أصواتهم السعيدة المرحة شجعتنى أن أقترب وابتسامة الرجاء تعلو وجهى، طلبت استعارة غطاء الرأس منهم للتصوير به، سارع أحداهم بتقديمه، وطلبت إحداهن أن أتصور معها أيضا أو معهم ومعهن، ففضلت معشر الجميلات الأنيقات؟! مبررة طلبى أنها لزوم مقال أكتبه أى ستكون صورة علنية للنشر فالفارق فى الأجيال والتعليم لا بد من رصده وتوثيقه أيضا خاصة أنها بين لحظة تكريم للجميع لم يعيشها جيلى وبين لحظة هم يصنعون فرحتها للجميع الآن.
سأل بعضهم ولماذا لم يكن يتم ذلك فى جيلكم؟ احترت فى الإجابة وأسبابها، وودت لو كان هذا التقليد موجودا بالفعل عند تخرجى من الجامعة قبل أكثر من ٣٠ سنة فقد تعلمنا وتخرجنا على الساكت كأنها جمعية سرية للنجاح وللخريجين.
رحب الشباب جدا، وتبادلنا الكلمات بل والقفشات الباسمة التي انطلقت من خيالهم ببراعة وسرعة بديهة تجاوزت بها حسرة غياب الصورة اللهم إلا صورة الزفاف لجيلى كما قالوا.
بعدها اصطف الجميع فى طابور الشرف واصطف الحضور أيضا للتحية، وسط عيون الأمهات والآباء التى تمتلئ بالدموع، بينما تصفيق الأساتذة ينطلق بالفخر والحماس لتأدية واجبهم.
اخترقت الزحام مع الآلاف الحاضرة، وجلست مع الوزراء والأجانب الضيوف أتابع احتفالية الجامعة الألمانية بالقاهرة، وبدأت بعرض فيلم قصير يحكى رحلة الـ20 عاما منذ التأسيس وحتى الآن.
واسترجعت مع لقطات الفيلم أغرب دعوة تلقيتها فى ذلك الوقت أى فى بداية الألفية الحالية وكان عنوانها نحو تأسيس جامعة مصرية وألمانية؛ فمنذ متى يستمع لرأى الخبراء والصحافة وأصحاب المصلحة وبمشاركة الرسميين لتأسيس جامعة فهى فى الأغلب تسقط علينا من أعلى دائما وبعد التشييد؟
ذهبت إلى الاجتماع وقتها بفضول شديد وأسئلة أكثر وضمن عدد صغير مختار من الحضور، بعدها بقليل تبددت حالة التحفظ والقلق حينما وجدت الإجابة بخطة ومشروع متكامل على رأسه منح كاملة مجانية لأوائل بالثانوية العامة بأعداد غير مشروطة، مع منح جزئية للمتفوقين أيضا من غير الأوائل وإقامة كاملة أيضا لغير القاهريين.
هكذا بدأ أشرف منصور مؤسسها عرض مشروع متكامل، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن أصبح طقس حفل زيارة الأوائل سنويا هو ما تحرص عليه الجامعة فأحضره واحرص على حضور المناسبة أيضا لأستمع وأتحاور مع قصص تفوق المصريين من بسطاء الوطن ومن مختلف المحافظات خاصة بعد أن تناست وزارة التعليم تكريم الأوائل بالثانوية، والآن اقترب عدد الأوائل والمنح من ثلث عدد طلاب الجامعة الألمانية من طلاب المنح المجانية فالتفوق بالدرجات يصنع المنافسة والجدية أيضا وغير صحيح أن درجات الثانوية وما يعادلها ليست دليلا للتفوق كما يبرر البعض متعمدا؛ لذلك كان طبيعيا أن يتحمس الجميع للمشروع لأنه تعاون بين دولتين، ففى عام 2003 تم الافتتاح للجامعة بحضور المستشار الألمانى شرودر والرئيس مبارك وقد تسنى لى فى هذه الفترة أن أقترب من أسماء كبيرة فى مجلس الأمناء منهم إبراهيم الدميرى وحمدى زقزفزق وعبد الخالق ومحمود هاشم و الدكتورة دولت وهى الجندى المجهول فى التأسيس و كل ماله علاقة بالتعامل الدولى الاداري وآخرين من الأسماء العلمية اللامعة، والذين تحمسوا لإنشاء الجامعة فكانوا خير دعم لها.
