رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حرب أكتوبر ما زالت تنتظر الكثير من قوى مصر الناعمة

5-10-2022 | 21:05


باكينام قطامش,

أصبحنا على مشارف العام الذي ستحتفل فيه مصر و كل المنطقة العربية بمرور نصف  قرن على حرب أكتوبر المجيدة فنحن الآن فى العام التاسع و الأربعين من عمر تلك الحرب التي ردت لمصر والعرب كرامتهم وعزتهم، و من واضع فكرة  اقتحام الساتر الترابي إلى عبدالعاطي صائد الدبابات إلى المئات من البطولات منقطعة النظير والتى أعطت للعدو وللعالم بأسره أن جنود مصر  هم بحق خير أجناد الأرض.  


والحرب مثلها مثل أي حدث كبير بل ربما هي الأكبر و الأهم ليس من السهل تناولها سينمائيا إلا بعد مرور فترة كافية يستوعب فيها كتاب السيناريو ما حدث ويتابعون النتائج حتى يأتي تعبيرهم عنها على قدر مستوى وجلال اللحظة، وكعادة السينما المصرية كان الاستعجال والرغبة في التعبير الوقتي غير المتأني وراء ظهور سلسلة من الأفلام التي تناولت حرب أكتوبر من خلال منظور اجتماعي أكثر منه منظورا حربيا، فيما عدا بعض الأعمال القليلة جدا التي أظهرت الحرب كبطل أساسي في موضوع الفيلم، وكان لعام ١٩٧٤ وهو العام التالي للحرب نصيب الأسد من هذه الأفلام، ولكن ظلال الحرب الموعودة كان لها نصيب منذ عام ١٩٧٣ عندما قدم المخرج الراحل علي عبدالخالق فيلم أغنية على الممر والذي عرض يوم ١ يناير عام ١٩٧٢ وهو عن قصة علي سالم وسيناريو وحوار مصطفى محرم ليعبر عن معاناة الجنود أثناء حرب ٦٧ حيث ينقطع الاتصال بين قيادة الجيش وفصيلة مشاة كانت تحرس أحد الممرات في سيناء وتضم الكتيبة مجموعة متباينة من جميع طبقات الشعب المصري والذين يرفضون ترك موقعهم برغم انتهاء المؤنة والذخيرة وخلال فترة الحصار نتعرف على حكاياتهم وإحباطاتهم وآمالهم فى النجاة، ولا يمكن لأي مشاهد لهذا الفيلم أن ينسى أغنيته الرائعة "تعيشي يا ضحكة مصر" التى ألفها الشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودي. 

بعد الحرب توالت الأعمال كما ذكرنا عام ١٩٧٤ بأفلام تعتمد على قصص اجتماعية بعضها كان شديد السذاجة مثل بدور والوفاء العظيم . حتى آخر العمر وظلال على الجانب الآخر ونتوقف عند فيلمين مهمين في ذلك العام أولهما أبناء الصمت عن قصة للأديب مجيد طوبيا وإخراج محمد راضي والذي عرض فى ٣١ نوفمبر ١٩٧٤ ويتناول فى قصته الأساسية حرب الاستنزاف والتى استمرت لسنوات طويلة تحكي عن بطولات جنودنا خلف خطوط العدو خاصة بعد تدمير الضفادع البشرية المصرية للمدمرة إيلات وجنون إسرائيل من هذا العمل البطولي مما دفعها لقصف مدينة الزيتية بالسويس وترتفع ذروة حرب الاستنزاف ونعيشها مع مجموعة من الجنود على الجبهة ولكل منهم حكاية و نشاهد أيضا حالة الضياع التي انتابت القاهرة فى ذلك الوقت وخلقت داخل أبناء الشعب روحا من اليأس والتبلد والبحث عن أي وسيلة تخرجهم من هذا الحصار النفسى الملعون وينتهى الفيلم بقيام حرب أكتوبر واسترداد كل ما فقده المصريون  فى حرب ٦٧. 
أ

ما الفيلم الثاني فهو الرصاصة لا تزال في جيبي عن قصة إحسان عبدالقدوس، سيناريو وحوار رأفت الميهي وإخراج حسام الدين مصطفى والذي عرض يوم ٦ أكتوبر عام ١٩٧٤، وكان من المفترض أن ينتجه رمسيس نجيب ولكنه عجز أمام التكلفة العالية له مما أدى إلى تدخل مباشر من الرئيس الراحل محمد أنور السادات لدعم الإنتاج ووفر له كل الإمكانيات حتى إنه استدعي مخرجا إيطاليا متخصصا فى إخراج المعارك الحربية لتقديمها في أفضل صورة ممكن بمشاركة ضباط وجنود الجيش الثاني الميداني، لهذا اعتبر معظم النقاد هذا الفيلم من أفضل ما قدمته السينما المصرية عن أكتوبر خاصة وأن الحرب نفسها لم يتم تصويرها بأمر رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة.

