رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


تاريخ من الخيانة للوطن الطابور الخامس: إخوان «بَلْطَاى»

3-8-2017 | 16:17


بقلم – ثروت الخرباوى

كلما عنَّ لي أن أكتب عن أمرٍ من أمور السياسة أو الأدب أو الدين قفز أمامي أمرٌ ينبغي أن نؤرخ له عن الإخوان ومصر، أو الإخوان والدين، ورغم أن جمهرة من الكُتَّاب كتبوا عن الإخوان إلا أن المتنبي قال: ولم أر في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام، وكان من نقص الباحثين أنهم لم يبحثوا بما فيه الكفاية عن الإخوان كطابور خامس يعبث بالأمن القومي المصري، إذ أن معظمهم كان يظن أن الإخوان جماعة وطنية كل ما بيننا وبينها هو الاختلاف في الرأي!.

ومصر منذ أزمنة قد نُكبت بأفرادٍ وجماعات يشكلون طابورا خامسا سريا ينضم لأعدائنا، فيعبثون وينشرون الشائعات ويؤثرون في الروح المعنوية، ويتجسسون على بلادنا لتكون أوراقنا مكشوفة لأعدائنا، ويقوم أفراد وجماعات الطابور الخامس بمحاولات خبيثة لتخريب مؤسسات الدولة وتعطيلها عن القيام بأعمالها، فيقطعون التيار الكهربائي عن المطار الدولي، ويعطلون أجهزة البث الهوائي للتليفزيون الرسمي للدولة، ويظهر بعضهم بصورة المعارض وهم في الأصل ينشرون اليأس والإحباط ويشككون في مصداقية القائمين على الدولة، إذ أن المؤامرات التي تحاك على بلادنا منذ عقود طويلة أول ما تستهدفه هى الروح المعنوية للشعب، فأنت إذا استطعتَ إسقاط الروح المعنوية للشعب أسقطتَ الدولة نفسها، ومن حسن حظ الطابور الخامس في العصر الحديث أن أدواته أصبحت أقوى من أي وقتٍ مضى، فتحت يده وسائل التواصل الاجتماعي وجمعيات حقوقية ومراكز بحثية ومحطات تلفزيونية، فيالحظهم الحسن عن آبائهم وأجدادهم الذين أسسوا فكرة الطابور الخامس في أسبانيا منذ منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، فقد كان حظهم العثر أنه لم يكن أمامهم تلك الوسائل الحديثة، كما أن تهديد أمن الوطن لمصلحة أعداء الخارج كانت تسمى وقتها خيانة، أما عندنا فقد أصبحت الخيانة لها أسماء أخرى مثل «المعارضة» أو «وجهات النظر» أو «حرية التعبير» أو «حقوق الإنسان» ولذلك سترى من الطابور الخامس أناسا يبدون في ظاهرهم وطنيين ومحترمين ومثقفين، يتحدثون إلينا بمصطلحات ولكنات، يطيلون سوالفهم ويطلقون على أنفسهم خبراء استراتيجيين، جاءوا من معهد كارنيجي أو معهد تافيستوك، أو منظمة هيومان رايتس، أو منظمة كارتر لمراقبة الانتخابات أو غير ذلك، وستشاهد من الطابور الخامس إعلاميين وصحفيين وفنانين، ستراهم جميعا ولكن لن تحدثك نفسك بأنهم جاءوا إلينا من بئر الخيانة، فخونة الأزمنة الماضية غير خونة العصر الحديث.

