نصر أكتوبر.. كيف نجحت عبقرية المهندس المصري في تدمير خط بارليف؟
سجل نصر أكتوبر العبقرية المصرية وقوة الجيش والعقيدة بأنه لا بديل عن النصر أو الشهادة لتنهي كفاءة وعبقرية البطل المصري وهم الجيش الإسرائيلي الذي اعتقد أنه الجيش الذي لا يقهر، والذي حاول بناء التحصينات الدفاعية والاحتماء بها معتقدا أن القوات المصرية لن تستطيع تجاوزها، ومن بينها خط بارليف.
وقد نجح الجيش المصري في تحطيم خط بارليف المنيع الذي تصور العدو الإسرائيلي أنه العائق وحائط الصد ضد أي محاولات لعبور القناة، لكن تمكنت القوات المصرية من العبور إلى الضفة الشرقية لقناة السويس في ملحمة عسكرية سجلها التاريخ، ويحتفل الشعب المصري بذكراها الـ49 اليوم.
وجاء تحطيم خط بارليف بفكرة بسيطة باستخدام مضخات المياه، وهي فكرة اقترحها مقدم مهندس- في ذلك الوقت- ساعدت على تحقيق النصر العظيم في أكتوبر 1973، وكان صاحب الفكرة هو اللواء باقي زكي يوسف، أحد أبطال حرب أكتوبر.
حيث خرج المهندس المصري بفكرة لم يعيها العالم لهدم هذا الحاجز الترابي بعد أن كان الجميع يتحدث عم أن هدمه يحتاج إلى قنبلة ذرية، فتم استخدام سلاحا جديدا وفعالا إلى درجة عالية وقامت خراطيم المياه بفتح 30 ممرا على طول الجبهة تدفق منها في الساعات الأولى للقنال 30 ألف مقاتل.
كيف حطم الجيش المصري خط بارليف؟
كانت إسرائيل قد أعدت العدة وجهزت مواقعها الحصينة على الضفة الشرقية للقناة بخزانات من الوقود ومواد الاشعال - مغطاة تحت سطح الأرض - يخرج منها مواسير إلى القناة، يتسرب منها البترول الذي يشعل كهربائياً من داخل الموقع، فتغطى النيران الشديدة سخط المياه لتحرق الأفراد وقوارب الاقتحام المصنوعة من المطاط والخشب أثناء العبور.
استهدف العدو الإسرائيلي من إقامة الساتر الترابي العملاق خط بارليف أن يكون نقاط حصينة لمنع عبور أية قوات مصرية لقناة السويس وتحرير سيناء، فقد بدأت في إنشائه في أعقاب نكسة 1967، وبلغت تكلفته حوالي 200 مليون دولار في ذلك الوقت، وكان هذا الخط يبدأ من قناة السويس وحتى عمق 12 كم داخل شبه جزيرة سيناء.
وكان خط بارليف يتكون من 3 خطوط أساسية، الخط الأول والرئيسى على امتداد الضفة الشرقية لقناة السويس وبعده على مسافة 3 - 5 كم، أما الخط الثانى فكان يتكون من تجهيزات هندسية ومرابض للدبابات والمدفعية ثم يأتي بعد ذلك وعلى مسافة من 10 - 12 كم، وكان الخط الثالث الموازى للخطين الأول والثانى به تجهيزات هندسية أخرى وتحتله احتياطيات من المدرعات ووحدات مدفعية ميكانيكية، وكل هذه الخطوط بطول 170 كم على طول قناة السويس.
وضم الساتر الترابي 22 موقعا دفاعيا و26 نقطة حصينة بنيت في جسم الساتر الترابي وتميزت عن غيرها من جهة مواد البناء الداخلة في تكوينها من خرسانة أسمنتية وحديد مسلح من ذلك النوع الذي يستخدم في صناعة قضبان السكك الحديدية للوقاية ضد كل أعمال القصف، كانت كل نقطة حصينة تضم 26 دشمة للرشاشات، 24 ملجأ للأفراد، بالإضافة إلى مجموعة من الدشم الخاصة بالأسلحة المضادة للدبابات ومرابض للدبابات والهاونات، 15 نطاقا من الأسلاك الشائكة وحقول الألغام.
وقد ذكر المشير محمد عبد الغني الجمسي، وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الأسبق، في مذكراته كيف نجح الجيش المصري في تحطيم خط بارليف، موضحا أن مجموعات من المهندسين ليلة 5/6 أكتوبر قام بالعوم تحت سطح المياه لتنفيذ مهمة إبطال تلك القذائف وقبائل النابلم كما قامت مجموعات من رجال المهندسين يوم 6 أكتوبر تحت ستر نيران المدفعية بالسباحة إلى الشاطئ الشرقي للقناة للتأكد من أن مواسير نقل السائل التي أغلقت في اليوم السابق ماتزال مغلقة.
فكرة تحطيم خط بارليف
واقترح مهندس باقى زكى يوسف والذي كان برتبة مقدم حينها أثناء الإعداد للحرب والذي كان مديرا للمركبات في الفرقة 19 فكرته بالتخلص من الساتر الترابي باستخدام مياه قناة السويس، وضخها عبر خراطيم بمواصفات معينة لتقوم المياه المندفعة بتجريف الرمال فتتساقط على الطريق الشاطئي، وبعدها التعامل معه بديناميت لفتح الثغرات.
وهي الفكرة التي نفذت بالفعل فبينما كانت المعارك مشتعلة على الضفة الشرقية للقناة وبعمق عدة كيلو مترات قليلة في سيناء، شاهدت القوات الاسرائيلية وتتبعت رجال المهندسين المصريين، وهم يقومون بأروع عمل هندسي يتم طبقا لخطة محكمة وتنفيذ دقيق، حيث عبر عدد كبير من رجال المهندسين ضمن الموجات الأولى للاقتحام في قوارب، يحملون معهم أسلحتهم ومعداتهم الفنية، وأهمها مضخات مياه تندفع منها المياه بقوة شديدة تشق الساتر الترابي الغالي لعمل فتحات (ممرات) فيه تسمح بتشغيل المعديات وإقامة الكباري.
وقال المشير الجمسي في مذكراته إنه كان رجال المهندسين يعملون تحت تهديد نيران العدو، بينما وجوههم وأجسامهم مغطاة بالطين، وللمضخات التي سميت (مدافع المياه) في أيديهم يشقون الساتر الترابي. لقد استخدموا 350 (ثلاثة وخمسين) مضخة مياه في مواجهة الجيشين للقيام بهذا العمل. وكلما سقط شهيد أو جريح منهم حل محله مقاتل آخر فورا واستمر العمل، حيث تمكن هؤلاء الرجال من فتح أكثر من ثلاثين ممرا خلال عدة ساعات منذ بدء القتال.
وكان ينهال من كل ممر (فتحة) (ألف وخمسمائة) متر مكعب من الرمال، واستمروا في عملهم حتى فتحوا باقي الممرات المطلوب، وعندما وصل عدد الممرات التي تم انجاز العمل فيها ستين ممرا، كان المهندسون قد قاموا بتحريف 90000 (تسعين ألف) متر مكعب من الرمال، كان هناك اصرار تاما من جانبنا على فتح الممرات التي يستتبعها تشغيل المعديات وإقامة الكباري حيث تتدفق عليها القوات.
ومع استمرار تحطيم الساتر الترابي بدأ رجال المهندسين في انشاء الكباري في المواقع المحددة لها على القناة، بينا واصل المهندسون إقامة الكباري والمعديات لعبور القوات حتى تم العبور وانتقال القوات إلى شرق القناة وتحقيق النصر العظيم.