رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


علموا أولادكم احترام القانون

18-9-2022 | 21:35


عبد الرازق توفيق

تعرضت مصر لحالة من التبوير والتجريف خلال العقود الماضية.. غابت فيها الرؤية عن البناء الصحيح للإنسان.. تعانق خلالها إهمال بناء الحجر والبشر معاً.. تفاقمت الأزمات والتحديات ووصلت إلى طريق مسدود.. وهو ما أدى إلى ارتفاع كلفة الإصلاح والبناء والتنمية على مدار 8 سنوات شملت.. تطويراً وتحديثاً وإنجازات ونجاحات فى كل المجالات والقطاعات لبناء دولة عصرية.. ومواطن يتواكب مع التطور علمياً وأخلاقياً وتوعوياً.. لذلك فالدولة تتصدى برؤية وإرادة لكل أخطاء وأزمات الماضى.. وتبنى الإنسان منذ الصغر.. على احترام القانون واحترام حقوق وأملاك وأراضى الدولة.. احترام الشارع ونظافته.. لذلك أيضا على جميع المؤسسات المنوطة ببناء الإنسان سواء الأسرة أو المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية والإعلامية أن تتجه صوب تصحيح السلوكيات والثقافات التى ترسخت منذ الماضى وتحرص على تربية الأجيال الجديدة وفقاً لمنظومة القيم المصرية.

الأسبوع الماضي، كنت أسير فى أحد شوارع القاهرة قادماً من مهمة عمل بطريق السويس، وكان أمامى «تروسيكل» يقوده شاب وآخر فى (مقطورة) التروسيكل، نزل الأخير، واشترى عُلبتىّ عصير قصب بلاستيك، وبعد أن فرغا من تناول العصير ألقيا العلب البلاستيكية فى عرض الشارع، قلت لنفسى لا يمكن السكوت على هذا الفعل، حتى ولو بالنصيحة واللسان، أشرت للشاب الذى يجلس فى الخلف هل هذا يصح، لكنه أبدى اعتذاراً واسفاً واعداً أنه لن يكرر الأمر مرة أخرى قلت له من سيتولى جمع هذه الأشياء التى القيتها فى الشارع، لكنه كرر الأسف والاعتذار.

هذا المشهد يتكرر كثيراً من مستويات اجتماعية مختلفة، بقايا الطعام وعلب الكانز، تلقى من نوافذ السيارات فى عرض الشارع، دون أدنى مسئولية أو ثقافة احترام نظافة الشارع، وكان من الممكن أن يحتفظ بهذه البقايا فى السيارة لحين الوصول إلى المكان المخصص لإلقاء القمامة وبقايا الطعام، والسؤال هنا: هل هناك تقصير فى الوعى لتقويم مثل هذه السلوكيات؟ لماذا لا تحرص الأسر على تعليم الأبناء أهمية الحفاظ على نظافة الشارع وكيفية التعامل مع القمامة وبقايا الطعام؟ ولماذا لا تقدم المدارس على الاهتمام بترسيخ السلوكيات والقيم والمبادئ التى نحتاجها فى المجتمع ومنها احترام نظافة المكان والشارع وغرس روح المسئولية تجاه النظافة بكافة أنواعها وأشكالها؟ وأين دور المسجد والكنيسة لتعليم الأطفال والشباب منذ الصغر السلوكيات التى تحافظ على المجتمع فى مختلف المجالات؟ فلماذا لا تخصص خطب الجمعة أو الدروس والمواعظ أو عظة الأحد؟ إنها أمور مهمة نحتاجها فى ظل الاتجاه نحو بلوغ التقدم.

الحقيقة أنه من الجميل أن نعلم أبناءنا الاختلاف والتسامح والحوار مع الآخر، واحترام الرأى الآخر لكن هناك أشياء مهمة نحتاجها فى المجتمع أيضا مثل ترسيخ الكثير من المبادئ والقيم ، أبرزها احترام القانون، والمال العام والأخير عانينا منه كثيراً على مدار العقود الماضية فى صور وأشكال مختلفة منها التعدى على أراضى وأملاك الدولة، أو التعدى على الطريق العام، والمال العام، ورفض أى أموال خارج القانون فما الذى يجبر الموظف أن يتقاضى أموالاً «تحت الترابيزة أو درج المكتب»، ولماذا يتعمد البعض أن تخسر الدولة فى سبيل أن يربح هو القليل، ولماذا يتهاون ويفرط البعض فى حقوق الدولة.