و تمر أربع سنوات لتتجدد صورة الحرب على الشاشة الفضية وبالتحديد في ٣ سبتمبر عام ١٩٧٨ عندما تحمست الفنانة ماجدة الصباحي لإنتاج قصة الأديب الراحل يوسف السباعي العمر لحظة وهو من سيناريو وجيه نجيب وحوار عطية محمد وإخراج محمد راضي، والفيلم تناول المجتمع المصري فى أعقاب حرب ١٩٦٧ والتحولات الكبيرة التي تعرض لها حيث تحدث المواجهة بين رئيس التحرير الفاسد المنحل الذى حوله يأس الهزيمة إلى مسخ إنساني يلقي بإحباطاته تحت أقدام حياة الليل وبين زوجته الصحفية صاحبة القيم و المبادئ التى تقف على أعمدة الأمل والرغبة في استرداد حرية مصر وكرامتها وخلال الرحلة ترتبط هذه الصحفية بمجموعة من الجنود الذين يشاركون في حرب الاستنزاف وينتظرون لحظة الخلاص. 

و تتوقف السينما عن أفلام الحرب حتى عام ١٩٩٢ قدم قطاع الإنتاج بالتلفزيون رائعة الأديب جمال الغيطاني والسيناريست محمد حلمي هلال والمخرجة إنعام محمد علي حكايات الغريب، هذا الفيلم الذي ذكرني بالفيلم الأمريكي الرائع جسر واترلو فكلاهما يتناول الحرب بدون مشهد معركة واحد، ومزج الفيلم بين الهزيمة وأثرها على بعض الشباب الذين كانوا يحملون أحلام التفوق على العدو والتحول الذي حدث لهم بعد قيام حرب ٧٣ حيث نجد البطل الرئيسي الذي كان يعمل سائقا لسيارة الصحافة وقت قيام الحرب ووقوعه داخل حصار مدينة السويس وعدم عودته إلى أهله وأصدقائه مما يدفعهم للبحث عنه فتفاجئهم مجموعة من حكايات البطولة منسوبة إليه من أبناء المدينة والذين يسمونه بأسماء مختلفة لنصل فى النهاية إلى أن هذا الشاب هو كل شاب مصري شارك فى هذه الحرب المجيدة. 

و نصل إلى عام ١٩٩٨ وهو تاريخ إنتاج فيلم حائط البطولات وهو عن قصة محمد رشاد، سيناريو محمد راضي ومصطفي بدر ، مراجعة سيناريو مصطفى محرم، إشراف على الجانب الحربي والعسكري قائد قوات الدفاع الجوي محمد علي فهمي ومن إخراج محمد راضي  وإنتاج قطاع الإنتاج بالتلفزيون وتناول الفيلم مراحل تطوير قوات الدفاع الجوي وبناء حائط الصواريخ. و لكن الفيلم لم يتم عرضه إلا عام ٢٠١٤ بعد المتغيرات التى حدثت نتيجة قيام ثورة يناير ٢٠١١. وقد تكلف الفيلم فى ذلك الوقت ١٦ مليون جنيه.

ثم يشارك قطاع الإنتاج فى ملحمة سينما الحرب بفيلم جديد للمخرجة إنعام محمد علي والسيناريست الراحل فايز غالي، وهذا الفيلم من أقرب النماذج للأفلام الحربية حيث تناول عملية فدائية قام بها أبطال البحرية المصرية من الضفادع البشرية والذين تمكنوا من الوصول إلى ميناء إيلات وتدمير أهم مدمرتين إسرائيلتين.  
كما كان هناك مجموعة من الأفلام التي كانت الحرب جزءا منها مثل الصعود إلى الهاوية عام ١٩٧٨ ، وفتاة من إسرائيل عام ١٩٩٩. 

وأخيرا قامت الدولة بالتصدي لإنتاج العمل الضخم الممر للمخرج شريف عرفة وهو أحد أهم الأفلام التي تناولت هزيمة ٦٧ بالتفصيل والمعاملة الوحشية التي كان يتعرض لها الأسرى المصريين فى معسكرات إسرائيل، ثم تكليف كتيبة من جنود الجيش المصري باقتحام هذا المعسكر وتحرير زملائهم ويرصد الفيلم الرحلة التي قامت بها هذه الكتيبة حتى وصلت إلى المعسكر وأنقذت الأسرى ودمرت المكان بأكمله ولكن شهر العسل مع المهمة لا يستمر طويلا حيث تقع معارك شرسة بين جنود مصر البواسل وجنود إسرائيل تنتهي بنجاتهم وأسر قائد المعسكر الإسرائيلي، وتفوق شريف عرفة وهو المخرج المتمكن في سينما الأكشن من تصوير المعارك باقتدار كما تنافس طاقم التمثيل بأكمله فى مباراة قوية من الأداء المتميز، وجاء هذا الفيلم مفاجأة كبيرة لأجيال من الشباب الذين ولدوا ونشأوا بعد الحرب ولا يدركون أهميتها الحقيقية بل لا يعرفون عنها إلا ما هو مذكور فى مادة التاريخ ومن هنا تأتي أهمية القوى الناعمة في إلقاء الضوء على المواطن البراقة في تاريخ مصر الحديث مما يزيد من انتماء المصريون لوطنهم. 

لهذا ما زالت حرب أكتوبر تسأل تلك القوى هل من مزيد؟