وأذكر أن مجلس الأمناء كان فى زيارة عمل للجامعات الألمانية، وكان ذلك عقب تولى المستشارة ميركل منصبها مباشرة، والمفاجأة أن تزامن وقتها مع أول زيارة للمستشارة لدولة وكانت لاحتفالية قومية بالسفارة المصرية ببرلين وكانت الجامعة الألمانية حاضرة لهذا الحدث وكنا معهم، وجاءت المستشارة ميركل بحراسة قليلة مما شجعنى على الاقتراب منها وتوجيه التحية لها بل وسؤالها عن العلم والجامعة فهى الأساتذة والحاصلة على الدكتوراه أيضا فى الكيمياء الفيزيائية فكانت كلماتها وحديثها هام لنا وبأن نهضة الأمم ورأسمالها يقوم على العلم والبحث العلمى ولذلك تدعم إنشاء الجامعة وتستحق المستشارة ميركل مقالا منفردا وتكريما خاصا بها لدورها التعليمى والعلمى العالمى ودعمها له طوال فترة حكمها.
ومما لاشك فيه أن استمرار العظيمة ميركل بالمنصب الرئاسى كان فى صالح التعليم والبحث العلمى كمفهوم تتموى وإنسانى داخل ألمانيا وخارجها أيضا فكانت عاملًا هاما لدعم الجامعة الوليدة وقتها خاصة فى أهميتها لمصر وألمانيا على السواء، وأدى نجاح الجامعة الأم إلى أنه ولأول مرة يتم الموافقة بالدعم الألمانى والمصرى معا على إنشاء جامعة ثانية جديدة بمسمى الجامعة الألمانية التكنولوجية التطبيقية ومقرها العاصمة الإدارية الجديدة وقد بدأت العمل بالفعل.
وأصبحت الجامعة الألمانية بمصر أكبر الجهات التعليمية خارج ألمانيا وبنسبة ٤٠٪ من أعداد من يسجلون لدرجات ألمانية خارج ألمانيا و١٠٣ برامج دراسية بينى واستطاعت أن تقدم أسماء مصرية فى كبرى الشركات العالمية كما تقول الأرقام الألمانية.
إن مشروع الجامعة الألمانية ولد ناجحا من البداية أولا بسبب وجود رؤية للمشروع وأهداف ودعم حكومى فى التأسيس الأكاديمى الصحيح من المناهج والإعداد الطلابى خاصة فى الجوانب العلمية والدأب والإصرار عليه، وهذا النجاح كان سببه الثقة به من الجانب الألمانى وفى اسم مصر وطلابها وعلمائها من خلال نموذج مؤسسها أشرف منصور أحد الأساتذة بكلية العلوم جامعة القاهرة والذى سافر إلى ألمانيا ونال منها درجة الدكتوراه فى الكمياء وعمل فى الصناعة الألمانية وربط البحث العلمى بالصناعة فكان النجاح حليفه، وأصر على العودة ونقل التجربة والتعاون إلى مصر لا سيما وأن ألمانيا تدعم الباحثين المصريين، وعمر التعاون العلمى بلغ هذا العام ٧٠ سنة بين مصر وألمانيا.
وخلال الـ ٢٠ سنة، ذكر ياسر حجازى رئيس الجامعة، أنه تم تبادل وإيفاد ٢٠ ألف طالب وطالبة فى كورسات وفصول دراسية بألمانيا من إجمالى ما يقرب من ٢٤ ألف خريج منذ نشأة الجامعة الألمانية وحتى الآن بجانب إعداد لطلاب الدراسات العليا، وأضاف المستشار الأكاديمى الألمانى ديتر فريتش، أن الجامعة ساهمت أيضا في نشر ٥٥٠٠ ورقة علمية خلال السنوات الماضية، وهو إنجاز لهذه الجامعة الوليدة فى الفترة القصيرة من عمرها ولم يتحقق خارج ألمانيا إلا بمصر ومن خلال المصريين.
