رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


فيلم «اتنين ونص».. هل يستحق الإشادة؟

21-9-2022 | 11:33


طارق إبراهيم حسان,

مشاهدة الأفلام السينمائية القصيرة تمثل متعة خاصة لما تحمله من تعبير بالصورة واختزال في الحوار الشفهي بين الشخصيات التي يكون عددهم أقل كثيرا من الأفلام الروائية الطويلة، فضلا عن التركيز حول الفكرة الرئيسة التي يتناولها. وتحمل الأفلام القصيرة اختبارا للمخرج ورهانا على تمكنه من أدواته، وقدرته على إيجاز الفكرة، والتعبير عنها بوضوح، وتوصيلها للمشاهد خلال دقائق قليلة. وتعتمد الأفلام القصيرة على دقة الحوار وكثافته، وبراعة التصوير، وعمق التجربة وتكاملها. والمخرج الذي يتصدى لإخراج هذه النوعية من الأفلام يجب أن يكون صاحب رؤية وفهم لمختلف العناصر الفنية ودور كل منها في البناء، حتى يستفيد من كل دقيقة بأن يدفع الحدث للأمام من أجل تطور الشخصيات وإحداث حالة من التصاعد الدرامي خلال مدة زمنية قصيرة جدا مقارنة بالفيلم الروائي الطويل، خاصة إذا كان الفيلم القصير يخضع للبناء التقليدي (مقدمة، حبكة، نهاية)، وهو ما يحتاج إلى مزيد من الخبرة والوعي.

 شاهدت قبل أيام الفيلم الروائي القصير "اتنين ونص" من إنتاج 2021 للمخرج والمؤلف الشاب عصام حيدر، عرضته جمعية الفيلم بالمركز الثقافي الروسي، والفيلم ينم عن صانع واعد لديه حدس بأدوات السينما ولغة الصورة من جهة، ويتميز بالجرأة في مواجهة بعض أشكال العلاقات الاجتماعية من جهة أخرى، لاسيما أنها أولى تجاربه في الإخراج، واستطاع خلالها أن يقدم فيلمًا مكتمل البناء ويعبر عن رؤية خاصة، فقد غاص في عمق الفكرة، واستطاع خلال 10 دقائق هي زمن الفيلم أن يطرح رؤية فنية عن علاقة بين شاب وفتاة في ظل ظروف اجتماعية قائمة على العادات والتقاليد، وتميز الفيلم باختزال الحوار الشفهي، مستعيضًا بتوظيف لغة الصورة كعنصر أساسي في التعبير عن الأحداث، وجاء التصوير الخارجي من خلال الشرفة مميزا وذكيا، حيث استطاع مدير التصوير من خلال الإضاءة داخل العمارة وعلى السلم تحديدا، حيث وظف الظل عند سلم العمارة، ووظف إضاءة خاصة في تصوير الشارع من الشرفة، واستطاع أن يحدد زوايا مناسبة للتصوير، كما ساعد على إبراز حالة الشخصيات وتعبيراتها الدرامية، واستطاع أن يختزل المشاهد بأن يجمع في الكادر الواحد بين مكانين (الصالة والمطبخ) على سبيل المثال.
   تميز الفيلم باعتماده على شخصيتين اثنتين فقط، وعلى مكان محدد هو البيت، بينما التقطت الكاميرا صورا للشارع وأسفل العمارة كلما أطل الشاب من الشرفة، أو هبطت الفتاة السلم، للكشف عن الوسط الاجتماعي للمكان، كما كشف عن ذلك أيضا الحالة المتوسطة للشقة التي التقت بها الشخصيتان. واستطاع المخرج أن يعبر عن طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة من خلال مشاهد سريعة ومعبرة جمعت بينهما، حيث يلاحظ درجة الارتباط التي تناولها موضوع الفيلم رغم المحاذير التي تقرها العادات والتقاليد، ومع ذلك فالفيلم لا يحتوي على مشاهد خارجة أو ملفتة.
   يرتبط اسم الفيلم "اتنين ونص" بالوقت الذي ستعود فيه الأم إلى البيت، وعلى الفتاة أن تخرج سريعا قبل وصولها، وكلما همّت بالنزول صادفتها مشكلة فتعود من جديد، حتى جاء موعد وصول الأم، وفي النهاية التقت بها في الشارع لتقفا في مواجهة بعضهما في مشهد معبر عن نهاية مفتوحة على كل الاحتمالات.     
   يعالج الفيلم مشكلة تتعلق بالتقاليد التي تظبط العلاقة بين الرجل والمرأة، وبالتالي فثمة نفور من الفكرة عند عرضها محليا لأنها لا تأتي بجديد وتطرح قضية اجتماعية خاسرة، وهو ما لم يتسامح معه المشاهد المصري والعربي الذي يشاهد الفيلم، بينما تلقى التجربة ترحيبًا ودهشة في الغرب حيث الثقافة مختلفة ونظرة المجتمع إلى هذه العلاقات مختلفة، ولذلك يكون تلقي الفيلم مختلفا. وعلى الرغم من أن هذه النوعية من الأفلام قد تحقق بعض الجوائز والإشادات الدولية، إلا أنها سينطفئ وهجها في مصر، ويسقط صانعها سريعا ولن يستمر. فهل يتوجه المخرج أو صانع الأفلام القصيرة لجمهوره المحلي أبناء البيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها، أم أنه يتوجه بفيلمه وفكره إلى لجان التحكيم وجمهور المهرجانات الدولية في الغرب؟ 
   أخيرا.. تحرص جمعية الفيلم على مواصلة عرض الأعمال المتميزة من الأفلام الروائية القصيرة والطويلة في المركز الثقافي الروسي ومركز الهناجر بدار الأوبرا المصرية، وتجرى العديد من المناقشات مع صناع الأفلام، وهو ما يثري الثقافة السينمائية لدى المهتمين بالسينما وتطوراتها.
 [email protected]