رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


بهيجة حافظ .. عائلتها أقامت سرادق عزائها وهي على قيد الحياة!

5-8-2017 | 00:03


كتب : خليل زيدان


في الماضي، لم يكن التمثيل عملاً يفتخر به، بل كانت بعض العائلات تتبرأ من أي فرد يعمل ممثلاً، وهذا ما حدث بالفعل مع رائدة من رائدات السينما الأوائل وهي السيدة بهيجة حافظ التي حالفها سوء الحظ رغم كفاحها وبراعتها في التمثيل والتأليف الموسيقي، في ذكرى ميلادها، نلقي الضوء على مشوارها وبعض من جوانب حياتها.

بنت الأكابر

ولدت بهيجة حافظ في الرابع من أغسطس عام 1908 بحي محرم بك بالإسكندرية في أسرة أرستقراطية تقدر الفنون وتمارسه، لكن في نطاق المنزل فقط، فوالدها إسماعيل محمد حافظ باشا ناظر المدرسة السلطانية في عهد السلطان حسن كامل وهو يهوى الموسيقى ويؤلف المقطوعات ويكتب الأغاني، وبيته مليء بالآلات الموسيقية التي كانت ماهرة في العزف أيضًا على العديد منها، وبالتالي ورثت بهيجة حب الموسيقى وتعلمت أصولها على يد المايسترو الإيطالي جيوفاني بالإسكندرية، وفي بداية شبابها أوفدها والدها إلى فرنسا للحصول على دبلوم التأليف الموسيقي، وأثناء رحتلها ألفت العديد من المقطوعات الموسيقية، أذيعت عبر محطات فرنسا آنذاك.

القاهرة والسينما

عادت بهيجة من فرنسا لتجد من يحبط عزيمتها، وهو زوجها الذي أجبرتها عائلتها على الارتباط به، وانتهت العلاقة بالانفصال، وقررت الرحيل إلى القاهرة بعد وفاة الأب.

وكان عليها أن تعول نفسها فعملت في تدريس البيانو لبنات الطبقة الأرستقراطية وتدوين النوت الموسيقية للفرق في القاهرة، وبدأت في التأليف الموسيقي لشركة كولومبيا وشركة أوديون وذاع صيتها حتى نشرت أخبارها مجلة المستقبل ووضعت صورتها كنجمة للغلاف.

في ذلك الوقت، كان المخرج محمد كريم يبحث عن وجه سينمائي لبطولة فيلم "زينب" أمام سراج منير، وانتبه كريم لصورتها على غلاف المجلة وأرسل في طلبها للاتفاق معها على خوض التجربة في السينما، وقد أسرعت بهيجة بالموافقة، لكن العقبة التي واجهتها تمثلت في رفض عائلتها التام لأن تعمل بهيجة بالتمثيل، وقد أصرت بهيجة وفي المقابل تبرأت منها عائلتها وأعلنت وفاتها وهي حية، بل وأقامت أيضًا سرادقًا لتلقي العزاء في وفاتها.

عرض فيلم “زينب” في 9 أبريل 1930 بسينما “متروبول” في القاهرة وأعيد عرضه بالإسكندرية مسقط رأسها يوم 14 يوليو من نفس العام بسينما جوزي بالاس، وبعد نجاحه، التقطها يوسف وهبي لتقوم ببطولة فيلم "أولاد الذوات"، واتفقا بالفعل وسافرا لتمثيل بعض المشاهد في فرنسا، لكن نشب خلاف بين يوسف وبهيجة وبالتالي أبعدها عن العمل في الفيلم واستدعى أمينة رزق التي قامت بالبطولة مجانًا لأنها كانت متعاقدة مع فرقة رمسيس ليوسف وهبي.

رائدة الإنتاج

أسست بهيجة حافظ شركة للإنتاج السينمائي لأنها وجدت لديها كل مقومات العمل، منها التمثيل والتأليف وأيضًا الملابس والديكور، فأنتجت فيلم "الضحايا" عام 1932 وهو يحذر من مخاطر الاتجار في المخدرات، ثم أعقبته بفيلم آخر وهو فيلم "الاتهام" عام 1934، وكان الفيلم صامتًا فأعادته في العام التالي ناطقًا، وقد وضعت له بنفسها الموسيقى التصويرية.

بنت الصحراء

بعد عامين، أقبلت بهيجة حافظ على إنتاج فيلم "ليلى بنت الصحراء" وبلغت تكاليف إنتاجه 18 ألف جنيه، وقد وضعت بهيجة موسيقاه وصممت الأزياء، وعرض الفيلم في مهرجان برلين ونال جائزة ذهبية، وبعدها رشح الفيلم لمهرجان البندقية، لكن أثناء تواجدها في إيطاليا فوجئت بهيجة بأمر من الملك فاروق يمنع عرض الفيلم، وكان قرار المنع مجاملة منه لإيران بسبب زواج شقيقته الأميرة فوزية من الشاه محمد رضا بهلوي، حيث رأت إيران أن الفيلم يسيء لشخصية كسرى، ومنع عرض الفيلم وتكبدت بهيجة خسائر كبيرة، وبعد ست سنوات تمكنت من رفع الحظر عن الفيلم، لكن الرقابة اشترطت أن يعاد مع حذف بعض المشاهد وتغيير إسمه لـ "ليلى البدوية".

بعد إحباطها في الإنتاج السابق، أعادت بهيجة الإنتاج في عام 1947 بفيلم زهرة السوق ولم يحالفه الحظ بالنجاح وكبدها خسائر فادحة وبالتالي قررت عدم تجربة الإنتاج ويكون الظهور قبل الأخير لها في السينما حيث ظهرت لآخر مرة في فيلم القاهرة 30، وتركت بهيجة مجال السينما والتمثيل لتفتتح صالونًا ثقافيًا بمساعدة السيدة هدى شعراوي.

الرحيل بدون عزاء

قضت بهيجة ما تبقى من عمرها في حضور الندوات الثقافية والأدبية، إلى أن حاصرها المشيب والمرض، وظلت سنوات طويلة لا تجد من يسأل عنها من أهل الفن أو الثقافة بعد تلك الرحلة الطويلة من العطاء، ورحلت بهيجة حافظ في صمت، ولم يدر حتى جيرانها برحيلها ولم يشيعها إلى مثواها الأخير غير خمسة رجال ولم يقم لها عزاء ولا سرادق ولم ينشر غير خبر واحد عن رحيلها بصورة خمسة رجال يحملونها لمثواها الخير في 13 ديسمبر 1983.