رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


آني أرنو صاحبة نوبل في الآداب العام 2022: ليست وظيفة الكتابة أو نتاجها طمس جرح أو علاجه

9-10-2022 | 17:58


آني أرنو

محمد الحمامصي

حظيت اللروائية الفرنسية الحاصلة على جائزة نوبل لهذا العام 2022 بترجمة العديد من أعمالها إلى العربية، وكانت روايتها "المكان" التي ترجمتها د.أمينة رشيد ود.سيد البحراوي وصدرت عن دار شرقيات بالقاهرة في منتصف التسعينيات، من أوائل أعمالها التي تعرف من خلالها القارئ العربي عليها، تلا ذلك ترجمات لعدد من رواياتها، منها "الاحتلال"، و"شغف بسيط"، و"الحدث" و"امرأة وعشق بسيط"، ولم أخرج من ليلي"، و"أنظر إلى الأضواء يا حبيبي"، حيث كانت قد حققت حضورا كبيرا داخل فرنسا وخارجها بفضل حصلها على جائزة رينودو الأدبية عام 1984.

رواية "المكان" تستحضر فيها أرنو طفولتها في بيئة متواضعة وتتحدث عن أوضاع وصراعات الطبقات الاجتماعية في فرنسا وبشكل أكثر تحديدًا عن وضع عائلتها ممثلا في أسرتها خاصة أبيها، حتى أنها تبني روايتها حول وفاته، وقد صدرت الترجمة العربية للرواية بمقدمة لأرنو موجهة للقارئ العربي، تقول "هذا الكتاب ولد من وجع أتاني فترة المراهقة، عندما قادتني المتابعة المستمرة للدراسة، ومعاشرة زملاء من البرجوازية الصغيرة إلى الابتعاد عن أبي، العامل السابق، والمالك لمقهى/ بقالة. وجع بدون اسم، خليط من الشعور بالذنب والعجز والتمرد (لماذا لا يقرأ أبي، لماذا "يسلك بفضاظة"، كما يكتب الروائيون؟). وجع مخجل، لا يستطيع الإنسان أن يصرح به أو حتى أن يشرحه لأحد.

وتضيف في مقدمتها للقارئ العربي "كان موت أبي المفاجئ سنة نجاحي في مسابقة الأستاذية حدثا فاجعا. وراء الحزن غمرني يقين "بخيانة طبقية": كنت قد انتقلت دون شعور من عالك أصلي شعبي، عالم أبي، إلى عالم آخر، عالم البرجوازية المثقفة، التي تعتبر نفسها الوحيدة حاملة القيمة. كنا قد عشنا، أبي وأنا داخل ذات الأسرة، صراع الطبقات الاجتماعية السائد في المجتمع بأسره. بسرعة فرضت نفسها كواجب، ضرورة الكتابة عن حياة أبي وعن المسافة الثقافية بيننا. كنت قد تعلمت لغة القبيلة المهيمنة، وأن أستعملها للحديث عن العالم المسود الذي أيت منه والذي كان أبي ينتمي إليه، كان ترسيخا للخيانة".

وتعترف أرنو "غير أنني لم أتوقع هذه الدرجة من صعوبة المشروع. أغرقتني في اليأس محاولات متعددة، من بينها رواية من مائة صفحة لم تكتمل. كنت أفشل في الوصول إلى ما كنت أشعر به على أنه حقيقة وضع أبي، أسقط بين نمطين بديلين للكتابة عن عالم العمال والفلاحين، الشعبوية والبؤسوية. يقوم الأول على وصف الثقافة الشعبية دون إشارة إلى الاستلاب الاقتصادي، ولا يرى الثاني في هذه الثقافة سوى التعاسة وتدهور الثقافة الحقيقية. وعيت ذلك ببطء: كان عليّ أن أرفض أية إعادة بناء خيالية لحياة أبي، وأن أستخدم اللغة بطريقة نقدية، للتحايل على الأيديولوجيا التي تحملها في عبارات مثل "البسطاء"، "بيئة متواضعة" وأن أحصر نفسي في نقل الوقائع".