كنا نسمع فى الماضى عن جرائم كثيرة مثل التعدى على أملاك وأراضى الدولة، والأوقاف، أو تركيب أشياء وإعلانات فى الشوارع دون اعتبار للقانون، أو بيع أراضى الدولة والتحايل فى ذلك مثل اعتبارها فى العقود استصلاحاً وزراعة.. ثم تتحول بقدرة قادر إلى منتجعات وكومباوندات كانت تحظى بالدعم الذى تقدمه الدولة من كهرباء ومياه نظيفة وخدمات أخري، وربما تعامل مثل المواطن البسيط فى سبيل أن هناك موظفاً فرط فى حق الدولة وتهاون فى تطبيق القانون، والسؤال: ما هو نوع التربية التى تلقاها هذا الموظف، وما هو التعليم والوعى الذى تعاطى معه قبل استلامه للوظيفة.

هناك ثقافات وسلوكيات وانحرافات انتهت فى هذا العهد الذى يتمتع بأعلى درجات النزاهة والشفافية والحرب على الفساد، لكن كما علمونا فإن الوقاية أفضل من العلاج، لذلك فالتربية والتنشئة لها دور كبير فى تقديم مواطن للمجتمع يحترم القانون والمال العام، ولديه ضمير يقظ لا يقبل الحرام حتى فى غياب الرقابة القانونية والتنفيذية، فالالتزام والاحترام الذاتى النابع من ضمير حى ويقظ، ووعى بالقانون هو أفضل السبل لحماية المال العام، وتحقيق الرضا الشعبى من خلال وجود موظف يقدم الخدمات للمواطن بنزاهة وشفافية وحرص وليس ابتزازاً ورشاوى وفهلوة وآلاعيب شيحة لذلك فإن التعليم فى الصغر مثل النقش على الحجر، وهنا يكمن دور الأسرة أولاً فى غرس هذا الاحترام للقانون والمال العام والقدرة على التفرقة بين الحلال والحرام، وما هو قانونى وغير قانوني، ولابد أن تحرص الأسر على سؤال أبنائها من أين لكم هذا؟، إذا ما أحضر شيئاً لا نعرف عنه شيئاً، وهنا يكون التعليم والوعى والتربية العملية من جانب الأسرة لأطفالها.

سلوك «الشابين» بإلقاء القمامة فى عرض الشارع يفتح الباب أمام تساؤلات مهمة: حول نصيب المواطن من الوعى والتعليم والتربية الصحيحة وهو ما يدعونا قبل أيام من العام الدراسى الجديد المليء بالمهام والمطالب والإصلاحات وعلى رأسها الوعى والأنشطة الرياضية والثقافية والتعليمية وتحقيق الانضباط، وعودة المدرسة إلى سابق عهدها، والمعلم أيضا.. وكان الله فى عون وزير التربية والتعليم الدكتور رضا حجازى الذى نطالبه بالحرص على غرس الكثير من القيم والمبادئ والاخلاقيات لدى التلاميذ.. خاصة لو معلومات ومحاضرات أولية عن مكافحة الفساد، وما هو قانوني، وغير قانوني، وما هو من حقك وما هو ليس من حقك، وما هو المال العام، والمال الخاص، والحلال والحرام، وكيف لا يقع الإنسان فى فخ الفساد عن جهل.

حالة الفراغ الفكرى والتوعوى والتنشئة غير السليمة التى وجدت فى العقود الماضية، وانتشار ثقافة الانتهازية والتسطح والعشوائية وتقزم الرؤى والأفكار، وضعف الإرادة والطموح أدت إلى انتشار سلوكيات وممارسات مجتمعية فيها انتهازية وسلبية وفوضوية لذلك وجدت مشاكل مثل القمامة، والتعدى على المال العام، وأراضى الدولة وأملاكها والفساد والرشوة بعد انسحاب الكثير من المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والتربوية فى العقود الماضية من أداء دورها المنوط بها.