هل عرفنا الآن معنى مصطلح «الطابور الخامس» الذي يتداوله علماء الاجتماع السياسي؟ نعم عرفنا ورأينا، وعرفناهم وشاهدناهم، وأدركنا أنهم طابور شبه عسكري، يعمل مع أعداء البلاد، فهو طابور من طوابيرهم العسكرية ولكنه يعمل من داخل البلد الذي يتعرض لغزو عسكري أو سياسي أو اقتصادي، يعمل داخل بلده في الخفاء ليحقق أهداف هذا الغزو، وكلنا نتذكر فيلم «واإسلاماه» والمصري الخائن الذي يعمل لمصلحة التتار «بلطاي» الذي كان يقوم بدوره الفنان الراحل الكبير فريد شوقي، وكان جزاؤه أن أمر قائد التتار جنوده أن يقتلوه إذا قابلوه في أرض المعركة، فكل طابور خامس عبر التاريخ كان محتقرا من أولئك الذين وقف معهم، لأن أي شخص يقف ضد بلده هو في الحقيقة حقير وصل للدرك الأسفل من الخيانة وبلطاي كان وسيظل موجودا في كل عصر، وهو يبتغي الثمن لا الوطن، حتى ولو تشدق بالوطنية وحرية الرأي، حتى ولو أقسم بالوطن إلا أنه في النهاية «بلطاي» وإذا أردت أن تعرف بشكل قاطع من هو أخطر طابور خامس فيجب عليك أن تنظر لاجتماع القيادي الإخواني في التنظيم الدولي إبراهيم منير مع قيادات الحرس الثوري الإيراني والذي تم في لندن مؤخرا، ويجب أن تعيد النظر مرتين للرحلات المكوكية التي كان كبار المسئولين الأمريكان يقومون بها إلى مقر الإخوان في المقطم، حتى أننا أطلقنا عليها وقتها «رحلة الشتاء والصيف» ثم عليك أن تنظر لمقابلات هيلاري كلينتون لمحمد بديع مرشد الإخوان، وسلامات عصام العريان وقبلاته لِوَجْنَتي «جون ماكين» ثم عليك أن تفتح العدد الأخير من شهر ديسمبر عام ٢٠٠٥ من مجلة المصور لتقرأ السبق الصحفي الذي حققه الصحفي الكبير حمدي رزق والذي كان يتضمن وثيقة أصلية لخطاب أرسله أحد عملاء المخابرات الأمريكية للإخواني خيرت الشاطر والذي كان اسمه في الخطاب «مستر بِج» وستقرأ في الخطاب التعليمات التي كانت تعطيها المخابرات الأمريكية للإخوان، وما هو المطلوب منهم لكي تساعدهم أمريكا في الوصول للحكم، ثم ستعود إلى عهد عمر التلمساني حيث عرض ـ كما قال الإخواني يوسف ندا ـ على الرئيس الأمريكي عام ١٩٨٠ أن يتدخل مع الخوميني ليفرج عن الأمريكان الرهائن في إيران خدمة لأمريكا ولرئيس أمريكا.

