بين التهديدات الانفصالية من الصرب الأرثوذكس، وانتقادات الكروات الكاثوليك الذين لم يعودوا يريدون التعايش مع مسلمي البوسنة وأحلام إقامة "دولة المواطنة" لدى العديد من المسلمين تعد نقاط الالتقاء بين الطوائف المختلفة في البوسنة نادرة. ويُحكم بلد البلقان الصغير والفقير وفقًا لملف إداري مختل وظيفي موروث من اتفاقات دايتون عام 1995، التي أنهت الحرب التي قتل فيها 100 ألف شخص.
وقال المحلل السياسي رانكو مافراك المقيم في سراييفو إن "البوسنة والهرسك تشهد أخطر أزمة سياسية منذ توقيع اتفاق السلام". وصرح بأن "الانقسامات العرقية عميقة لدرجة انها تمثل حقا خطرا على بقاء البلاد وسلامتها". لا يهتم أي من الطرفين "بدولة متكاملة بالكامل" حيث "لا يمكن لأي منهم البقاء في السلطة".
وتنقسم البوسنة بين كيان صربي، جمهورية صربسكا واتحاد فيدرالي كرواتي مسلم، تربطه قوة مركزية ضعيفة غالبًا ما تكون مشلولة. في المجتمعات الثلاثة ، ينخرط القادة السياسيون في نزعة قومية واحدة للبقاء في السلطة بينما كل السكان الذين يمكنهم اختيار المنفى يغادرون البلاد في مواجهة غياب أي آفاق سياسية أو اقتصادية.
وغادر ما يقرب من 500 ألف شخص البلاد منذ آخر إحصاء سكاني في عام 2013، عندما كان عدد سكانها 3.5 مليون نسمة، وفقًا لتقديرات الاتحاد من أجل عودة مستدامة، وهي منظمة غير حكومية محلية. وتؤثر البطالة على حوالي 30٪ من السكان النشطين، وقد اقترب التضخم من 17٪ في أغسطس، بحسب الأرقام الرسمية.
ومن جانبه، أعرب سالكو حسنفيديتش، رجل أعمال من سراييفو، يبلغ من العمر 70 عامًا عن أسفه قائلا "إنها دولة جميلة وغنية ويمكننا المضي قدمًا حتى مع الحد الأدنى من الاتفاق. إن الخطر الأكبر هو القومية والانقسامات التي يثيرها كل معسكر" مضيفا "إذا قمنا بتربية أطفالنا اليوم في مثل هذا السياق القومي، فلا يمكننا أن نتوقع سوى أن يكون لدينا قوميين جدد خلال 40 عامًا".
ويختار الناخبون في البلاد يوم الأحد المقبل أعضاء الرئاسة البوسنية الثلاثة ونواب البرلمان المركزي ونواب الكيانين وكذلك رئاسة الجمهورية الصربية. ولا توجد استطلاعات رأي مستقلة بهذا الشأن، لكن وفقًا للمحللين، يتوقع فوز ميلوراد دوديك، زعيم صرب البوسنة، برئاسة جمهورية صربسكا وذلك بعد تضاعف تهديداته الانفصالية في الأشهر الأخيرة.
وقال أحد المواطنين ويدعى راجكو، وفضل عدم ذكر اسم عائلته وقد حضر أحد اجتماعات دوديك الذي لطالما يبدي اعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين "لا أشعر بأي كراهية ولكن هذا الوضع أشبه بشقيقين لا يحبان بعضهما البعض. من الأفضل ألا يعيشوا معا"، مرددا الفكرة المفضلة للزعيم الصربي.
وأمام نشطاء يلوحون بأعلام جمهورية صربيا المجاورة، دعاهم ميلوراد دوديك إلى "اعتبار جمهورية صربسكا دولة" مضيفا أن "البوسنة والهرسك ليست المكان الذي نريد أن نبقى فيه لفترة طويلة".
في المجتمع البوسني، يردد الحزب الرئيسي، حزب العمل الديمقراطي القومي، خطابًا مثيرا للجدل. وينصح زعيمها باكير عزت بيجوفيتش "دوديك ومن هم من أمثاله" بأن "يذهبوا إلى دولة أخرى يجدونها أجمل"، في إشارة مستترة إلى صربيا. يسعى نجل أول رئيس للبوسنة المستقلة، علي عزت بيجوفيتش، لتولي منصب الرئاسة للبوسنة، لكن السباق أكثر صعوبة أمامه أكثر من ذي قبل ضد مرشح يدعمه أحد عشر حزبا معارضا وهو دينيس بيسيروفيتش، مدرس التاريخ البالغ من العمر 46 عامًا، الذي يدعو لبوسنة "مؤيدة لأوروبا وموحدة".
من جانبهم، فإن الكروات، الذين هددوا منذ شهور بمقاطعة الانتخابات، غير راضين عن تقاسم اتحاد مع البوسنيين. وتطالب جميع الأحزاب الكرواتية بكيانها الخاص أو على الأقل تعديل القواعد الانتخابية التي تسمح للبوسنيين، الذين يشكلون أغلبية كبيرة من الناحية الديموغرافية داخل الكيان المشترك، بانتخاب العضو الكرواتي فعليًا في الرئاسة المشتركة.
وسيواجه الرئيس الكرواتي المنتهية ولايته، زيليكو كومسيتش، حامل لواء دولة "مواطنة" ويعتبره جزء كبير من مجتمعه "غير شرعي"، بورجانا كريستو مرشحة الحزب الكرواتي الرئيسي، الاتحاد الديمقراطي الكرواتي القومي، والتي أعربت عن أسفها لأن البلاد "مقسمة بشكل غير عادل". وإذا فاز زيليكو كومسيتش، يخشى الكثير من الخبراء من الاضطرابات السياسية الجديدة،مع عرقلة الأحزاب الكرواتية لعمل المؤسسات السياسية. وأكد المحلل السياسي رانكو مافراك "ليس لدينا أي مؤشر على استقرار الوضع السياسي في البوسنة. ليس هناك ما يشير إلى إمكانية التوصل إلى حل وسط".