الحقيقة أن الحمل كبير وكثير وكان الله فى عون هذا العهد الذى ورث تلالاً من التحديات والأزمات والمشاكل التى طالت الوطن والمواطن، ولعل ما يجرى على أرض مصر من مشروعات وبناء وتنمية وفكر ووعى وبرامج ومبادرات تستهدف الإصلاح والتقويم وبناء وطن قوى وقادر، وشعب على درجة كبيرة من الوعى والانضباط الذاتي، وهى جهود جبارة تعالج أخطاء وإهمال خمسة عقود كاملة ترهل فيها كل شيء، وتركت الأمور للصدفة والعشوائية دون وجود رؤى وأهداف واضحة.

«مصر - السيسى» التى تهتم بالبشر بقدر اهتمامها بالحجر والبناء، لم تبن وتعمر وتشيد القلاع والمنشآت فحسب بل لم تترك المواطن المصرى الذى عانى طويلاً من الإهمال والتجاهل والتجريف والتسطح، والسلوكيات الاستهلاكية وترك الحبل على الغارب، انتفضت الدولة المصرية على مدار 8 سنوات لإصلاح كل شىء الاقتصاد على رأسها، وإيقاف العدوان على المال العام وأراضى وأملاك الدولة التى هى حق الشعب، وكذلك بناء الإنسان ليس فى توفير الخدمات والاحتياجات والنهوض بالأمور المادية والمالية ولكن أيضا فى بناء حقيقى للإنسان تعليمياً وثقافياً وصحياً وتوعوياً وفكرياً لتطهير العقول من الأفكار الهدامة والسلبية، وطرد الانتهازية والأنامالية.

فى اعتقادى أنه من المهم استغلال كافة أشكال التجمعات خاصة التى تضم الأطفال والشباب، ووضع برامج مناسبة لكل الأعمار.. برامج للتثقيف والإصلاح والوعي.. وأبرزها العام الدراسى الذى يجب أن تكون هناك مناهج جادة وواعية ليتعلم أبناؤنا مبادئ وثقافة احترام القانون والمال العام وأملاك وأراضى الدولة، واحترام حقوق وأموال وأملاك الآخرين، هذه البرامج تغرس وتعلم أبناءنا عدم السقوط المباشر أو غير المباشر فى جريمة الفساد أو تجاوز القانون وهى من صلب الأخلاق الكريمة، وتعاليم الأديان السماوية.

احترام الشارع لا يجب أن يكون بالتلقين المباشر فحسب ولكن أيضا بإطلاق المبادرات بالجهود التطوعية للتلاميذ فى مشاركتهم فى نظافة المدرسة والشوارع المحيطة، وتنمية العمل الجماعى لديهم، وتدريبهم على الممارسة العلمية وتمثيل المواقف السلبية التى يقدم على ارتكابها البعض لتسكن وتستقر فى عقولهم وثقافاتهم ووعيهم، فإذا ما عرضنا نموذجاً لطفل يلقى القمامة أو بقايا الطعام من السيارة واعتبار ذلك جريمة وخطأ وعاراً فإنه لن يفعل ذلك على الإطلاق، وسوف يكون الناصح الأمين لغيره من الأصدقاء والزملاء بل وفى الأسرة نفسها.

تنمية الضمير وتغذيته بالفضائل والمبادئ والاخلاقيات والتعاليم الدينية والتوعية بخطورة الحرام والفساد ومخالفة القانون وضرورة احترامه أمر مهم للغاية، يحمينا من جرائم وكوارث فى المستقبل فإذا قلنا إن العقل السليم فى الجسم السليم، تجسيداً لأهمية الرياضة، فإن الضمير الحى واليقظ يكمن فى تربية صحيحة منذ الصغر.

كنا فى غنى عن بلدوزر الموجة الـ 20 لإزالة التعديات على أراضى وأملاك الدولة والأراضى الزراعية التى تفشت فى العقود الماضية وندفع ثمنها الآن، إذا كان لدينا احترام للقانون والمال العام، وأملاك وأراضى الدولة، كنا فى غنى عن قضايا الفساد والرشوة فى دهاليز الموظفين كنا فى غنى عن جرائم مخالفة القانون وكسر إشارات المرور، كنا فى غنى عن فقدان أكثر من 500 ألف فدان من أجود الأراضى الزراعية خلال العقود الماضية، كنا فى غنى عن إلقاء القمامة فى عرض الشارع بل كنا فى غنى عن التطرف والتشدد والإرهاب إذا كنا امتلكنا الرؤية للتصدى لمثل هذه الظواهر المدمرة، كنا فى غنى لو قامت المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية خلال العقود الماضية بدورها، كنا فى غنى عن الفن الهابط والرديء والاستهلاكى الذى يدمر قيم المجتمع ويشوه الوطن، لو قامت المؤسسات القائمة على الفنون والثقافة بدورها خلال العقود الماضية.

