الجارة الحلوة.. اقتبسُ هذا العنوان من كتاب صديقي الشاعر السعودي محمد الجلواح عن جارته، ومن منّا لم يلتفت إلى جارته أو يُغرم بها في أيام الصبا وعنفوان الشباب؛ فيكتب عنها الشعر والنثر والخاطرة، لكن أبا جلواح لم يتوقف عشقه عند تلك المرحلة الأولى من مراحل العمر، بل استمر في حبه حتى الآن، فمحبوبته هي الكويت الشقيقة التي كتب عن ذكرياته فيها وعلاقاته بها مؤلَفا يقع في قرابة الستمائة صفحة من القطع الكبير ويحمل عنوان "الكويت.. الجارة الحلوة"، ليدشن جانبا جديدا في من جوانب السيرة الذاتية للأديب في علاقته بالمكان والصحافة في دولة شقيقة، فهو شاعر ملهم وكاتب مغامر، جريء، يسعى بكتاباته إلى إضافة ألوان كتابية أخرى تخرج على الأجناس الأدبية التقليدية، كما كان يفعل كبار الأدباء في التراث العربي القديم.
العنوان رغم بساطته يحمل مدلولات عدة، وبه من جماليات التعبير وغزارة المعنى ما يحيل إلى بكارة الرؤية وإحساس الشباب النابع من سويداء القلب، فيضم الكتاب كل ما كتبه المؤلف عن البلد الشقيق ورحلاته إليها التي بدأها في سن مبكرة من حياته، واشتملت على لقاءات مع كثير من المثقفين والأدباء والشعراء الكويتيين، كما تضمن كل ما كُتب عنه في الصحافة هناك، وكذلك القصائد التي كتبها عن الكويت. فالكتاب يضيف إلى الثقافة العربية الراهنة حالة من التفاعل الشخصي لأحد الأدباء السعوديين تجاه دولة عربية، لاسيما أن هذه العلاقة بدأت منذ أوائل الستينيات الميلادية، حيث كانت رحلته الأولى للكويت في عمر ثمانية عشر عاما تقريبًا، فحمل الكتاب ذكرياته الأولى هناك، مثل لقائه مع الصحفيين بمجلة النهضة بدار الرأي العام، ووفاة الدكتور أحمد زكي رئيس تحرير مجلة العربي قبيل زيارته للكويت عام 1975 مباشرة، حيث كان يستعد لتلك الرحلة ويضع في برنامجه زيارة لرئيس تحرير مجلة "العربي"، لكنه لم يلحق به.
يعتبر هذا الكتاب عملًا توثيقيًا لحياة شاعر وأديب مرموق في علاقته بالإعلام، والأشقاء، والثقافة، بدولة عربية هي في الحقيقة (جَارة حُلوة) بحسب تعبير المؤلف، ليضيف بذلك نوعًا فريدًا من المؤلفات إلى المكتبة العربية، يدخل في إطار السيرة الذاتية والعلاقات الاجتماعية، حيث يرصد التفاعل بين الأديب والصحافة العربية بما يعدّ كتابة جديدة في جانبها الثقافي والإعلامي المرتبط بمكانٍ ما له خصوصيته الجغرافية والثقافية بالنسبة للمؤلف وبيئته على وجه الخصوص. وسبق للكاتب أن تناول لمحات من سيرته الذاتية في ثلاثة كتب نثرية، حملت بعض المواقف والمذكرات والرحلات، وهي "فضاءات 1"، وفضاءات 2"، و"زوارق"، وتميزت بالتنوع وسلاسة اللغة والأسلوب الجذاب. أما سيرته الذاتية الكاملة التي تمثل تجاربه في الحياة، فهو بصدد الإعداد لها وإصدارها قريبا تحت عنوان "بصمة" ويتجاوز فيها الكتب الثلاثة السابقة التي حملت لمحات من السيرة الذاتية، حيث يعيد تناول هذه اللمحات بشكل أعمق وبكثير من التفاصيل.
انتظر من أبي جلواح أن يكتب مؤلفا عن مصر يوثّق به علاقته بها ورحلاته إليها واقترح عليه عنوانا مبدئيا هو "القاهرة.. المدينة البهية" ليضاف إلى كتابيه "السعودية.. العُش الآمن"، و"الكويت.. الجارة الحلوة"، لاسيما أن رحلاته إلى مصر بدأت منذ عام 1973، وشارك مؤخرا في المهرجان الثقافي لمنظمة السلام الدولية الذي عقد في سبتمبر الماضي، وبين الرحلتين حوالي نصف قرن من المجيء والذهاب هنا وهناك، ويرى أن القاهرة تطورت كثيرا وازدحمت كثيرا، وانه مازال يتذكر مشاهدته لفيلم "الحب الذي كان" بطولة سعاد حسني ومحمود ياسين بإحدى دور السينما بوسط البلد.
والشاعر محمد الجلواح من منطقة الأحساء أكبر مناطق المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، وهي واحة طبيعية تكسو أرضها النباتات وأشجار النخيل، وكانت تنتشر بها عيون الماء العذبة، ويتميز أهلها بالطيبة والكرم والمروءة والارتباط بالأدب والثقافة ومجالس العلم، وقد ساعدت طبيعة المكان والبيئة القروية التي نشأ بها على تفجر موهبته الشعرية مبكرا، مما جعل الصحافة السعودية والعربية تحتفي بقصائده ومقالاته، فهو يكتب الشعر العمودي والتفعيلي وتفوح من قصائده رائحة الأحساء. وصدرت له العديد من المجموعات الشعرية مثل "ترانيم قروية"، و"بوح"، و"نزف"، و"قوارير"، و"نخيل"...، وغيرها.