من كان يتصور أن البدايات وفكرة والتعاون فقط قدمها شاب مع جامعة اولم، كما قال مفيد شهاب الذى تم تكريمه فهو شاهد عيان وداعم للنجاح، وأضاف أن الفكرة الأولى التي قدمت له كرئيس لجامعة القاهرة من أستاذ شاب بها قبل ربع قرن سوف تؤدى إلى هذا التقدم والنجاح، وأنه سوف يستمر وينجح ويثمر هذا التعاون والإنجاز مع كبرى الجامعات الألمانية مثل شتوتجارت أيضا بل البيت المصرى بالمأنيا يمثل نقطة عبور وتحول فى التبادل العلمى والأكاديمي.
لذلك كانت سعادة الجميع من مصر وألمانيا بالإنجاز والإصرار على الحضور ليس من قبيل المجاملة أو الإعلان عن الجامعة فهى تجاوزت هذه المرحلة منذ التأسيس ولا تحتاج إلا إلى والفرحة بنجاح مؤسسة مصرية تعليمية بالتعاون الألمانى لأنها أيضا تعكس صدق وجدية الوطن والعمل والثقة بالإنسان المصري وبالألمان وعلمهم وتعليمهم من خلال التاريخ غير البعيد لدعمهم الكفاءات العلمية ومشاريع الاستقلال والتصنيع الوطنى المصرى.
أن ترحيب الأسر المصرية بالتعليم والتعاون الأجنبى يعكس أيضا الإصرار على الجودة والعلم من الأسر المصرية القادرة وغير القادرة ومدى التطور الثقافى الذى حدث فى الترحيب بمفهوم عولمة التعليم والانفتاح على الخارج وليس الانغلاق وأنه لا يقلل من الوطنية أو الهوية بل على العكس تماما فالانفتاح يعزز كفاءة المتعلم والخريج وتطوره التقافى والتعليمي وتقبل الآخر والتعددية، حيث أصبح الاحتكاك والتعاون والشراكة التعليمية أحد أهم الأسس والمعايير العالمية فى تقييم الجامعات ونجاحها وتصنيفها بل أصبح لدينا الآن سمعة عالمية طيبة فى مستوى طلابنا وتحصيلهم أو الخريجين للعمل بالدول الأوروبية فى إطار من المنافسة العادلة متى توفر الإعداد الجيد وبمساواة ونحن نمتلك بالفعل ذلك من خلال قاعدة سكانية شابة هى رأس المال المصرى الحقيقى والقيمة المضافة الأولى أيضا فى الاقتصاد القومى والإنتاج حيث تحويلات المصريين فى الخارج هى العماد الأول الآن للاقتصاد وتسبق قناة السويس لذلك فتعليم المصريين الجيد هو سلاح المستقبل الذى تمتلكه ولا بد أن نراهن عليه أيضا لأنه سلاح لا ينضب، ومن هنا كان الاهتمام من الجامعة الألمانية فى تأسيس مشروع لدعم قدرات المدرسين من خلال تأسيس مشروع لتدريب معلم المدرسة وتخرج منه حتى الآن ما يزيد عن ألف معلم ومعلمة فلا تعليم جيد إلا بتدريب وتأهيل المعلمين أولا وهو من المشروعات الهامة لصالح المجتمع بأكمله.
وإذا كانت الألفية الحالية قد بدأت بتخصصات علمية ولكن غير طبية مباشرة بالجامعة الألمانية بالقاهرة فالأمل وأتمنى أن يكون فى مرور مناسبة ربع قرن على تأسيسها هو التفكير بتأسيس كلية للطب، لا سيما وأن طالب الطب المصرى يحتاجه الداخل والخارج خاصة أن الجميع يحترم اسم وسمعة ودقة وتطور الطب الألمانى الذى أصبح فى أعلى المراتب العلمية الأولى عالميا يحج إليه الجميع مواطنين وحكام، وأتمنى أن تكون نقطة جديرة بالبحث والتفكير لتطبقها الجامعة فى السنوات المقبلة.