رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الصادق الأمين في عيون الأدباء المسيحين

5-10-2022 | 21:09


أديب أوروبي

بيتر ماهر الصغيران

 

تعتبر منطقة الشرق الأوسط منبع من منابع الأديان، سواء ما هوبدائي أوما حمل طابع الشرائع السماوية.

 

كانت الأديان البدائية تبحث  عن ماهية الإنسان والإله، في حضارات العالم القديمة في دول مثل:  مصر والعراق ومنطقة الشام، لذا لم يكن صعبا على المقيمين في منطقة الشرق الأوسط، قبول دعوة الأنبياء التي بدأت في مناطق جغرافية محدودة، حتى صارت وانتشرت إلى دول العالم أجمع فيما بعد.  

سنجد تقاربا فكريا كان قائما على الدعوة إلى السلام، نبذ العنف والخير، محبة الحق والعدل، الرحمة.

ل

ذا ليس غريبا أن بعض الشعراء أوكتاب المسيحيين على مستوى العالم، مدحوا النبي محمد الصادق الأمين، أخذوا جوانب مختلفة  من شخصية الرسول الكريم، ثم كتبوا عنها.

 

سنجد الخطاب الأدبي الذي تناول السيرة النبوية، في كتابات الشعراء والكتاب على مستوى العالم، كان  في تلك الحالة موجه إلى فئة من الناس متذوقة للأدب؛ لتصل إليهم المعاني التي وضعت في شكل استعارة أوكناية، حتى نجد  الإحالات الدلالية  معدة لهذا الغرض.  

 تعددت أنواع الإحالات  التي  سوف نتناول البعض منها :

 

_ المقارنة الصريحة، وهى المثال الأشهر بوضع شيئين داخل الخطاب الأدبي، سيكون بينهما جانبا مشتركا، على سبيل المثال المقارنة بين حياة العرب ما قبل الإسلام وما بعد الإسلام؛ لتكون المقارنة واضحة  وتحتاج إلى كثير من التأمل.

 

_ الكناية عن طريق المجاز الشعري، عند إبراز فعل معين، من خلال استخدام مثال معين. 

 

_ جاءت محاولات الشعراء والكتاب الذين كتبوا عن السيرة النبوية في قارة أوروبا بالتحديد، على شكل إعادة تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة عن الإسلام؛ فالحدث  يختلف عن معناه المألوف في الحياة، إذ إنه لا يحاكي ما حدث بالفعل؛ بل يتخطى هذا ليضع البعض منهم رؤيته الخاصة على الأحداث.

 

وضعوا في كتاباتهم لغة  الوسيط  أومفسر للمعاني أحيانا، فقد اعتبروا  الكتابة عن السيرة النبوية  نوعا من أنواع البحث التاريخي أيضا، مع تداخل عناصر الأدب مع التاريخ. 

 

يمكن أن نعتبر الأدباء الروس في القرن التاسع عشر، من أهم الكتاب الذين تناولوا السيرة النبوية وكتبوا عنها.

 

سنرى واحدا من أهم كتاب روسيا وهو(تولستوي) في مجموعة مقالات شكلت كتابه عن النبي محمد والإسلام، قد جاء بعنوان (حكم النبي محمد)، بدأ تولستوي باستعراض حياة العرب قبل الرسول ، كيف كانت بدائية تتسم دائما بالحرب والشر؟! حتى أنه عبر عن هذا في فقرات كثيرة من كتابه حيث  يقول :

 

كان العرب قبل ظهورمحمد، يقدمون لآلهتهم الذبائح البشرية من أسرى الحرب. 

 

ثم يستكمل حديثه :

لما وحد النبي محمد قبائل العرب، أنار أفكارهم وأبصارهم بمعرفة الإله الواحد، هذب أخلاقهم ولين طباعهم وقلوبهم،  أصلح عاداتهم البربرية الهمجية، جعلهم أمة مستعدة للرقي والتقدم.

 

نقدر أن نقول أن تولستوي _ وهوواحد من أهم كتاب الرواية في العالم _ رأى في النبي محمد القائد والمصلح وصاحب الحكمة والقدرة على التأثير في الاَخرين.

 

إذا عدنا بالزمن إلى الوراء، سنجد أن أمير شعراء روسيا (بوشكين) شغله كثيرا القراّن الكريم والسيرة النبوية، من خلال هذا التأثر كتب قصيدة النبي، التي حاول فيها أن يتكلم عن بدايات الدعوة الإسلامية ويقول في مطلعها  :

ناداني صوت الله 

 

انهض يا رسول واصبر 

لب أرادتي 

 

من هنا نفهم أن (بوشكين) ركز على البدايات وفك الغموض الذي كان يكتنف فكرة نشأة الإسلام لدى قارة أوروبا آنذاك، مع تصحيح بعض الأفكار المغلوطة عن الإسلام.

 

بينما إذا انتقلنا إلى الأدب الألماني، سنجد اهتماما كبيرا من الشاعر الألماني الأشهر (جوته)

 

 الذي كان لديه شغف كبير لمعرفة آداب الشرق؛ بل وشغف لتعلم اللغة العربية.

 

بفضل الرحالة الكثيرين الذين كتبوا عن الشرق، قدموا  إلى أوروبا دراسات متنوعة عن الشرق  عكف جوته على دراسة تلك الكتابات، التي تناولت الأقطار العربية.

