12 بنداً.. لبناء الدول
يقينًا.. جاء حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى بالأمس مهمًا للغاية فى توضيح الصورة الكاملة للحالة المصرية على مدار 50 عامًا.. وأسباب الأزمات والمعاناة والتراجع الذى شهدته الدولة خلال هذه الفترة، ولعل ما قاله الرئيس فى 12 بندًا مهمًا تعد توصيفًا وتشخيصًا دقيقًا تفسر بوضوح الأسباب التى أدت إلى ذلك.. خاصة فى البند الأول: إن الأزمة العميقة التى عانت منها الدولة المصرية خلال الخمسين عامًا الماضية تطلبت إجراءات حادة وقاسية وحلولاً جذرية ومستمرة لعلاج كافة الاختلالات.. لذلك أيضًا فإن سر ما حققته الدولة المصرية من نجاحات وإنجازات على مسيرة البناء والتنمية والتقدم ليس فقط امتلاك شجاعة القرار، ولكن الاطمئنان أيضًا على وعى الشعب بأهمية وحتمية اتخاذ هذه الإجراءات والرؤى الإصلاحية، فالرئيس استثمر ووظف شعبيته ورصيده غير المحدود لدى الناس فى تحقيق مصلحة الوطن والمواطن.. ولم يلتفت لنصائح عدم المقامرة بشعبيته، وحقق بذلك نجاحات وتغييرات إلى الأفضل فى جميع المجالات والقطاعات.. فقد وضع الرئيس السيسى يده على أهم أسباب تراجع وأزمات ومشاكل ومعاناة الدولة المصرية وشعبها خلال العقود الخمس الماضية فى غياب البيئة السياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والدينية عن مساندة رؤى الإصلاح والقرارات والإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية لمشاكلنا وأزماتنا، وباتت آنذاك تكلفة القرار أكثر بكثير من عوائده.. لذلك غلت يد صانع القرار.. وهو ما خلف «استقرار هش» على حسب وصف الرئيس العبقري، اعتمادًا على التخدير والمسكنات التى نفد مفعولها فأحدثت فوضى عارمة وخطرًا داهمًا على وجود الوطن، إن اتساق وتناغم معادلة اتخاذ القرار، سواء صانع القرار.. أو البيئة السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية والإعلامية والدينية.. أو الشعب المعنى بهذه الإجراءات.. لذلك من المهم أن نخلق وعيًا ورأيًا عامًا واحتشادًا واصطفافًا.. لاتخاذ وتفعيل الإجراءات والحلول الجذرية يؤدى فى النهاية إلى استقرار حقيقى ورضا شعبى بعد أن تتحقق الآمال والتطلعات بشكل مستدام.
الأزمة العميقة التى عانت منها الدولة المصرية.. تطلبت إجراءات حاسمة، وحلولاً جذرية ومستمرة لعلاج كافة الاختلالات.. المحور الأول فى «روشتة» الوصول إلى تقدم الأوطان
لم يكن غريبًا أو جديدًا على الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يتحدث بصدق ووضوح ومكاشفة ومصارحة وتشخيص دقيق للحالة المصرية على مدار أكثر من خمسة عقود سعيًا للفهم الصحيح والشامل والوعى بجذور التحديات التى واجهت مصر على مدار مسيرتها خلال هذه السنوات وما هى العقبات والصعوبات التى واجهت الدولة المصرية والتى لم تقتصر على محدودية الامكانيات والموارد ولكن فى القدرة على تنفيذ إرادة ورؤى الإصلاح والتغيير الحقيقى للأفضل، والتى لا تحتاج فقط لشجاعة وإرادة سياسية.. وانما لوجود بيئة واعية مدركة لأهمية الاصلاح والتنفيذ، تساندها منظومة مجتمعية وسياسية وإعلامية ودينية تشكل رأيًا عامًا فى حالة اصطفاف وراء تنفيذ هذه الرؤي.
ما قاله الرئيس السيسى بالأمس خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاقتصادى يقينًا هو تشخيص دقيق وناجع وكاشف للحالة المصرية على مدار العقود الماضية، وما واجهته من صعوبات تتعلق فى الاساس بغياب البيئة المواتية والملائمة للاصلاح فى ظل غياب الاحتشاد الفكرى والسياسى والمجتمعى والإعلامى والدينى ، وعدم إدراك الرأى العام أهمية هذا الإصلاح وعدم القدرة على الصبر والتضحية والتحمل فى ظل تحديات واجهت الإنسان المصري.
