مع اقترب العد التنازلي لمهرجان القاهرة السينمائي.. أمير رمسيس في حوار خاص مع «دار الهلال»
اقترب العد التنازلي لبداية الدورة الجديدة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والذي يعد من أهم المهرجانات السينمائية في مصر بل والعالم العربي بأكمله، فهو الأقدم والوحيد الذي يملك الشرعية الدولية التي رفعته إلى فئة «أ»، وهو التصنيف الذي يمنحه الاتحاد الدولي للمهرجانات لـ11 مهرجانًا فقط على مستوى العالم.
وكان الحديث مع مدير المهرجان هذا العام الفنان المخرج أمير رمسيس، صريحًا للغاية، ليس فقط حول تفاصيل الدورة الجديدة، ولكن أيضًا عن وجهة نظره الخاصة في مهرجان القاهرة الذي يرأسه بعد عدة سنوات من مشاركته في مهرجان الجونة السينمائي، والذي توقف عن العمل بداية من هذا العام.
- ما هو مهرجان القاهرة السينمائي؟ وما الذي يميزه عن المهرجانات الأخرى؟
كل المهرجانات السينمائية منذ أن اخترعت من مهرجان فينيسيا الأول، لها شكل ثابت يكاد لا يتغير وإطار واحد لا يخرج عن كونه افتتاح وريد كاربت وتكريم، وما يميز مهرجان عن الآخر هو المحتوى الذي يقدمه والشخصيات التي يختارها للتكريم، ومدى تأثيرها في العالم السينمائي، وجزء أساسي من هوية مهرجان القاهرة نوعية الأفلام التي يختارها وتنوع هذه الأفلام، فبعض المهرجانات في المنطقة العربية تعني باختيار الأفلام الحاصلة على جوائز في المهرجانات الأخرى، فتصبح مهرجانًا كبيرًا للمهرجانات.
وهناك مهرجانات أخرى مثل القاهرة، يوجد بها نفس الفكرة السابقة ولكننا بالفعل دعونا هذه الأفلام قبل حصولها على الجوائز، وهو أمر نفتخر به لأننا كنا سباقين بالحكم على تميز الأفلام وارتفاع مستواها الفني.
جزء هام آخر من هوية مهرجان القاهرة و دوره الذي يلعبه في المنطقة، هو أن يصبح مكتشفًا للأفلام ولا يكتفي باختيار الأفلام المهمة عالميًا، فهو يصنع أهمية أي فيلم من اختياره للمشاركة، وليس لأنه في الأصل مهم بحصوله على جائزة.
ومن الأسباب التي تميز مهرجان القاهرة أيضًا أنه يتبع الاتحاد الدولي للمنتجين، وتصنيفه من الفئة «أ»، وهي أعلى فئات المهرجانات في العالم، كما أنه يعني في المقام الأول بالعرض العالمي الأول للفيلم، والذي يساهم بالتأكيد في مسيرة هذا الفيلم عالميًا فيما بعد، وكذلك قدرة المهرجان على اجتذاب فعاليات جديدة كل عام، على سبيل المثال مهرجان «كان»، من أقدم مهرجانات العالم ولكنه ما زال يفكر في فعاليات جديدة، فهذا العالم ضم إلى فعالياته مشاهدة الأفلام عبر الـ«تيك توك» ومشاركة الجمهور من خلال الـ«في آر»، أو ما نسميه سينما الواقع الافتراضي، ومهرجان فينسيا اهتم هو أيضًا بالتقنيات الحديثة، أما مهرجان القاهرة اهتم هذا العام بفكرة الورشة التي اخترنا لها المخرج المجري الكبير بيلا تار، وهو من أهم صناع السينما في العالم وأيضًا شغوف بقوة بفكرة تعليم السينما، واستطعت أن اقتنص شغفه هذا لتوظيفه في ورشة تضم من 10 إلى 12 شاب يتعلمون على يديه فنون السينما.
- ولكن فكرة الورش موجودة منذ فترة في مهرجانات أخرى؟
تختلف الورشة حسب قيمة من يقدمها، ومنذ سنوات كان بعض الضيوف المهمين يقدمون ماستر كلاس لصناع السينما، وأنا بصراحة استخسرت وجود مخرج بحجم بيلا تار وتحجيمه داخل الماستر كلاس، ولأول مرة تكون الورشة عملية وليست نظرية، فالكثير من الورش السابقة كانت معنية بالسيناريو فقط، وتتعامل معه بشكل نظري صرف، ولكن هذا العام إلى جانب المخرج العالمي المكرم، سيكون معنا مدير تصوير كبير من أمريكا سيقوم بعمل ورشة مع مديرين التصوير هنا بشكل عملي، كل ما سبق محاولات صغيرة لتجديد دماء المهرجان وحمايته من التحول إلى ديناصور قديم عفا عليه الزمن، وكان لا بد لمهرجان القاهرة أن يواكب التطور حتى لا يكون مصيره مصير عدد من مهرجانات الفئة أ التي توقفت لفشلها في تحديث هويتها.