 

ثم  كتب في هذا الإطار مسرحية شعرية  بعنوان (تراجيديا محمد) التي كانت مكونة من فصلين استعرض بالفصل الأول البعثة المحمدية والفصل الثاني كان حول معاناة الرسول، أثناء تبليغ الرسالة  والاذى الذي تعرض له من المشركين.

يصور جوته شخصية الرسول في القصيدة :

 

كنهر بدأ يتدفق رقيقا هادئا، ثم لا يلبث أن يجيش بشكل مطر.  

 

الأدب الفرنسي  تحدث أيضا عن النبي محمد، في كثير من الأعمال وإن كان واحدا من أهم التجارب الأدبية كانت في كتاب (حياة محمد) للشاعر الفرنسي  الكبير (لامارتين)،

 

 تناول فيه تاريخ العرب قبل الإسلام، الذي غلب عليه الخرافات والجهل، لم يكن بهم أى روابط موحدة؛ على الرغم من وجود عوامل الوحدة مثل الأصل المشترك واللغة.

 

ثم يصف ديانة العرب اّنذاك، أنها كانت متحررة من القيد، ثم تناول حروب العرب معا ما قبل الإسلام.

 

يواصل حديثه طوال الكتاب عن الأيام الأولى للدعوة، حيث وصف النبي محمد بالحكمة والعدل.

 

يعتبر كتاب (حياة محمد) واحد من أهم الكتب التي ظهرت في أوروبا بالقرن التاسع عشر استعرض فيه ملخص عام وشامل عن السيرة النبوية.

 

 أحلنا الكاتب إلى شخصية النبي  بشكل مباشر، حيث وضع مقدمة بنى فوقها كل أفكاره، عن ملامح شخصية النبي  التي  كانت تحاول أن تصل إلى الناس.

 

في المقابل نقل إلينا  لامارتين صراع الأحزاب المتصارعة فيما بينها، وكيف أثرت الحالة العامة في طريقة التفكير؟

 

من خلال هذا التضاد يتضح مع استمرار القراءة، وجد صراعات فكرية وطبقية، مع الصراعات نفسية; لذا عمق الشاعر رؤية الشخصيات من الخارج والداخل.

 

جاء العنوان في حد ذاته وهو أول مظهر خارجي، اهتم به الكاتب؛ بل وأبرزه  كعلامة استرشادية  رمزية، تطرح رؤية الشاعر عن الحياة الاجتماعية، التي كانت تتخفى فيما وراء  الوثنية  التي  حجبت العقل عن التفكير في الدعوة.  

 

قام (لامارتين)  بالخلط بين ما هو شخصي وبين ما هو عام، اعتمد على مبدأ  تجزئة الأحداث من بداية الدعوة، ثم مرحلة التبليغ، حتى وضع ما يشبه السيرة النبوية المصغرة ليقدمها إلى القارئ الأوروبي.

 

اشعراء والكتاب المسيحين المتحديثن باللغة العربية، كان لهم بعض الأعمال الأدبية سواء على المستوى الشعري أو النثري للحديث عن النبي محمد. 

 

كتب الشاعر السوري ميخائيل خيرالله قصيدة شعرية على نهج ما يعرف بالمعارضات الشعرية جاءت بعنوان «أنوار هادي الورىَ» كانت تعارض قصيدة نهج البردة لأمير الشعراء (أحمد شوقي) .

 

فاستهلّها بقوله: «أنوارُ هادي الورى في كعبةِ الحرمِ/ فاضتْ على ذِكرِ جيرانٍ بذي سَلَم».ٍ

 

ثم استعرض الشاعر بدايات الدعوة ومعاداة قومه له، عندما دعاهم إلى التوحيد، ونبذ عبادة الأصنام

 

 «وحَّدْتَ ربّكَ لمْ تُشرِك بهِ أحـداً / ولستَ تسـجدُ بالإغراءِ للصنم/عاديتَ أهلكَ في تحطيمِ بدعتهم / من ينصر اللهَ بالأصنام يصطدِم»ِ.

 

شارك شاعر القطرين (مطران خليل مطران) المسلمين في احتفالهم بذكرى المولد النبوي الشريف، استلهم في شعره دروس الهجرة والجهاد في سبيل تبليغ الدعوة :

 

عانى محمد ما عانى بهجرته

 

لمأرب فى سبيل الله محمود

 

وكم غزاة وكم حرب تجشمها

 

حتى يعود بتمكين وتأييد

 

كذا الحياة جهاد والجهاد على

 

قدر الحياة ومن فادى بها فودى

 

أدنى الكفاح كفاح المرء عن سفه

 

للاحتفاظ بعمر رهن تحديد

 

إذا كان هذا على  المستوى الشعري، فعلى المستوى النثري الرمزي اختار الشاعر اللبناني (جبران خليل جبران) اسما لبطل كتابه الأشهر (النبي) وهو "المصطفى"، حيث وضع دلالته الرمزية على الاسم، حيث استلهمه من السيرة النبوية  وبدأ كتابه :

وظل المصطفى المختار الحبيب، الذي كان فجرا لذاته، يترقب عودة سفينته في مدينة أورفليس اثنتي عشرة سنة؛ ليركبها عائدا إلى الجزيرة التي ولد فيها.

 

 

المعروف عن (جبران) أنه دائم استخدام الدلالات الرمزية في كتاباته، في الصور الشعرية التي استخدمها، كان يهتم  بتلك التفاصيل الصغيرة؛ لنخرج  بعدد هائل من الدلالات

 

 حاول به التقارب بين المفاهيم الإنسانية، التي تدور في إطار واحد، تهدف جميعها إلى تكريم الإنسان وإقامة العدل بين الناس.