أصدرت مكتبة الشبكة العربية للأبحاث والنشر كتاب "المحنة "لفهمي جدعان، و يرى الباحث أن قضية "محنة خلق القرآن" هي واحدة من قضايا الفكر الإسلامي التاريخي القابعة في كهف الغرابة والليل الطويل، وأن النظر السديد يقضي بإزاحة الستار عن وجهها وبتجريد دلالتها البعيدة لا في إطارها العقيدي والتاريخي المعاصر لها فحسب، وإنما أيضاً في حدود بنية الفكر الديني والسياسي الذي يمد جذوره في عصور الإسلام الأولى وينشر فروعه في حياتنا العربية والإسلامية الحديثة والمعاصرة.
وهو في هذا الكتاب يعاود الباحث النظر في هذه القضية المعقدة، مدركاً منذ البداية أنه يخوض معركة "البداهات" هي خصمه الألد فيها، وأنه يسير تماماً في الاتجاه المعاكس لمجرى التيار، وذلك عند أمرين اثنين على الأقل: الأول، أنه رأى أنه ينأى بالمعتزلة نأياً يشبه أن يكون تاماً عن عملية الامتحان الذي نسبق إليهم، وأن يرد الأمور إلى نصابها في هذا الشأن لحساب التاريخ، والثاني: وهو الأخطر والأصل، أنه أراد أن ينظر في مسألة المحنة لا بما هي قضية كلامية أو اعتقادية خلصة، وإنما بما هي حالة تبين عما يمكن أن تكون عليه صيغة العلاقة بين السلطة أو الأمر من وجه، وبين الطاعة أو الإجابة من وجه آخر، في دولة هي دولة الخلافة، لا شيء يحول دون اعتبارها أكمل ممثل تاريخي لما وصل إليه الملك في الإسلام، بتعبير آخر آراد أن يرفع الغطاء عن المعقولة السياسية لما يسمى بـبمحنة القرآن.