ما ورد من كلام أكابر العلماء فى الترغيب فى الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - قال الإمام أبو شامة، شيخ الإمام النووى، فى كتابه (البواعث على إنكار البدع والحوادث) الذى ألفه فى ذم البدع قال: (ومن أحسن ما ابتدع فى زماننا مع يفعل كل عام فى اليوم الموافق ليوم مولده - صلى الله عليه وسلم - من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء مشعر بمحبته - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه فى قلب فاعل ذلك وشكر الله – تعالى – على ما من به من إيجاد رسوله - صلى الله عليه وسلم - الذى أرسله رحمه للعالمين .
قال العلامة أحمد بن عبد الغنى بن عمر عابدين، المتوفى سنة 1320هـ فى شرحه على مولد ابن حجر: اعلم أن من البدع المحمودة عمل المولد الشريف فى الشهر الذى ولد فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وسئل الحافظ المحقق أبو زرعة العراقى عن عمل المولد هل هو مستحب؟ أو مكروه؟ وهل نقل فعله عمن يقتدى به؟ فأجاب: بأن اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب فى كل وقت فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهور نور النبوة فى هذا الشهر الشريف .
ولا نعلم غير ذلك عن السلف، ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروهاً. فكم من بدعة مستحبة بل واجبة ، ونقل مثل ذلك عن الإمام السيوطى – رحمه الله تعالى.
مبدأ الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم -
قال الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوى، المولود سنة 831هـ: إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعلمون المولد ويتصدقون فى لياليه ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عظيم .
قال العلامة أحمد بن خلكان، صاحب التاريخ المشهور المتوفى سنة 681هـ فى ترجمة الملك المعظم مظفر أبو سعيد صاحب إربل: وأما احتفاله - صلى الله عليه وسلم - فإن الوصف يقصر عن الإحاطة به لكن طرفا منه، وهو أن أهل البلاد كانوا قد سمعوا بحسن اعتقاده بمولده - صلى الله عليه وسلم - فكان فى كل سنة يصل إليه من البلاد المجاورة القريبة من إربل مثل بغداد والموصل والجزيرة ونصيبين وبلاد العجم وتلك النواحى خلق كثيرة ولا يزالون يتواصلون من المحرم إلى أوائل ربيع الأول. إلى آخر ما قاله فى كلام طويل .
وقال ابن الجوزى: أول من أحدث المولد (أى بشكله الجميل) الملك المظفر أبو سعيد أربل، وألف له الحافظ ابن دحية، المتوفى سنة 604هـ تأليفاً سماه (التنوير فى مولد البشير النذير) فأجازه الملك المظفر بألف دينار وصنع الملك المولد وكان يعمله فى ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً، وكان شهماً شجاعاً بطلاً عاقلاً عادلاً عالماً، طالت مدته فى الملك إلى أن مات وهو محاصر الفرنج فى مدينة عكا سنة 630 هـ محمود السيرة والسريرة .
قال سبط ابن الجوزى فى مرآة الزمان: حكى لى بعض من حضر سماط المظفر فى بعض الموالد فذكر أنه عد فيه خمسة آلاف رأس غنم شواء، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى، وكان يحضر عنده فى المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم .
وكان يصرف على المولد ثلاثمائة ألف دينار، وكان يصنع مثل ذلك ملوك المغرب والأندلس كما قال صاحب (نفح الطيب (
ومثله فى الهند ومصر، وتنافس الملوك فى ذلك تنافساً عظيماً .
استحسان القيام عند ذكر وضع أمه له - صلى الله عليه وسلم -
ذكر العلامة نجم الدين الغيطى الإسكندرى، المتوفى سنة 918هـ فى كتابه (بهجة السامعين والناظرين بمولد سيد الأولين والآخرين): جرت العادة بأنه إذا ساق الواعظ والمداح مولده - صلى الله عليه وسلم - وذكروا وضع أمه له - صلى الله عليه وسلم - قام أكثر الناس تعظيما له - صلى الله عليه وسلم - وهذا القيام بدعة لا أصل له، ولكن لا بأس به لأجل التعظيم ، بل هو فعل حسن ممن غلب عليه الحب والإجلال لذلك النبى الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
وذكر مثل ذلك العلامة أحمد بن عبد الغنى عابدين المتقدم الذكر .
وذكر أيضاً مثل ذلك العلامة البرهان إبراهيم الحلبى، فى كتابه (روح السير) .
وقد حصل القيام عند ذكر وضع أمه له - صلى الله عليه وسلم - من عالم الأمة فى عصره المقتدى به دينا وورعا الإمام المجتهد أبى الحسن تقى الدين على السبكى وتابعه على ذلك فى نفس المجلس مشايخ الإسلام فى عصره .
وقد اتفق أن منشداً أنشد أبياتاً لأبى زكريا يحيى الصرصرى الحنبلى يقال له (حسان زمانه) وهى :
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب على فضة من خط أحسن من كتب
وأن ينهض الأشراف عند سماعه قياماً صفوفاً أو جثيا على الركب
أما الله تعظيما له كتب اسمه على عرشه يا رتبة سمت الرتب
أنشد المنشد هذه الأبيات فى ختم درس تقى الدين السبكى، وكان فى مجلسه القضاة والعلماء والأعيان، فلما وصل المنشد إلى قوله :
وأن ينهض الأشراف عند سماعه قياماً صفوفاً أو جثيا على الركب
قام الشيخ تقى الدين فى الحال على قدميه امتثالاً وتعظيماً وقام الناس كلها وحصلت ساعة طيبة وأنس كبير، ذكر ذلك ولده التاج رحمه الله .
الكتب المؤلفة فى مولده الشريف - صلى الله عليه وسلم -
كتب فى مولده الشريف كثير من العلماء المحبين له - صلى الله عليه وسلم - فمنها المطبوع المتداول، ومنها غير ذلك ومنها ما هو مجلدات، ومنها ما هو مختصر فى ملازم وكراريس، فمولد جامع الآثار فى مولد النبى المختار، لابن ناصر الدين الدمشقى فى ثلاثة مجلدات، وللعلامة أحمد بن عبد الغنى بن عمر عابدين شرح كبير على مولد الإمام الكبير أحمد بن حجر الهيتمى.
ومن أصح هذه الكتب ما كان منسوباً للحافظ من علماء الحديث كمولد الحافظ زين الدين العراقى، ومولد الحافظ السخاوى، ومولد الإمام الكبير أحمد بن حجر الهيتمى وسماه النعمة الكبرى على العالم بمولد سيد ولد آدم، مذكورة أحاديثه بأسانيد كما نقلها عن أئمة الحديث خال من وضع الوضاعين وانتحال الملحدين والمفترين، وله مولد آخر صورة عنه خال من السند تيسيراً لقرائه فى حفلة المولد، وهو مقتصر على أوصافه الحسية والمعنوية وعلى علامات نبوته وعلى ما ظهر أثناء ولادته من الإرهاصات وغرائب المشاهدات .