حديث الرئيس السيسى بالأمس يشكل توثيقا دقيقًا وتشخيصًا محددًا للحالة المصرية على مدار ٥ عقود تكشف فى الأساس أسباب معاناة المواطن المصري، وغياب مشروع الاصلاح والبناء الحقيقي، على مدار العقود الماضية، وقيمة النجاحات التى تحققت على مدار ٨ سنوات اتسمت بالمواجهة والمصارحة والمكاشفة، والتفاف الشعب حول رؤى الاصلاح الحقيقية فى تغيير حياة المصريين للأفضل وكذلك بناء الدولة وانهاء الكثير من ملفات الأزمات وهناك تحديات أخرى تحتاج أيضا إلى مواصلة طريق الاصلاح والتغيير للأفضل وهو ما يتطلب البيئة المناسبة سياسيًا وفكريًا وثقافيًا وإعلاميًا ودينيًا، بمعنى أن هناك رأيًا عامًا يحتشد خلف رؤى الاصلاح وتنفيذها بما يتطلب الفهم والوعى والصبر والعمل والاصطفاف التوصيف والتأصيل والتوثيق الذى تحدث به الرئيس السيسى عن الحالة المصرية على مدار ٥ عقود يحتاج إلى أن يكون أمام المفكرين والكتاب والإعلاميين والمثقفين ليشكل فى النهاية وعيًا حقيقيًا وفهمًا صحيحًا سواء لما آلت إليه الاوضاع الاقتصادية فى مصر على مدار خمسة عقود وأيضا لما تحقق خلال الـ٨ سنوات الأخيرة من مواجهة حقيقية لمشاكلنا وأزماتنا وتحدياتنا.. أكد الرئيس السيسى فى ختام حديثه أن الفضل الحقيقى للمولى عزوجل والتفاف وإرادة المصريين وقدرتهم على تغيير واقعهم وما استتبع ذلك من صبر وعمل وتضحيات وفهم لمتطلبات بناء الوطن.
الرئيس السيسى شرح فى كلمته التى تضمنت ٢١ بندًا أراها تشخيصًا دقيقًا للحالة المصرية لكن من يريد أن يعى ويفهم بشكل شامل ومتكامل كيف كانت الدولة المصرية وماذا اصبحت.. وما هو المطلوب لمواصلة الطريق إلى البناء والتنمية وانهاء عقود الأزمات والمعاناة التى واجهت المواطن المصري.
دعونى اتناول البند الأول الذى جاء فى حديث الرئيس السيسى من توصيف الحالة المصرية على مدار العقود الخمسة الماضية والذى توضح أسباب معاناة الدولة والشعب والتى استندت إلى مبررات واقعية ارتبطت بصناع القرار والشعب والرأى العام أيضا فلم تكن هذه المعادلة الثلاثية متوافقة أو متكاملة تشكل قوة دفع جماعية فى اصلاح وبناء الدولة وتلبية متطلبات الشعب.
الحقيقة الراسخة أن الرئيس السيسى حتى قبل توليه مهمة رئاسة مصر رسميًا وتحديدًا قبل الترشح وصف وشخص الحالة المصرية بكل صدق وموضوعية ولم يجمل أو يطلق العنان للوعود ودغدغة المشاعر كان صريحًا لدرجة لم يتوقعها أحد، واشار إلى أن هناك تحديات جسامًا وأن تغيير الواقع ليس فى استطاعة الرئيس أو الحكومة وحدهما ولكن الشعب هو من يستطيع ورغم تعرضه للصعاب والتحديات الكثيرة التى تواجه الدولة المصرية آنذاك.. لكنه أكد أنه فى نهاية النفق ضوء كبير وأننا نستطيع معا أن نحول هذه التحديات إلى انجازات بشرط أن نعى ونعمل ونصبر ونضحى تلك هى مقومات بناء الأوطان.
الرئيس السيسى اعتاد مع المصريين على الوضوح والمصارحة والصدق والمكاشفة.. لم يبع يومًا الوهم لشعبه، ولم يعمد إلى دغدغة المشاعر.. ولكنه راهن على وعى وإرادة والتفاف واصطفاف المصريين وإدراكهم لأهمية الاصلاح وتحمل تبعاته.
