كشفت الحرب الروسية الأوكرانية عن ما يمكن أن نسميه "العفن السياسي" الذي يضرب أركان العالم وتقوده الولايات المتحدة التي تتلاعب بمصائر الشعوب بتوريطها في سياسات قذرة وصراعات مدبرة حتى تبقى هي المهيمنة والممسكة بدفة قيادة العالم في طريق مصالحها أو استخدامه ضد من يعارضها وصدق بوتين حين قال إن معركته اليوم مع من يريد إذلال الروس ونهبه باستخدام الدولار.
كما تبين للعيان أن العالم انقسم إلى فسطاطين الأول تحت الاحتلال السياسي للولايات المتحدة تحركه كيف شاءت وفي أي اتجاه تريد وبتنا اليوم نرى أوروبا أنها تعاني غياب إرادة كامل في التعاطي مع الأزمة الأوروبية متناسية مصالح شعوبها التي أدخلتها في طريق مجهول العواقب وقبلت تعطيل نهضتها واقتصادها لمجرد إرضاء سيدها الأمريكي الذي يتعامل معها معاملة السيد مع عبده يأمر فيطيع.
وفسطاط آخر أعلن الحياد السياسي وهو أشبه بعبد ينتظر صراع سيدين عليه ليضع أحدهم الطوق في رقبته ولم تتساءل منظمات الابتزاز السياسي التي تسلطت على عالمنا العربي لسنوات طويلة تحت شعار حماية حقوق الإنسان لم تتساءل أي هي حقوق المواطن الأوروبي الذي يتعرض إلى أكبر حملة تضليل إعلامي في القرن العشرين تقوم أركانها على تعميته عن "الحارة السد" الذي دفعته إليه أنظمة ظن فيها استقلالا حيث جاء بها عن طريق صندوق انتخابي فقد قيمته وبات بلا قيمة إذ إن القرار السياسي الذي يتخذه من جاء بهم ينبع من واشنطن والإدارة الحاكمة فيه.
لم تتساءل تلك المنظمات لماذا قامت الدول الخاضعة للاحتلال الأمريكي سياسيا بإغلاق وسائل الإعلام التي تعارض استمرار توريط أوروبا في المعركة الأمريكية الخالصة في أوكرانيا وتتبنى تفجير مدرعة روسية هنا أو هناك على أنها بشاير النصر ؟! ولم تتساءل أيضا لماذا يضطر المواطن الأوروبي إلى دفع ثمن تلك الحرب بالوكالة باهظا من حاضره ومستقبله وهو يمول من أرصدته معركة استنزاف بدأتها الولايات المتحدة ضد روسيا وهي تدرك تماما أنه لا يمكن بأي حسابات تصور أن تعلن روسيا الهزيمة أمام تشكيلات متطرفة يقودها نازيون ومرتزقة أتوا من جميع أنحاء العالم نيابة عن الجيش الأمريكي الذي لا يجيد قتال الرجال بل يلجأ إلى عمليات قذرة أشبه بعمل أعضاء المافيا فالتاريخ العسكري الأمريكي لم يشهد انتصارا واحدا سوى ذلك الذي استخدم فيه السلاح النووي بعد أن عجز في اليابان بلا أدنى أخلاق أو شرف أما غير ذلك فالهزائم دورس لكل معتبر سواء في فيتنام وأخيرا في أفغانستان.
ويوما بعد يوم تتكشف الأساليب القذرة التي تدار بها السياسة من قبل من يسمى نفسه "عالم أول" لكن أوليته تلك في المكائد والدسائس واستخدام المرتزقة حول العالم وهنا تذكرت مقولة الرئيس السيسي نحن ندير سياسة شريفة في زمن عز فيه الشرف .. نعم صدقت يا سيدي الرئيس فثمن الاستقلال الوطني الذي دفعك لتلبية نداء المصريين لإنقاذ الدولة المصرية من الاستعباد الذي كانت جماعة الإخوان أحد أذرع العصابة الحاكمة في واشنطن في ذلك الوقت ثمن ذلك الاستقلال "باهظ" دفعه شهداؤنا من الجيش والشرطة والمواطنين الذين غادرونا في موجة إرهاب تشبه تماما ما يجري الآن من دعم غربي أمريكي غير محدود لصالح زيلينسكي وعصابته التي لا تكترث أبدا أن يذهب أكثر من 20% من أراضيها فجل همها أن تبقى معركة الاستنزاف الوهمية تحت شعار هزيمة روسيا لصالح سيدهم الأمريكي الذي انتفض لدعمهم بالسلاح والمال ليمثوله بالوكالة في معركة ضد روسيا التي تحاول أمريكا ألا تنازعها احتلالاتها السياسية لبلدان العالم.
إن معركة روسيا اليوم ليست نزاعا على مساحة أرض أو أطماع جيوسياسية يراد تحقيقها بل هي أول صدام معلن مع نخبة أفسدت الدنيا وأدخلت منطقتنا العربية في محرقة أهلكت الحرث والنسل ولا تزال تحاول وما زال بيننا من ينطق بلسانهم ويمثل طليعة تلك القوات تماماً كهؤلاء الذين فرشوا الأرض بالورود لتصل دبابات المحتل الأمريكي إلى بغداد مصحوبة بكاميرات الإعلام لإعلان النصر ولو كان على حساب مليون ونصف المليون شهيد عراقي في لقوا حتفهم في أكذوبة امتلاك الرئيس العراقي السابق صدام حسين أسلحة دمار شامل.
من هنا يجب أن ندرك أن معركتنا مع دعاة الفوضى على صفحات الفيس ومقاطع البث المباشر الذين يحاولون أن يصوروا أن أعدى أعدائنا اليوم هي مؤسسات وطننا يجب أن ندرك أن هؤلاء ليسوا إلا سفراء النوايا القذرة للنظام العالمي المتصدع اليوم وهم ذاتهم يشبهون هؤلاء الذي كانوا يلوحون بعلامات النصر للدبابات الأمريكية على مشارف بغداد إنهم بنفس مستوى غبائهم وعمق خيانتهم التي صورت لهم عدوهم منقذا وأن احتلاله تحرر.
إن سقوط النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة اليوم لا بد أن يكون أمنية كل حر في العالم وبمرور الوقت سينكشف الغطاء أكثر وأكثر عن هؤلاء المجرمين الذي يبنون حضارتهم على جثث غيرهم ليس هذا فحسب بل يستخدمون الفضيلة سلاحا في وجه أعدائهم في تبجح منقطع النظير لا يقطعه إلا التخلي عن مواجهة أذنابهم ونقل المعركة إلى جوف دارهم فليس من الذكاء وأنت تحارب أفعى أن تنشغل بذيلها عن رأسها وأظن روسيا تدرك ذلك وتتفهم أن معركتها مع مراكز صنع القرار في هذا المعسكر المتداعي آتية لا محالة وأن مواجهة معهم باتت حتمية.