هل ما زال اتحاد المنتجين على نفس القوة التي بدأ بها؟
اتحاد المنتجين الدولي ما زال موجودًا ولكن بالتأكيد توازنات خريطة التوزيع العالمية تغيرت بعد ظهور البلاتينيوم فورم، نيتفليكس، أمازون، وكلها مستجدات أوجدت شكل جديد للسينما العالمية، ولكن ما زالت أهمية التسمية أو الفئة التي يمنحها الاتحاد للمهرجانات موجودة، فأي منتج نطلب فيلمه كعرض عالمي أول يعلم أنه بوجوده في القاهرة يدخل تحت قائمة مهمة، ولنكن صرحاء وواقعيين مع أنفسنا، فنحن لا نمثل إلا سوقًا للفيلم الأمريكي، وكنت أتمنى أن تتغير، ولكن مع الأسف هي صعبة التغيير، فأي منتج يراهن الآن على سوق جديدة سيكسبها أو «برستيج»، يقول أنه ضمن اختيارات مهرجان مهم أو كلا الهدفين مثل مهرجان كان أو برلين، فمن خلالهما يتواجد الفيلم في مهرجان فئة أ، وكذلك يضمن توزيعه وبيعه في أكثر من 20 مكان، وهكذا يحقق هدف انتشاره، ولكن المنطقة العربية بأكملها تخلو من هذا الجانب الهام في تسويق الفيلم غير الأمريكي، صحيح أن هناك بعض زوايا التوزيع بدأت تظهر مثل زاوية في مصر، ومنافذ أخرى في تونس ولبنان ولكنها محدودة جدًا، والقاهرة تمنحه إحدى الهدفين وهو البرستيج الذي ما زال مهمًا.
-أين دور العرض؟
ظاهرة اختفاء أفلام المهرجان من دور العرض، تعود إلى عام 2011، وكانت في ذلك الوقت ظاهرة أمنية بحتة، ولكن دعونا نعترف بأن هناك فارقًا زمنيًا بالنسبة لحقوق عرض الأفلام، والتي تطورت كثيرًا، فقديمًا كانت نسخ الأفلام الـ35 مللي يتم عرضها أكبر عدد ممكن من المرات، مما يتسبب في انتهاكها تمامًا، بحيث تعود إلى منتجها نسخة مهلهلة لا تصلح للعرض، مما كان يدفع الموزعين أحيانًا إلى مقاطعة المهرجان، أما الآن تحولت كل الأفلام إلى نسخ الديجيتال، والموزع يسمح بعرضها أكثر من 3 مرات فقط، وهو قادر على التحكم في عرضها، ويكون لديه مفتاح للعرض في توقيت معين، لهذا لم يعد للمهرجان قدرة على زيادة مرات العرض إلا عن طريق نوع من التفاوض المختلف مع الموزعين، فثمن عرض ثلاثة عروض لن يكون كبيرًا، ولكنه بالتأكيد سيختلف ويزيد إذا طالبنا بعرضه أكثر، وهذا يتطلب ميزانية أكبر يتحملها المهرجان.
- التكنولوجيا أفادت أم أضرت بالمهرجان؟
بالتأكيد أفادت، فعلى سبيل المثال تكلفة شحن نسخ الأفلام قديمًا كانت كبيرة جدًا، وأذكر أن المخرج الراحل يوسف شاهين، شحن مرة أحد أفلامه، وكان وزنه 22 كيلو، وهو وزن ضخم وصعب جدًا نقله، أما الآن فالتكنولوجيا سمحت بتقليص هذه الميزانية بعد التحول إلى نسخ الديجيتال.
تقنيات العرض نفسها تغيرت كثيرًا، صحيح أن الأفلام قديمًا كانت تعرض في دور العرض، ولكن كم دار منها كانت مقاييس العرض فيها جيدة؟، أما اليوم فقد وفرت التكنولوجيا الحديثة دور عرض ديجيتال على أعلى مستوى، بل وسمحت لدور العرض داخل الأوبرا بمستوى جيد جدًا لم يكن موجودًا من قبل.