«بلطاي» أو «الإخوان» إذن هم أخطر طابور خامس واجه مصر منذ ميلادهم على يد بريطانيا عام ١٩٢٨ أما أبشع الأشياء فهم يقومون بدورهم في الخيانة على أن ما يفعلونه «دين» فيخدعون مجموعات من الشباب الساذج، ومجموعات من أنصاف المتعلمين، ويستخدمونهم في تحقيق أهداف «التتار الجدد» الإخوان دونما أي مبالغة لا يزالون يمارسون عداءهم مع مصر منذ تأسيسهم، ولكي نتحدث بشكل موثق عن هذا العداء فإننا ينبغي أن نبدأ من البداية، والبداية كانت عندما أنشأ حسن البنا جماعته بدعم مالي من بريطانيا، وقد أصبحت هذه الحقيقة لا جدال فيها، الكل يعلمها حتى الإخوان تحدثوا عنها وأثبتوها، وكان أكبر توثيق لها ما أورده حسن البنا عنها في مذكراته، وكان من سذاجة قواعد الإخوان وضعف عقولهم أنهم صدَّقوا ما برر به حسن البنا تقاضيه «مبلغ التأسيس» من الإدارة الأجنبية لشركة قناة السويس، إذ قال لهم إن مال قناة السويس هو مال مصر، وإنه عندما أخذ مبلغ التأسيس إنما أخذ مالا مصريا اغتصبه مستعمر، فحق له أن يسترده، ويا سلام على تلك التبريرات البليدة، وياللعجب على تلك العقول التي تقبلت هذا التبرير! رغم أن ما قاله البنا نستطيع أن نعتبره «عذر أقبح من ذنب» المهم أن صلات الإخوان بالمخابرات البريطانية ظلت قائمة على قدم وساق، لم نؤرخ لها نحن ولا غيرنا، ولكن الإخوان أنفسهم هم الذين أرخوا لها، ثم كشفت عنها الوثائق البريطانية التي تم الإفراج عنها منذ سنوات، ولنا أن ندرس تحركات الإخوان في القُطر المصري وصلاتهم بالمحتل الإنجليزي لنعرف أنهم كانوا أداة في يد الإنجليز، فحينما كانت كفة الإنجليز تميل ناحية الملك فاروق، فهم مع الملك فاروق، وحينما تتوثق علاقات الإنجليز بإسماعيل صدقي رئيس وزراء مصر الذي لقَّبَه المصريون بـ «عدو الشعب» تتوثق به علاقات الإخوان ويعادون الشعب من أجله ويصفونه بأنه مثل النبي سيدنا إسماعيل! ثم يقومون باغتيال أحمد ماهر باشا رئيس وزراء مصر الذي كان في عهد ثورة ١٩١٩ أحد أكبر المقاومين للاحتلال الإنجليزي، ومن بعده يغتالون المستشار أحمد الخازندار الذي كان كاشفا لخيانتهم وتبعيتهم للإنجليز، ثم يغتالون رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي الذي كان مع أحمد ماهر في ثورة ١٩١٩ مقاوما للاحتلال حتى أن محكمة عسكرية إنجليزية حكمت عليه وعلى أحمد ماهر بالإعدام عام ١٩٢٣ وترافع عنهم في الاستئناف مصطفى النحاس فحصلوا على البراءة، ولكن يظل ثأر الإنجليز لهما قائما لسنوات حتى اغتالهما الإخوان باتفاق مع الإنجليز.

لذلك إلى الآن تحظى جماعة الإخوان بدعم من بريطانيا، فهي الجماعة المناسبة التي تحقق أهدافها الاستعمارية المباشرة وغير المباشرة، وكانت أكثر الأمور وضوحا هي ما حدث من جماعة الإخوان أثناء وبعد العدوان على مصر عام ١٩٥٦ ، ورغم أن المشهور تاريخيا أن هذا العدوان كان ثلاثيا، من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ولكن الحقيقة أن التاريخ أغفل شيئا في منتهى الأهمية وهو أن العدوان لم يكن ثلاثيا، ولكنه كان رباعيا، فقد كان مع العدوان الثلاثي طابور خامس هم الإخوان، ولكي نعرف تفصيل ذلك فلنا أن نعود إلى شهر مارس من عام٢٠٠٨ حيث عقد «كين لفنجستون»عمدة لندن وأحد أقطاب حزب العمال البريطانى مؤتمرا صحفيا، وبعد أن تحدث عن بعض الشئون الخاصة بالعاصمة لندن سأله أحد الصحفيين عن خطر الجماعات الإسلامية الأصولية، فقال لهم مطمئنًا: «جماعة الإخوان كبرى هذه الحركات تربطنا بها علاقة جيدة، وقد كانت تتلقى تمويلا ماليا من الخارجية البريطانية منذ بداية نشأتها، فهى ليست بعيدة عنا إذن، وقد استخدمنا هذه الجماعة لسنوات طويلة وكانت مخلصة لنا، فقد كان نظام عبد الناصر خطرًا علينا، وعلى الجانب الآخر مثلت هذه الجماعة خطرا كبيرا على عبد الناصر ونظامه، وقد ساعدتنا في حرب ١٩٥٦ بشكل جيد»!.

ورغم أن هذا التصريح كان مثِّل قنبلة فإن أحدًا عندنا فى الشرق لم يلتفت له كثيرا، وكانت التبريرات التى خرجت من بعض قيادات الجماعة فى موقعهم الإلكترونى تذهب إلى أن «هذا العمدة رجل موتور حاقد كاره للإسلام وهو شيوعى قح فماذا تنتظرون منه؟ كما أن كلامه لم يكن موثَّقا، وهذا وحده كفيل بهدم كلامه» وبغرابة شديدة لم تَلْقَ تصريحات لفنجستون العناية الكافية من الباحثين فى المنطقة العربية منذ عام ٢٠٠٨ ولم يصل صداها إلى الجماهير المصرية أو العربية إلى أن أصبحت عمالة الإخوان لبريطانيا وتبعيتها لها أمرا مفروغا منه معروفا للكافة.