فى البلد عندنا بيقولوا الشيلة تقيلة الله يكون فى عونك ويقويك وهذا لسان حالنا، فالدولة المصرية على مدار 8 سنوات تبذل جهوداً خارقة تسابق الزمن لإصلاح تشوهات وأخطاء وتقصير ومشاكل وأزمات الماضي، فلو كان لدينا اقتصاد قوى ما كنا فى حاجة إلى الإصلاح، لو كنا واجهنا الناس بالتحديات والمصاعب ونشارك الشعب والقيادة خلال العقود الماضية ما انفقنا كل هذه الميزانيات الضخمة على الإصلاح والبناء والتنمية وإقامة بنية تحتية عصرية، لو واجهنا الناس بحال الخدمة الصحية والمستشفيات وكان سعراً عادلاً أو معقولاً للخدمة، ما انهارت الخدمة قط.

لو أننا تعاملنا على مدار خمسة عقود وامتلكنا الرؤية لبناء دولة قوية وقادرة تحقق آمال وتطلعات شعبها وتواجه أزماتهم ومشاكلهم وتوفر لهم الحياة الكريمة ما كنا نسابق الزمن الآن لبناء الدولة وبناء الإنسان المصرى الذى واجه تحديات وأزمات غير مسبوقة من طوابير للبنزين والسولار والبوتاجاز والعيش، وانقطاع فى التيار الكهربائى وضعف وتراجع الخدمات، وتدنى وسائل النقل وانهيار البنية التحتية، وانتشار العشوائيات والأمراض الخطيرة مثل «فيروس C» وتعالى آلام المواطن فى قوائم الانتظار لإجراء جراحات وهو ما اختفى تماماً فى هذا العهد بفضل جهود وإنجازات ونجاحات 8 سنوات صنعت الفارق بالنسبة للوطن والمواطن طالما أننا نعيش زمن الفكر البناء والرؤى الخلاقة، والحلول الاستباقية، علينا أن نواصل منع السلبيات قبل حدوثها.. صياغة جديدة للقيم والمبادئ والسلوكيات والثقافات التى تحمى المجتمع، وتنمى وعى المواطن وتتصدى للمخالفات والتجاوزات والفساد والقبح والظواهر السلبية، وفى ذلك يجب أن تكون التربية والتنشئة الصحيحة، والوعى الحقيقى هى السبيل وتحقيق هذه الأهداف التى تمنع تكرار ما حدث فى الماضى من إهمال لبناء الإنسان، فلم يكن هناك اهتمام لا بالحجر ولا البشر، وهو ما عطل مسيرة مصر وتسبب فى الكثير من الأزمات والمشاكل والمعاناة، وكاد يسقط الوطن فى زمن الفوضي.

المدرسة والجامعة ليست فقط مكاناً للتحصيل الدراسى والعلمي، ولكن أيضا مراكز ومنارات للتربية والوعى وترسيخ القيم والسلوكيات، ليس هذا فحسب ولكن أيضا الأسرة كمؤسسة عظيمة، يجب أن تقوم بدورها الإيجابى فى تقويم سلوكيات أبنائها وتربيتهم وتوعيتهم بالقيم والفضائل والإيجابية، وكذلك المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية.

مصر أصبح لديها ثوابت لن تتنازل أو تفرط فيها، فإذا كان كل شىء يتغير للأفضل من حولنا وهناك حياة جديدة وكريمة، ودولة عصرية فى بنائها، فإن ذلك يتواكب مع بناء شامل للإنسان فى كل مناحى الحياة ولا بد أن تكون التربية الصحيحة، والوعى الحقيقى من الأهمية فى عملية البناء على أسس صحيحة وعلمية ودينية وأخلاقية تمنع وتتصدى لكل مظاهر عدم احترام القانون والقيم والمبادئ.

لا بد أن يدرك المواطن أننا فى عهد الجمهورية الجديدة، يتسق فيها الإبداع فى بناء الحجر، مع الإبداع فى بناء البشر.