أمين «البحوث الإسلامية»: المسؤولية التضامنية بين كل البشر ضرورة ملحة لحماية الكوكب
شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية د. نظير عياد، في الجلسة الافتتاحية لفعاليات المؤتمر الذي تعقده المؤسسة المصرية العربية للاستثمار والابتكار والتنمية الصناعية؛ بمشاركة مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، تحت عنوان: «الاستراتيجية العربية للحد من مخاطر التغيرات المناخية»، برعاية من فضيلة الإمام الأكبر، الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة، الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي، واللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء، ووزارة السياحة، والهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، والمركز القومي للبحوث.
وقال الأمين العام في كلمته، إن هذا المؤتمر ليمثل أهمية كبرى في إطار اهتمام الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي بمجالات البحث العلمي، خاصة ما يتعلق بعلوم المناخ والبيئة وقضايا الفلك والفضاء، كما أن ما تناقشه محاور هذا المؤتمر وجلساته التي تدور حول التحديات المناخية المتجددة والفرص المتاحة لإحلالها بما ينعكس على معدلات التنمية، يؤكد أن الدولة المصرية بقيادة الرئيس تسير نحو تطور مهم يسعى لاستثمار كل مواردها الطبيعية وإمكاناتها في خدمة المجتمع وتلبية احتياجاته، مضيفا أنه يمثل خطوة مهمة في هذا الجانب، ويؤكد على دور المؤسسات الدينية والعلمية ومؤسسات المجتمع المدني في مواجهة نحو هذه القضية.
وأضاف «عياد»: «على الرغم من إدراكنا أن المسؤولية الأساسية تتحملها تلك الدول الكبرى، التي تتسبب ممارساتها الجائرة بحق الطبيعة بتدمير التوازن البيئي، إلا أننا على الجانب الآخر نؤمن أيضا بالمسؤولية التضامنية بين كل البشر؛ لحماية كوكب الأرض، ونؤمن بأهمية وعي المجتمعات الإنسانية في الحفاظ على البيئة، ولما لرجال الدين من تأثير كبير في مجتمعاتهم، فإنه تقع عليهم مسؤوليةٌ كبيرةٌ في توجيه السلوك الإنساني نحو التصدي للأخطار البيئية المحدقة بعالمنا».
أوضح الأمين العام أن الفكر الديني حينما يهتم بقضية (التغيرات المناخية)، فإنما ينطلق من مبدأ سام، ورسالة إلهية، تظهر واضحة جلية في قول الله تبارك وتعالى: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} [هود: 61]. فالأمر بعمارة الأرض والنهي عن الإفساد فيها جزءٌ من الرسالة الإلهية التي حملها الأنبياء إلى أقوامهم، مشيرا إلى أن آيات القرآن الكريم جاءت لتبين أن الأنبياء - عليهم السلام- قد نهوا أقوامهم عن كل أشكال الفساد أجمع في (البر أو البحر أو الهواء)، ولم ينهوهم عن إفساد الدين فحسب، وأن علماء الإسلام لديهم إرثٌ ديني حضاري متميزٌ، يمكنهم من المشاركة الفاعلة في إرشاد المجتمعات؛ للحفاظ على البيئة، والتعامل الرشيد مع الثروات الطبيعية، فالدين الإسلامي اعتبر الإنسان مستخلفا على الأرض، ومطالبا بعمارتها والاعتناء بها، وفي المقابل حذر من الإفساد في هذه الأرض، أو تهديد استقرار الحياة على سطحها.
وتابع: ûسوء التعامل البشري مع الطبيعة الإلهية لازال يهدد الكون بكوراث لا حصر لها، وإنني من خلال هذه المنصة ألقي الضوء على أبرز تلك الكوارث؛ يأتي في مقدمتها (الاحتباس الحراري)، وقد أكدت الدراسات العلمية مدى انعكاساته السلبية على مكونات الطبيعة (المائية)؛ وصار العالم كله يترقب بقلق وحذر الأخبار الواردة من القطبين عن ذوبان رصيد الأرض من الجليد، وما سيتبع ذلك من آثار كارثية قد تصل وفقا لتوقعات بعض الدراسات إلى حد إغراق واختفاء عشرات المدن الساحلية. بل والأخطر من ذلك؛ التأثير السلبي على ثروة العالم من المياه العذبة، وغير ذلك من التأثيرات الخطيرة التي تهدد الجميع»، موضحًا أن مما يستدعي الأسف أن الأطماع الاقتصادية، والرغبة في تحقيق المنافع الفردية تتغلب كثيرًا على الأبعاد الإنسانية في التعامل مع التغيرات المناخية الحديثة، فعندما ننظر إلى ظواهر كـ(زيادة نسبة التصحر)، و(نقص كفاءة الإنتاج الزراعي في العالم) نجد أن النفعية الفردية تدفع الإنسان بغير وعي نحو التعدي على الأراضي الزراعية وعدم زراعتها والانتفاع بها، والتغول على الغابات بتجريفها، وتقطيع أشجارها، دون التفات لما يترتب على ذلك من آثار وخيمة على العالم أجمع.