وعندما كتب الكاتب الأمريكى روبرت دريفوس كتابه الشهير «لعبة الشيطان» عن دعم الولايات المتحدة الأمريكية للجماعات الأصولية وفى القلب منها جماعة الإخوان، قال في بعض صفحاته: «تأسست حركة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا بمنحة من شركة قناة السويس البريطانية، وخلال ربع القرن التالى تتلقى تلك الجماعة الدعم الكامل من الدبلوماسيين البريطانيين والمخابرات البريطانية».

ثم يقول أيضًا: «كانت هذه الجماعة هى القوة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى تمثل ثقلا كبيرا فى عملية تحقيق التوازن ضد القوى المناهضة لبريطانيا وهى القوميون واليسار العلمانى».

استمر دريفوس فى الكتاب قائلا: «كان الدبلوماسى الأمريكى هيرمان إيلتس صديقا لحسن البنا وقد التقاه كثيرا»، وينقل دريفوس على لسان إلتس: «أعرف أحد زملائى فى السفارة الأمريكية كان يلتقى بشكل دورى مع حسن البنا وذلك لأغراض التقارير».

قد يكون دريفوس مبالغا، فلربما كانت فى نفسه مَوْجِدة من الإخوان، ولربما كان حاقدًا على حسن البنا، ولكن الوثائق لا تحقد، ولا تميل، ولا تحمل موجدة إنما تحمل حقائق وتروى تاريخا، لذلك كانت هناك أهمية بالغة لكيرتس، وعنه يقول الكاتب الصحفى «علاء عزمى» فى بحث له منشور فى إحدى الدوريات بتاريخ ١٦/٨/٢٠١٠: «مارك كيرتس كاتب بريطانى مثير للجدل، ارتبط اسمه بالكشف عن العديد من الفضائح السياسية والتاريخية لبلاده وقد بدأ مارك كيرتس دراسته فى مدرسة لندن للاقتصاد، ثم عمل باحثا لدى المعهد الملكى للشئون الدولية، كما سبق له العمل كمدير بالحركة الإنمائية العالمية وأيضًا كمدير ومشرف على إدارات الشئون السياسية بعدد من المنظمات غير الحكومية المعروفة، مثل كريستيان إيد وأكشن إيد، وعين من قبل باحثا زائرا بالمعهد الفرنسى للعلاقات الدولية فى باريس والمعهد الألمانى للسياسة الخارجية ببون، وهو مصنف كأحد كبار الباحثين فى شئون الشرق الأوسط، ويعيش الآن كصحفى حر وله العديد من الإسهامات الصحفية والبحثية التى تجد نوافذ للنشر فى عدد من المجلات والصحف العالمية والعربية كالجارديان، وريد بيبر، والإندبندنت، وزنيت، وفرونتلاين، والشرق الأوسط، والأهرام».

وذات يوم وفى أثناء بحث كيرتس فى وثائق وزارة الخارجية البريطانية وقع على مجموعة من الوثائق أذهلته وغيرت مسار تفكيره، كان كيرتس مهتمًّا بالشأن العربى والجماعات الإسلامية، وكان يعرف وفقا للظاهر أن الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان هو داعية مصرى أنشأ جماعة الإخوان التى أثارت جدلا كبيرا واشتبكت مع كل الحكومات التى حكمت منذ عهد الملك فاروق حتى عهد حسنى مبارك، ولكن نهمه للبحث والتقصى وعقليته البحثية قادته إلى أروقة هيئة الأرشيف الوطنى البريطانى، ظل كيرتس يتردد على هذه الهيئة أربع سنوات كاملة عثر فيها على كنز من الأسرار يصعب أن يقع عليه باحث، وهناك وهو جالس وسط «الكنز المعلوماتى البريطانى» كان قراره: «سأكتب كتابا أضع فيه عشرات من هذه الوثائق، يجب أن يعلم العالم الصورة الحقيقية المختبئة فى الأرشيف، فليس كل ما كان يحدث فى العالم عفويًّا أو من وحى خاطر أصحابه، ولكن صناعة الحدث كانت هى لعبة المخابرات فى عشرات الحوادث التى مرت على العالم».فكان أن كتب كتابه الأشهر «العلاقات السرية.. تواطؤ بريطانيا مع الأصوليين الإسلاميين المتشددين».