بالأمس وخلال افتتاح المؤتمر الاقتصادى كان الجميع على موعد مع رؤية متكاملة وتشخيص دقيق للحالة المصرية على مدار خمسة عقود.. وضع الرئيس أسباب ما آلت إليه الاوضاع فى البلاد على مدار هذه الفترة من أزمات وتراجع ومعاناة الشعب وادراك حقيقى لهذه الأسباب حددها الرئيس السيسى فى ٢١ بندًا لكننى سأتوقف فى هذا المقال عند البند الأول الذى ذكره الرئيس السيسى حيث قال: لقد كان واضحًا أن عمق الأزمة التى تعانى منها الدولة المصرية فى العصر الحديث، يتطلب اجراءات حادة وقاسية ومستمرة لعلاج كافة الاختلالات على مدار 50 عامًا وأتوقف بالعديد من الرسائل:
أولاً: الحقيقة أن الاوضاع فى مصر كانت تستلزم حلولاً حاسمة وصعبة وجذرية وهو ما أكده الدكتور جمال حمدان فى مطلع الستينيات.. لكن ورغم الادراك الحقيقى لاهمية تلك الاجراءات التى كانت لازمة للاصلاح والتغيير إلى الافضل إلا انها تعارضت مع معوقات كثيرة ابرزها تمثل فى عدم قدرة صانع القرار على تمرير هذه القرارات والإجراءات حيث لم تكن البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والإعلامية والدينية ملائمة آنذاك بمعنى أن المجتمع أو الشعب لم يكن مهيأً لتقبل هذه القرارات وبالتالى فان تكلفتها ستكون أكثر من عوائدها ولعل ما حدث فى يناير عام 1977 وما اطلق عليه إعلاميًا انتفاضة الخبز بسبب زيادة طفيفة لأسعار بعض السلع الاساسية بهدف الاصلاح لذلك وئدت محاولة الاصلاح فى مهدها ووجد الرئيس محمد أنور السادات ان تكلفة هذا القرار أكثر من عوائده.
ثانيًا: غياب الإجراءات والحلول الجذرية ومجابهة التحديات ومحاصرة الضغوط كان يستلزم حلولاً حاسمة من الدولة مع استنادها إلى وعى وتفهم الرأى العام حتى يتمكن صانع القرار من قيادة عملية الاصلاح وتنفيذها على أرض الواقع بهدف تغيير الواقع الذى تعيشه البلاد لكنها للأسف الشديد اصطدمت بصعوبات ومعوقات كانت ستؤدى إلى مأزق كبير فى البلاد بعد أن غابت حالة الوعى والفهم لاهمية هذه الاجراءات وذلك بسبب عدم وجود المساندة والدعم السياسى والفكرى والاجتماعى والإعلامى والدينى ان لم تكن الاجواء أو البيئة مناسبة ولم يكن هناك رأى عام مهيأ لتقبل مثل هذه القرارات وبالتالى لم يستطع صانع القرار تمرير رؤى وقرارات واجراءات الاصلاح الحقيقي.
ثالثًا: نقطة مهمة تحدث فيها الرئيس السيسى ضمن هذا البند وهى أن الرؤى والإجراءات والاطروحات والقرارات قد تكون موجودة ويستطيع خبراء الاقتصاد والمفكرون وضع هذه الرؤى لكنها تصطدم بالواقع.. بسبب أن تكلفة القرار والاجراء ستزيد على عوائده وحسب تقدير الموقف فى هذه الحالة لن تكون الشجاعة أو الإرادة السياسية كافية إذا لم تكن الأرض ممهدة لدى الرأى العام أو المجتمع أو الشعب لتقبل هذه الاجراءات الحاسمة والجذرية التى تحقق فى النهاية تغيير حياة الناس وانهاء ازماتهم.
فنحن أمام اشكالية حقيقية شهدتها الدولة المصرية على مدار عقود وهى وجود الرؤى والاطروحات والاجراءات الحاسمة للاصلاح الحقيقى وغياب القناعات والوعى بأهمية هذه الإجراءات، وعدم تقبل المجتمع لها وهذا يعود إلى افتقاد البيئة السياسية والفكرية والاجتماعية والإعلامية والدينية التى تستطيع تهيئة الرأى العام والحشد لاتخاذ مثل هذه الاجراءات وما يستلزمه ذلك من صبر وعمل وتضحيات حتى لا تكون هذه الاجراءات سببا فى خسائر وتكلفة باهظة ولا تؤدى ولا تحقق جدواها فى ظل الرفض وعدم القبول الشعبى لها.