وتلفت "كانت الكتابة المحايدة بلا حنين، بلا تواطؤ مع قارئ مثقف، كتابة تحمل مسافة متفقة مع موقعي كراوية، بين عالمين، هي الوحيدة التي تمتلك فرصة إعطاء صورة سليمة لحياة رجل عادي. وانطلاقا من هذا الاكتشاف المنتمي للتحليل الاجتماعي والجماليات معا، أمكنني استكمال مشروعي. وبعد أن أنتهيت من "المكان"، شعرت بخليط من القلق والرضى. قلق، كما في اختراق المحظور؛ أن يعطي الكاتب موقعه الاجتماعي ويذكر ثقافة يعتبرها الرأي العام دنيا، ورضى لتحقيق مهمة أخلاقية وسياسية؛ محاولة استبدال العزة بالمهانة الضمنية. بعد ذلك بررت لي ردود الفعل الكثيرة، المؤثرة، للقراء (غالبا: "كأنني أقرأ نفس قصتي") نشر هذا الكتاب، الذي كان يسمح للآخرين بأن يعيدوا اكتشاف أشياء مدفونة، موجعة، معاشة في الخجل والوحدة، وفي النهاية، أن يفهموها. 

وتختم "إذا كان ثمة تحرر عبر الكتابة، فهو ليس في الكتابة ذاتها، بل في هذه المشاركة مع أناس مجهولين في تجربة مشتركة. ولمن يعيش ممزقا بين ثقافتين، ليست وظيفة الكتابة أو نتاجها طمس جرح أو علاجه، وإنما إعطاؤه معنى وقيمة وجعله في النهاية لا ينسى".

وفي تقديمه لترجمة رواية أرنو "الاحتلال" الصادرة عن دار الجمل يشير الشاعر والمترجم اللبناني اسكندر حبش إلى أن أرنو واحدة من أكثر الروائيات الفرنسيات حضورا وأكثرهن شهرة على الساحة الأدبية الفرنسية المعاصرة، فكل كتاب من كتبها لابد وأن يسيل الكثير من الحبر والمتابعات الصحافية والنقد. ربما يعود ذلك إلى موضوعاتها التي تتقاطع مع سيرتها الذاتية. هذه السيرة التي بدأت العام 1940 في مدينة "ليلبون" (السين ـ ماريتيم)، حيث نشأت في كنف عائلة متواضعة، في "إيفتو" (منطقة النورماندي). بعد أن تابعت دراستها في الآداب المعاصرة، درست اللغة الفرنسية، وتزوجت في العام 1964 من رجل ينتمي إلى البورجوازية الصغيرة. صدرت روايتها الأولى "الخزائن الفارغة" العام 1974 واستمرت في التدريس حتى العام 1977، وحين انفصلت عن زوجها العام 1980 كانت قد أنجبت طفلين. وفي العام 1984 نشرت روايتها "المكان" كتاب سردي صغير استدعت فيها صعودها الاجتماعي  الذي جعلها تبتعد عن أهلها وتفترق عنهم. 

ويضيف أنه بدءا من هذا الكتاب بدأت أرنو "المينيمالية" تتركز على سبر أغوار الحميمي، أكان ذلك عبر شكل الرواية "الأوتوبيوغرافية" (السيرة الذاتية) أو اليوميات، إذ تخلت عن كتابة القصة المتخيلة التقليدية، لتركز على الرواية المستمدة أحداثها من سيرتها، حيث تتقاطع فيها التجربة التاريخية مع التجربة الفردية. ومن هنا أصبحنا نجد أن كل رواية من روايتها تدور حول تيمة موضوعة معينة. ففي كتاب "امرأة" (ترجمته إلى العربية الشاعرة هدى حسين، مثلما ترجمت لإرنو العديد من الكتب الأخرى) تتحدث الكاتبة عن أمها، وعن الانتظار العاشق في كتاب "شغف بسيط"، وعن الإجهاض في كتاب "الحدث".. عبر لغة خالية من أي تزيين أسلوبي. وفي روايتها "الاحتلال" نجد موضوعة الغيرة، التي تنسج حولها قصة جميلة. ذات يوم تعلم الراوية بأن عشيقها السابق ـ الذي غادرته هي، رافضة أن تستمر في العيش معه، بعد أن طردته من حياتها، لأنها ترفض بشكل مطلق الحياة التقليدية بين زوجين وبخاصة أن زواجها دام 18 سنة كان أشبه بالسجن، وهي تتمتع اليوم بحريتها القصوى ـ قد اتخذ لنفسه صديقة جديدة. من هذا الخبر تتولد عندها غيرة قاتلة، تجتاح كل شيئ، لدرجة أن الرواية لم تعد تحتمل هذا الألم الفظيع، الذي يلفها ولا يدعها تفكر بأي شيئ آخر، لغاية إعلانها بأنها أصبحت محتلة من قبل منافستها وغريمتها التي تؤرقها طيلة لحظات نهارها وليلها. ومن هذا الأرق تكتب أرنو "موتيفات" الهوس والفقدان وعذاب العشق.