كان هذا الكتاب كارثة وقعت على رأس الإخوان ولكنهم تجاهلوها ودفنوا رءوسهم فى الرمال، كأن شيئا لم يحدث على الإطلاق، وكيف يعقبون على هذا الكتاب وقد احتوى على «وثائق الحقائق» التى تكشف التعاون الكبير بينهم وبريطانيا؟ وخاصة أثناء العدوان الثلاثي على مصر! وكيف يكذبونها وهى تحمل أخبار الأموال التى كانت تُدفع منهم لمؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا وأولئك الذين جاءوا بعده بغرض السيطرة عليهم وعلى أتباعهم؟ ولكن المؤسف أيضا أن المتخصصين في مشروع الإسلام السياسي لم يهتموا بطرح ما جاء في هذا الكتاب على الرأي العام اللهم إلا ما كتبه بخصوصه الكاتب المميز علاء عزمي وبعض كتاب آخرين، ولأن الكتابات كانت قليلة لذلك لم تطرق سمع الرأي العام، وظلت الجماعة تمارس اصطيادها للشباب الصغير بشعارات إسلامية برَّاقة دون أن يعلم هؤلاء الشباب أن جماعتهم تلك هي مجرد جماعة عميلة تسعى بكل قوتها لهدم مصر.ولأن هذا الكتاب لم يطرح في السوق المصري مترجما لذلك فإنني سألجأ إلى الترجمة التى قام بها الكاتب والباحث علاء عزمى، لننقل ملخصًا عن الكتاب حيث جاء تلخيص الكتاب كالآتي:

«لسنوات عدة ظل كتاب (الخداع الأكبر.. القوة الأنجلو-أميركية والنظام العالمى) هو أشهر أعمال كيرتس على الإطلاق، لا سيما وأنه قد كشف سر العلاقات الأمريكية البريطانية فى حقبة ما بعد الحرب الباردة، حيث ظلت المملكة المتحدة (بريطانيا) شريكا محوريا فى جهود الولايات المتحدة لتعزيز هيمنتها عالميا، إلا أن كتابه الجديد (العلاقات السرية...) بات هو الأهم والأخطر بين كل ما كتب، وفيه يؤكد كيرتس مستندًا إلى قائمة طويلة من الوثائق السرية التى اطلع عليها (تم إيداعها هيئة الأرشيف الوطنى البريطانى) أن صناع القرار السياسى فى بريطانيا قد اعتادوا التعاون مع مجموعة من الحركات الإسلامية الراديكالية من أمثال جماعة الإخوان، ورغم علم لندن أن هذه المجموعات معادية للغرب على طول الخط، فإنها رغم ذلك تعاونت معها من أجل تحقيق أهداف تكتيكية قصيرة المدى، مثل الحفاظ على المصادر والثروات الطبيعية كالنفط أو الإطاحة بالحكومات القومية التى كانت تمثل تهديدًا للإمبراطورية البريطانية وكذا للمشروع الغربى الرأسمالى ككل فى حقبة زمنية ما، لافتا إلى أن التركيز البريطانى على مد يد العون والدعم لمثل هذه المجموعات والتيارات ذات الطابع الدينى المنغلق لم يعد مقتصرا على منطقة الشرق الأوسط، وإنما تخطاها إلى مناطق أخرى دون الأخذ فى الاعتبار العواقب طويلة المدى لمثل هذا التعاون، مؤكدا أن التهديد الإرهابى الحالى لبريطانيا هو نكسة إلى حد ما ناجمة عن شبكة من العمليات البريطانية السرية مع الجماعات الإسلامية المتشددة ممتدة عبر عقود.