رابعًا: الرئيس السيسى فى البند الأول وضع يده على المشكلة التاريخية، وهى عدم تجانس مكونات معادلة الإصلاح الحقيقى والتناغم بين رؤية القيادة، والإرادة الشعبية، وفشل الضلع الثالث فى المعادلة فى تحقيق التوافق والقناعة، فى ظل غياب البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والإعلامية والدينية التى من شأنها ودورها تحقيق القناعة بالرؤى الإصلاحية من خلال تمهيد وخلق بيئة مواتية وحشد الرأى العام بالوعى الحقيقي، والفهم الصحيح لأهمية الإجراءات على المدى القريب والبعيد فى تغيير الواقع إلى الأفضل.
خامسًا: مصطلح تكلفة القرار، هو مصطلح عبقري، بحسابات المكسب والخسارة، فما حدث فى يناير ٧٧٩١ كان يسعى للإصلاح وما يحقق مصالح ومصلحة الناس والدولة، لكنه قوبل بالرفض والفوضى والشغب، وبالتالى أصبحت تكلفة القرار أكبر بكثير من عوائده، وهو ما يؤكد أهمية التمهيد والتهيئة للقرار لدى الرأى العام وما يستدعى دور السياسيين والمفكرين والمثقفين والإعلاميين وعلماء الدين.
سادسًا: قضية مهمة للغاية تضمنها حديث الرئيس السيسى أن الاتجاه نحو الإصلاح من خلال مجابهة التحديات واتخاذ الإجراءات الحاسمة، والرؤى الإصلاحية، كانت تصطدم بمحاذير الحفاظ على «الاستقرار الهش»، للدولة بدلاً من التحرك فى مسارات الحلول الحاسمة التى تتسم بالخطورة، وفى اعتقادى أن مصطلح «الاستقرار الهش» وهو توصيف دقيق للحالة المصرية على مدار ٥ عقود، بسبب عدم الاتجاه إلى الحلول الحاسمة، والاكتفاء بالمسكنات الوقتية التى ينفد تأثيرها لتتجلى فى أحداث تصل إلى ذروتها فيما حدث من فوضى وانفلات كاد يضيع البلاد والعباد، لذلك فإن «المسكنات» ربما تحدث استقرارًا مؤقتًا أو هشًا لكنها فى النهاية تؤدى إلى كوارث فى حالة تأجيل أو إقصاء الإجراءات والحلول الجذرية، بسبب تراكم وتفاقم واستفحال الأزمات والمعاناة وعدم قدرة الدولة على حلها فيما بعد، وما يؤدى إلى تفاقم الأمور ويتحول الاستقرار الهش إلى فوضي، خاصة فى ظل غياب الوعى الحقيقى والفهم الصحيح وبالتالى فقدان القناعة والإيمان بأهمية الإصلاح، والمواطن هو المتضرر الأول من التراجع وغض الطرف عن الإجراءات الحاسمة.. فالحلول الجذرية هى أفضل السبل على المدى المتوسط والبعيد، وترسخ لاستقرار حقيقى وتحقيق تطلعات الشعب.
سابعًا: ولعل أهم ما يميز إنجازات ونجاحات الـ ٨ سنوات هو حرص الرئيس على إعلاء المصلحة الوطنية، ولم يلتفت إلى تحذيرات البعض من حسابات الشعبية أو المقامرة بها ولكنه أراد توظيف هذه الشعبية والرصيد الكبير عند الشعب فى تحقيق مصلحة مصر والمصريين فى مصلحة الوطن والشعب وتقدمه واستقراره وليس لأمور ذاتية أو شخصية ولم يعمد الرئيس يومًا إلى دغدغة المشاعر بوعود براقة، ولم يبع الوهم لشعبه، ولكنه كان جادًا ووطنيًا شريفًا مخلصًا فى بناء هذا الوطن على أسس صحيحة متحملاً القرار رغم التحذيرات من كافة أجهزة الدولة. الرئيس السيسى وظف شعبيته ورصيده لدى المصريين فى مصلحة الوطن، ولم يخش مصلحة أى حسابات أخري، ورآها فرصة تاريخية، واستثمر هذا الرصيد الوافر فى الإصلاح والبناء وتحقيق عوائد مهمة.. انعكست على مصر وشعبها، إيمانًا بأن الأوطان لا تبنى بالشعارات والوعود البراقة أو المسكنات الوقتية ولكن بالعمل والصبر واتخاذ ما يحقق صالح ومصلحة الوطن والمواطن التى تأتى من التخلى عن الإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية ربما تحقق «الاستقرار الهش» الذى يتحول إلى كابوس وكارثة بعد أن تفقد المسكنات تأثيرها وفعاليتها، لذلك فإن روعة الحلول الجذرية، والإجراءات الحاسمة فى ترسيخ الاستقرار الحقيقي، وتحقيق آمال وتطلعات الشعب، لذلك نجح الإصلاح الاقتصادى الشامل الذى يتبناه الرئيس السيسي، وراهن على تقبل وتحمل المصريين لتداعياته وبالفعل فإن هذا القرار الشجاع الذى استند إلى ثقة وتقدير للرئيس، وأيضًا إلى وعى حقيقى بأهمية الإصلاح وأنه السبيل إلى الاستقرار وإنهاء المعاناة والأزمات المزمنة، وقد حقق عوائده وثماره فى خلق اقتصاد قوى ومرن وقادر على مواجهة الصدمات والأزمات وهو من حمى المصريين من تداعيات الأزمة العالمية.
