وإذا نسب التاريخ للسادات فعلي الجانب الآخر وضع نفسه جزءاً من التاريخ حيث أكد "أنني أعاهد الله وأعاهدكم أن أعمل معكم جميعا. نحن أبناء مصير واحد وتاريخ واحد"، فقد جعل خطاب مبارك التاريخ الرابط المعنوي جزءاً من الروابط المتجسدة، فقد حوَّل التاريخ من زمن غير مرئي إلى روابط تقابل قداستها روابط الدم والدين والوطن| المكان.

إن الإنجازات الضخمة التي حققها البطل لبلاده لم تبدأ من فراغ، وما كانت حادثاً منفصلاً عن التاريخ النضالي بل إنها كانت تطوراً لحركة ثورية تتابعت حلقاتها عبر القرون توجتها ثورة 23 يوليو المجيدة التي فجرها وقادها ابن مصر العظيم جمال عبد الناصر فضرب بها الاستعمار والإمبريالية، وقضى على الإقطاع والرجعية، وحطم القيود التي كانت تكبل شعوب العالم الثالث المغلوبة على أمرها، وعندما سلم راية الكفاح لرفيق نضاله وشريك جهادة الرئيس الراحل أنور السادات ازدات الثورة قوةً وصلابة واستطاعت أن تجدد شبابها وطاقتها بثورة التصحيح التي حفظت للمواطن أمنه وحريته وكرامته، فرسخت سيادة القانون وحرية التعبير والرأي وحررت الاقتصاد الوطني في سبيل تحقيق الرخاء.

وروي الموقف التاريخي للسادات الخاص باسترداد الأرض، وأن ذلك لن يتحقق إلا بامتلاك القنبلة الذرية وهذا لن يتحقق لمصر، فقد كان الاختيار هو مسح عار الهزيمة وعدم الاستسلام لها من خلال الجندى المصري الشجاع.

وعلي الجانب الآخر ، حدد ملامح الدولة الرامية غلي الحفاظ علي الحرية والديمقراطية المسئولة وليست الحرية الفوضوية التي تقف حدودها عند حدود حرية الآخرين، وأكد علي أصراره علي محاربة الفساد:

 

"لا فساد ولا تجارة بقوت الشعب ولا حاكم ولا محكوم، فكلنا مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا فضل لأحدنا إلا بالتقوي والعمل الصالح، ولابد أن يشعر كل مواطن أنه يستطيع أن يحصل على حقوقه دون وساطة أو شفاعة"

 

وكما كان في كل الخطابات فقد أثنى على القوات المسلحة من خلال توجيه خطابه إليها: "إلي رجال قواتنا المسلحة المحررة للأرض محدداً الحروب الأربعة التي خاضتها القوات المسلحة، وما تكبدته من خسائر في الأرواح للحفاظ علي الوطن"، وفي المقابل توجه أيضاً إلي الشرطة ودورها البطولي في حماية الأمن الداخلي، "فإن رجال الشرطة أثبتوا أنهم درع الأمن الداخلي فقد سقط منه أطهر الشهداء".

ومن خلال تطبيق مجلس الشعب لحالة الطوارئ، فقد أكد مبارك استخدام  قانون الطوارئ في نطاقه المطلوب وعدم التجاوز خارج هذا النطاق وعدم القضاء علي الحريات أو التسلط على الناس ولكن لحماية الوطن.

كما تطرق الخطاب بعد شرحه المستفيض للجوانب السياسية الداخلية والخارجية إلي الانتقال إلى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي اللذين يعدان  أكثر أهمية، إذ يسهمان في التوصل إلى الرخاء وزيادة الدخل ورفع مستوي المعيشة وتحقيق العدالة.

(3) الأنساق اللغوية الخاصة بالذات (أنا/نحن) في خطاب  مبارك

اختلفت الأنساق اللغوية الخاصة بمبارك عن الأنساق اللغوية التي استخدمت في خطاب كلٍ من السادات وخطب عبد الناصر المتشددة تجاه إسرائيل، فقد كانت الأسماء مذكورة بوضوح ولكن الآخر، ظل القاسم المشترك بين الثلاثة اتجاهات وهو الآخر إسرائيل، بيد أن حدة الخطاب اختلفت من العدو (في  خطاب عبد الناصر)؛ فقد أكدت جميع الخطابات الرئاسية المصرية الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية.

جدول يوضح دلالة "أنا ونحن" في خطاب مبارك

المدلول

الدال

الضمير

إشارة نحن تخص الخطاب العام، أي الموقف المصري وليس موقف السادات ولكنه عقيده لدي المؤسسة العسكرية والشعب

نحن لا نتحدث باسم شعب فلسطين

ونحن لا نزعم أننا نحقق الحل النهائي للقضية شعب فلسطين

نحن

-

-

أنا

إن إشارة الضمير (نحن) لا تتحدث باسم شعب فلسطين، وكذلك جملة  (ونحن لا نزعم أننا نحقق الحل النهائي للقضية، شعب فلسطين هو صاحب الحق الأول والأخير، ويقتصر دور مصر علي أزالة الصعوبات والقرار لشعب فلسطين). وفقاً لهذا السياق حدد دور مصر بأنه دور ميسّر ومساعد للقضية الفلسطينية ولكن شعبها هو الذي يقرر.

جاء خطاب مبارك مثل خطاب السادات الذي ركز فيه على رثاء عبد الناصر؛ حيث جاء خطاب مبارك محاولاً الابتعاد عن ذكر الذات في مقابل التركيز على الآخر (السادات) من خلال إعطائه الصفات المختلفة الإيجابية المتمثلة في القيادة والذكاء والقدرة والزعامة، لأن السادات اغتيل بعد تحقيق السلام واستعادة الأرض.

وفي الأسبوع المقبل نواصل عرض نتائج هذه الدراسة المهمة.