فبريطانيا هى التى دعمت آية الله سيد كاشانى، مُعلِّم رمز الثورة الإسلامية فى إيران آية الله الخومينى، فى إطار سعيها للتخلص من حكومة الدكتور مصدق التى كانت تحظى بشعبية جارفة وقامت بتأميم صناعة النفط فى إيران فى الخمسينيات، أما بخصوص علاقة بريطانيا بجماعة الإخوان المسلمين فإن وثائق الكتاب التى وقع عليها كيرتس خاصة بالفترة التى تبدأ من عام ١٩٤٢ لا قبلها وإن كان هناك العديد من الوثائق السابقة على هذه الفترة يقول كيرتس إنه يعكف عليها حاليا لإتمام بحثه وإفراغه فى جزء آخر للكتاب.

يكشف كيرتس عن وثيقة مؤرخة عام ١٩٤٢، حيث جاء فى تقرير بريطانى رسمى ما نصه: «سيتم دفع الإعانات لجماعة الإخوان المسلمين سرًّا من جانب الحكومة المصرية، وفقا للاتفاق بيننا وبين القصر، وسيطلبون بعض المساعدات المالية فى هذا الشأن من السفارة البريطانية.. وستقوم الحكومة المصرية بالزج بعملاء موثوق بهم داخل جماعة الإخوان للإبقاء على مراقبة وثيقة لأنشطتها.. ما يجعلنا (السفارة البريطانية) نحصل على المعلومات من هؤلاء العملاء، ومن جانبنا، سنجعل الحكومة مطلعة على هذه المعلومات التى تم الحصول عليها من مصادر بريطانية».

وقبل منتصف خمسينيات القرن الماضى، حسبما يوثِّق الكتاب، اتخذت المعاملات السرية بين البريطانيين والإخوان منحى آخر، إذ نظرت بريطانيا إلى الجماعة باعتبارها تستطيع قيادة معارضة مفيدة لسياسة الرئيس جمال عبد الناصر ذات التوجهات القومية العربية وأنها أفضل وأقل ضررا من التيارات القومية رغم أصوليتها الشديدة، ومن ثم عقد مسئولون بريطانيون اجتماعات مع قادة الإخوان المسلمين من أجل العمل كأداة ضد النظام الناصرى الحاكم فى أثناء مفاوضات إجلاء القوات العسكرية البريطانية من مصر، وكذا من أجل خلق موجة من الاضطرابات تمهد لتغيير النظام فى بلاد النيل».

انتهى نقل علاء عزمي من كتاب كيرتس ولذلك فلنذهب الآن إلى مذكرات شيخ الإخوان ومعلمهم يوسف القرضاوي الذي ما فتأ يدعو على مصر وجيشها في السنوات الماضية، وبنفس تلك الروح العدائية لمصر ورجالها وجيشها يذكر القرضاوي أنه كان يعمل في وزارة الأوقاف عام ١٩٥٦ وقت العدوان الثلاثي على مصر، وكان قبلها قد تم إيقافه عن الخطابة بسبب انتمائه لتنظيم الإخوان، إلا أن مصر وقت العدوان كانت تريد كل شعبها، تدعو الجميع، تستنهض همم أبناء الوطن، ولكن ماذا فعل القرضاوي وقت أن استدعته مصر، يقول الشيخ في مذكراته :”وما هي إلا أيام حتى جاءتني برقية من وزارة الأوقاف تطلب إلي أن أحضر بسرعة إلى القاهرة لأتسلم منبر الأزهر، لرفع الروح المعنوية في الشعب في هذه المرحلة الخطيرة في تاريخ مصر.... بيد أني لم أتجاوب مع هذه البرقية، وقلت في نفسي: إنهم يستنجدون بنا الآن، حتى إذا انكشفت الغمة طرحونا وراءهم ظهريا!”.هذا رجل بلده يتعرض لعدوان ويأبى أن يقف معه في محنته لأنه يرى أنه لن يحصل هو أو جماعته على أي مغنم! .