- ما بين الجونة والقاهرة.. تمويل الجونة كان صخمًا بعكس القاهرة.. فهل نقول أن المهرجان تمويل في المقام الأول؟
أي مهرجان يحتاج تمويل لكي يصبح مهرجانًا جيدًا، ولكن ليست هذه هي المعادلة الوحيدة، فقياسًا على أرض الواقع هناك معادلات أخرى منها مستوى الأفلام المعروضة داخل المهرجان، وقد احتاجت هذه المعادلة إلى مجهود مختلف في التواصل مع موزعين الأفلام، واستدعتني للسفر إلى لبنان لاستعادة بعض الموزعين الذين قطعوا علاقاتهم بمهرجان القاهرة منذ سنوات، وحتى قبل إلغاء مهرجان الجونة وبميزانية القاهرة، استطعت الحصول على الأفلام التي أريدها، صحيح أن الميزانية مهمة، ولكنها تمثل حملًا من جانب آخر على المهرجان، ففكرة اعتماد المهرجان بالكامل على القطاع الخاص لها مزاياها، ولكن فيها حمل ثقيل فيما ينتظره القطاع الخاص من المهرجان، فهو ينتظر شكل خدمات معينة أحيانًا تكون إيجابية وأحيانا لا، ولا شك أن تواجد وزارة الثقافة في دعم المهرجان لا زال حائط حماية في اختياراته، وكذلك الشكل النهائي الذي يصل إليه، فمثلًا عندما أعلن الفنان حسين فهمي رئيس المهرجان أن حفل الافتتاح سيكون سينمائيًا بحتًا إلى جانب بعض أشكال «الإنترتينمت» الخفيفة التي لن تؤثر على تواجد السينما بشكل أساسي، وبالتأكيد لو أن المهرجان كان يعتمد على الرعاة لما استطاع أن يحقق هذه المعادلة لأنهم يبحثون عن الجزء الخفيف المخصص للتسلية، ولكننا في النهاية مهرجان سينما يحتفي بالصناعة، وهناك وزارة تحمينا وتطالبنا بأن نقدم مهرجانًا للسينما قبل أي شيء آخر، وهناك رعاة يتفهمون هذه الآلية في العمل، وأنهم يتقدمون لدعم فعالية سينمائية، لهذا كله أعتقد أن التمويل الضخم رغم مميزاته إلا أنها قد تكون معوقة.
- المخرج الناجح هل يصبح مديرًا ناجحًا؟
لن تصبح مخرجًا جيدًا إلا إذا كنت مديرًا جيدًا، فنحن لا نملك رفاهية أن نكون مبدعين فقط بينما يوجد من يقومون بالعمل الإداري على الوجه الأكمل، فأكبر المخرجين المصريين حتى يوسف شاهين الذي كان يقدم كل ما يريده كان في نفس الوقت مؤسسة إنتاجية قوية، يعرف كيف يدير عملية صناعة فيلم، في مصر نتعلم كيفية الصناعة إلى جانب الإخراج فهما وجهان لعملة واحدة، وأعتقد أن هذا الحال في كل الدول الأقل حظًا اقتصاديًا فنحن لسنا في السويد التي توجد فيها مؤسسة سينمائية تدعم التجارب المجنونة للمبدعين، وتسمح لهم أن يحلموا ويحققوا أحلامهم، أما إذا كان السؤال هو هل إدارة المهرجان تأخذ مني كمخرج، فبالتأكيد نعم، تأخذ مني وقت طويل وتقلل من عملي كمخرج ولا أستطيع أن أقدم أفلامًا بنفس الكثافة قبل تورطي في إدارة المهرجانات، والذي كان فكرة الفنانة بشرى، ووجب أن أقول أنها تجربة تستحق وأفادتني كمخرج يدير أفلامه.
- ما وجه هذه الاستفادة؟
أول شئ تعلمته كان غريبًا جدًا بالنسبة لي، ولا أعلم آلياته فقد كنت من قبل أخرج فيلمًا قد يكون جيدًا ويسافر إلى مهرجانات عالمية وألتقي هناك بالصدفة بموزع يشاهد الفيلم ويطلب مني أن يقوم بتوزيعه في دول أخرى من خلال دور العرض، وهذا العالم كان يتم بالصدفة قبل عملي بإدارة المهرجانات التي عرفتني كيفية اختيار موزع لفيلمي وعمل حملة دعاية له أثناء المهرجان، وأيضًا تعلمت كيفية اكتساب أسواق جديدة.
- فيلم كبير بدعم إنتاجي من مهرجان القاهرة أم أنه غير معني بهذا؟
هذا ليس دور المهرجان أن يتحول إلى منتج سينمائي، ولكننا نساهم بشكل غير مباشر من خلال ملتقى القاهرة، وهو منصة لدعم مشروعات سينمائية عربية، وليست مصرية فقط، وخلال السنوات الماضية من مهرجاني القاهرة والجونة دعموا بالفعل عدد من المشاريع المهمة، وهذا هو الدور الأقصى الذي يمكن أن يقوم به المهرجان، وأعتقد أن ما يقوم به مهرجان القاهرة من دعوة موزعين ومنتجين من جميع أنحاء العالم، وكذلك دعم مادي من بعض الجهات العالمية ليقضوا أربعة أيام في حوار مع شباب السينمائيين العرب لبحث مشروعاتهم السينمائية، هو خطوة هامة جدًا في هذا الاتجاه وتتم بشكل جيد.
مهرجان كان يقام فى شهر مايو وفي الشهر التالي مباشرة تعاد عروض أفلامه في باريس عن طريق إحدى المؤسسات المتخصصة، والتي تتكفل بمصروفات إعادة العرض، وممكن أن تنتقل الأفلام لأكثر من مدينة، فهل لدينا فى مصر مؤسسة شبيهة تستطيع نقل الأفلام إلى مختلف المحافظات؟.. مع الأسف هذه الثقافة غير متوفرة.