وأكد الأمين العام أن اعتبار الأبعاد الإنسانية والأخلاقية لقضية (التغيرات المناخية)، لم تعد مجرد خيار مطروح، بل صارت ضرورة حتمية ولازمة من أجل مستقبل البشرية في هذا العالم، فما يعانيه العالم المعاصر اليوم من أزمة مناخية تركةٌ ثقيلةٌ ورثناها من أجيال قديمة أساءت التعامل مع الطبيعة في ثورتها الصناعية، ولو استمر الحال على ما نحن فيه فإننا حينئذ نرتكب (جناية وإثما) في حق أنفسنا وفي حق الأجيال القادمة لن يغفره لنا التاريخ، والدولة التي تسيء التفاعل مع الطبيعة لا تجني وحدها تبعات وزرها، بل تحمله كل دول العالم، فإن تركناها، هلكت وهلكنا، وإن منعناها نجت ونجونا، مضيفا أنه قد آن الآوان لتوافق كل (الدول والمؤسسات) بلا استثناء لاتخاذ إجراءات صارمة لدعم مشروعات للطاقة النظيفة، وزيادة المساحات الخضراء، والعمل على إصدار التشريعات والقوانين اللازمة للحد من ظواهر التلوث، والإفساد غير الواعي للبيئة والمناخ، وأخذ الحيطة والحذر من تبعات (التغيرات المناخية) على مستقبل العالم!
أضاف عياد أن الأزهر الشريف يدرك دوره الكبير في مجال المحافظة على البيئة، بعدما باتت قضية التغير المناخي تهدد العالم، وانطلاقا من وعي رجال الأزهر بمخاطر التغيرات المناخية التي تواجهها الكرة الأرضية؛ حيث شارك فضيلة الإمام الأكبر عام 2012م، بمناسبة احتفالية اليوم العالمي للبيئة، في مبادرات جمعته بالبابا تواضروس الثاني، تهدف إلى زيادة الوعي حول خطر التلوث البيئي، وفي أبريل عام 2020م، في احتفالية يوم الأرض العالمي، دعا الأزهر إلى «عدم إلحاق الضرر بالأرض التي وهبنا الله إياها نظيفة نقية صالحة للحياة، والابتعاد عن كل الممارسات الخاطئة التي تضر بها وتؤثر على حياة البشر»، كما أسست جامعة الأزهر لجنة «لخدمة المجتمع وتنمية البيئة» من أهدافها جعل الجامعة صديقة للبيئة ومنتجة للطاقة الشمسية، كما تبنى قطاع المعاهد الأزهرية المسؤول عن التعليم الأزهري قبل الجامعي، خلال العامين الماضيين، برنامج توعية لتلاميذ المرحلتين التمهيدية والابتدائية حول الحفاظ على البيئة، وفي الإطار ذاته قام مجمع البحوث الإسلامية بعدة فعاليات تتعلق بهذا الموضوع جاءت متنوعة ومتعددة؛ ما بين ورش عمل ودروات تدريبية وكذا إصدارات علمية، وقوافل دعوية، ولقاءات ميدانية، وحملات توعوية مباشرة وإلكترونية؛ لعل من أبرزها: حملة "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"، وحملة "بيئتك عنوانك"، وحملة "فيها الحياة", وحملة" فيها حياتنا"، إضافة إلى مبادرة "مناخنا حياتنا" والتي أطلقها المجمع العام الحالي وتستمر لمدة عام تتضمن عشرة محاور تنفيذية.
وختم عياد بالتأكيد على عدة أمور أهمها: غرس فكرة العناية بالبيئة والمحافظة عليها لدى الناشئة من خلال المناهج والكتب الدراسية والبرامج المختلفة، وتكاتف جهود مؤسسات المجتمع المختلفة، بدءا بالأسرة ومرورا بالمؤسسات التعليمية والدعوية والتثقيفية؛ للقيام بدورها التربوي والتوعوي؛ فإن إصلاح البيئة يحتاج إلى إنسان صالح أولا، وسن التشريعات المختلفة، التي تتضمن العقوبات الشديدة ضد مفسدي البيئة، مع التركيز على زرع الثقافة الدينية، التي تمنح الإنسان الوازع الذاتي، والضمير الحي، الذي يجعل من ذاته رقيبا على كل تصرفاته التي تضر بالبيئة، وتبادل المعلومات بين الدول والمنظمات الحكومية وغير الحكومية بشأن المشكلات البيئية بسرعة وبدقة، بعيدا عن الجوانب الإجرائية والشكلية، وذلك للانتفاع بها واستخدامها في مواجهة أي خطر يهدد البيئة، مطالبا الجميع بضرورة توحيد الجهد والفكر؛ من أجل أجيالنا القادمة، دعونا ننقذ مستقبل أولادنا وأحفادنا، دعونا نترك لهم أرضا صالحة للعيش في سلام وأمن، دعونا لا نسمح بتدمير هذا البيت المشترك، الذي يأوينا جميعا.