لم يقف الأمر عند حد عدم المشاركة في مواجهة العدوان ولكن وصل إلى حد التعاون مع المعتدين، فمن داخل سجن الواحات سرب الإخوان منشورا يؤيد هذا العدوان ويطالب الشعب المصري بسرعة التخلص من جمال عبد الناصر حتى يكف العدوان الثلاثي يده، وقامت أعداد من نساء الإخوان وشبابهم بطبع هذا المنشور ثم توزيعه في الشوارع.

وفي غضون عام ١٩٩٥ بعد القضية العسكرية الأولى للإخوان في العصر الحديث حدث أن اجتمعت الحاجة «زينب الغزالي» ببعض القيادات الشابة من الإخوان، وكانت تستنفر فيهم روح الغضب ضد نظام مبارك، وكان من قدري أن كنت حاضرا في هذا اللقاء، فقالت «زينب الغزالي»: نحن ضد من يقف ضد دعوتنا، وقد أباح لنا الشرع أن نفرح لهزيمة أعدائنا، ألم يقل الله تعالى «غُلبت الروم* في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيَغلبون* في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون» واستمرت قائلة: « وكانت الروم وهم أهل كتاب قد نالت هزيمة من الفرس، ففرح الكفار لفوز الفرس وحزن المسلمون لهزيمة الروم أهل الكتاب، فأخبرهم الله أنهم سيفرحون في بضع سنين عندما تتبدل الأوضاع وينتصر الروم» ثم أنزلت زينب الغزالي هذا المفهوم على الواقع المصري فقالت:» نحن نفرح عندما تنال مصر أي هزيمة طالما أن الذين يحكمونها هم أعداء الإخوان، وقد فرحنا عندما شن الإنجليز والفرنسيون واليهود هجوما ثلاثيا على مصر، وساندناهم بالإذاعات التي أنشأها الإخوان الذين هربوا من مصر إلى إنجلترا، وكانت هذه الإذاعات تحرض أهل مصر على الثورة على نظام عبد الناصر ليتوقف العدوان الثلاثي.»

كانت هذه هي أكبر اعترافات لأكبر قيادية إخوانية عبر تاريخهم، الإخوان أنشأوا إذاعات في إنجلترا موجهة إلى مصر لتأييد العدوان وتحريض الشعب ضد نظامه وحكومته، هل رأيت خيانة أكبر من ذلك، وهل رأيت تباهيا بالخيانة أسوأ من ذلك؟!

وإذا كنا قد فرغنا من مذكرات يوسف القرضاوي وذكريات زينب الغزالي فإننا يجب أن نعود مرة أخرى لكتاب كيرتس، وفيه يقول: «ومع اندلاع العدوان الثلاثى على مصر عام ١٩٥٦ قامت بريطانيا باتصالات سرية مع بعض قيادات من الإخوان كانت هاربة خارج مصر ومع قيادات أخرى كانت فى مصر ولم تمتد لها الاعتقالات، أو كانت قد خرجت من الاعتقالات مثل المرشد حسن الهضيبى الذى كان رهن الإقامة الجبرية وقتها، وكانت هذه الاتصالات تتم كجزء من خططها للإطاحة بعبد الناصر أو اغتياله، وأن المسئولين البريطانيين كانوا يعتقدون –وربما يخططون أيضًا- أن هناك إمكانية أو احتمالية أن يقوم الإخوان بتشكيل حكومة مصرية جديدة بعد الإطاحة بعبد الناصر على أيدى البريطانيين».

ويستمر كيرتس في فضح مخططات الإخوان قائلا:»وبعد ذلك بعام، وعلى وجه الخصوص فى ربيع عام ١٩٥٧ كتب تريفور إيفانز، وكان مسئولا بالسفارة البريطانية وقاد اتصالات سابقة مع الإخوان فى خطاب رسمى لحكومة بلاده: (إن اختفاء نظام عبد الناصر... ينبغى أن يكون هدفنا الرئيسى).. بينما تجدر الإشارة أيضًا إلى أن الخطط البريطانية السرية للإطاحة بالأنظمة القومية فى سوريا بين عامَى ١٩٥٦ و١٩٥٧ كانت ترتكز أيضًا على تعاون كبير مع جماعة الإخوان المسلمين هناك. وعليه ولأسباب مشابهة أيضًا انحازت الحكومة البريطانية باستمرار إلى جانب الإخوان المسلمين بمختلف أرجاء الشرق الأوسط».

وبناء على جميع المعلومات السابقة فلا يمكن فصل المخططات البريطانية فى تلك الفترة للتخلص من عبد الناصر عن المحاولة الإخوانية الفاشلة لاغتياله بالإسكندرية فى ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤ والمعروفة بحادثة المنشية، التى شهدت إطلاق النار عليه فى أثناء إلقاء خطاب فى ميدان المنشية بالإسكندرية، ويكشف الكتاب عبر كثير من الوثائق معاملات المخابرات البريطانية مع قادة الإخوان وعن اجتماعات متكررة ضمت حسن الهضيبى، وصالح أبو رقيق، ومنير الدلة مع تريفور إيفانز مستشار السفارة، وعرْضهم عليه فى منزل محمد سالم بقاء جيش الاحتلال فى القناة، مقابل دعم انقلابهم ضد الثورة، والاشتراك فى حلف عسكرى ضد الشيوعية، (مُحذِّرين) من أنه لن يرى النور ما دام عبد الناصر حيا (لأنه يرفض الأحلاف ويصفها بالاستعمارية). ثم يرصد الكتاب تصريح الهضيبى فى يوليو ١٩٥٣ لوكالة (أسوشيتد برس): (الغرب سيربح إذا حكمنا مصر، سيفهم مبادئنا المعادية للشيوعية وسيقتنع بمزايا الإخوان). لذلك كان طبيعيا أن يسجل أنتونى إيدن، وزير خارجية بريطانيا وقتها، فى مذكراته: (الهضيبى كان حريصًا على علاقات ممتازة معنا، بعكس ناصر) .

والآن وإذا كنا قد وضعنا الدلائل شيئا فشيئا، ونقلنا من مارك كيرتس والقرضاوي وزينب الغزالي، فإن خط سير الجماعة بعد ذلك قد كشف عن أشياء كثيرة، وكان من المحطات الهامَّة التى يجب أن نتوقف عندها ما كان يحدث من مقاومة مصرية للإنجليز فى مدن القناة أعوام ١٩٥٠-١٩٥٣، حيث كانت أعمال الفدائيين المصريين وقتها تبهر العالم، كان المشهد رائعا، قوافل من الفدائيين تتحرك فى سرية تامة إلى مدن القناة لتحيل معسكرات الإنجليز هناك جحيما، كان الفدائيون ينبضون بالعاطفة الوطنية الصادقة، وهم يسعون من خلال عملياتهم إلى إقلاق الإنجليز، وجعل وجودهم فى المنطقة يكاد يكون مستحيلا، في هذا الوقت يزعم الإخوان عبر مذكراتهم الشخصية أنهم كانوا من المجاهدين فى القناة ضد الإنجليز، ولكن هل هذا الأمر كان حقيقيا؟ المرشد الثانى حسن الهضيبى ينكر ذلك، ويسخر من الفدائيين هناك، فيقول ساخرا لمجلة «الجمهور المصرى» عدد مارس ١٩٥٢: «هل العنف سيُخرِج الإنجليز؟»!.

ثم قال: «قلت لشباب من الإخوان طلبوا الانضمام للفدائيين ضد الإنجليز: اذهبوا واعكفوا على تلاوة القرآن».

فيتلقى المرشد حسن الهضيبى سخرية من المفكر الكبير الراحل «خالد محمد خالد» فى «روزاليوسف»، مطمئنا المُحتلّ: «أبشر بطول سلامة يا جورج». ويبدو أن خالد محمد خالد لم يكن يعلم أن حسن الهضيبي هو جورج، وجورج الإنجليزي هو حسن الهضيبي، وكلاهما يتمنى السلامة للآخر.