ثامنًا: جاء حديث الرئيس السيسى كاشفًا لأحوال وأوضاع الدولة المصرية على مدار 50 عامًا وما واجه مسيرتها للبناء والإصلاح من عقبات أهمها غياب القناعات والإيمان بأهمية الإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية وغياب القاعدة السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية والإعلامية والدينية التى تمهد وتدعم وتحشد من أجل تنفيذ رؤى الإصلاح فغاب الوعى والفهم بضرورة هذه الإجراءات وهو ما يشير أيضًا إلى أن الرئيس السيسى تسلم مصر وهى فى حالة شديدة الوطأة، معقدة الظروف، قاسية التحديات، ولم يتسلمها تقف على أرض صلبة، ولكن طبقًا للتعبير العبقرى «شبه وأشلاء دولة، أو كُهنة»، لأسباب أبرزها غياب تطبيق الإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية ورؤى الإصلاح الحقيقي، لذلك فإن شجاعة الرئيس ورهانه على وعى الشعب وتفهمه لأهمية الإصلاح مهد الأرض والمجال لتحقيق نجاحات وإنجازات فى الـ ٨ سنوات الأخيرة، وهو ما يكشف أهمية البيئة السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية والإعلامية والدينية.. التى يجب أن تكون فى حالة تأهب ونشاط وعمل متواصل لتحقيق المصلحة الوطنية ومساندة ودعم وتهيئة أنسب الظروف لتقبل الإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية بدلاً من أن تظل البحيرة راكدة حتى يصبح الأمر كارثيًا.
تاسعًا: فى اعتقادى أن البند الأول فى حديث الرئيس السيسى الذى يعد توصيفًا وتشخيصًا دقيقًا للحالة المصرية على مدار 50 عامًا هو السبب الرئيسى فيما آلت إليه الأوضاع فى مصر خلال هذه الفترة وهو الخوف من كلفة القرار، والثمن الباهظ الذى يفوق عوائده، لكن فإهدار فرص الإصلاح والحلول الجذرية والإجراءات الحاسمة له تداعيات كارثية على المدى البعيد، قد تعجز الدولة فى الاستدارة، وتصحيح المسار، لأن تفاقم الأزمات، وبطلان مفعول المسكنات قد يفوق قدرات الدولة، لذلك فإن الإسراع فى تطبيق رؤى الإصلاح والإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية والوعى بأهميتها ونتائجها هو السبيل الوحيد فى بناء الدولة، والنهوض بقدراتها للوفاء الحقيقى وليس الديكورى بمتطلبات شعبها وتحقيق آماله وتطلعاته.
عاشرًا: تأكيد الرئيس السيسى على أهمية أن يحكم المسار الاقتصادى أو غيره عوامل متشابكة ومؤثرة على القرار الذى يتم اتخاذه، وهو ما يمثل فلسفة الحكم، فلا يمكن لمتخذ القرار أن يقدم على اتخاذ إجراءات حاسمة وحلول جذرية حتمية إلا قبل الاطمئنان على حالة القبول الشعبي، وقدرة البيئة السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية والإعلامية والدينية على تمهيد الأرض والأجواء لتمرير هذه الرؤى الإصلاحية، والإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية، لذلك ربما يكون الاندفاع فى اتخاذ القرار دون الانتباه لباقى مكونات المعادلة سواء مدى قدرة البيئة المحيطة بتحقيق القبول أو الرضا الشعبى تجاه هذا القرار، أو القدرة على تحمله بحيث لا يشكل القرار قبل ضمان هذه النقاط خطرًا داهمًا على الاستقرار، وتكون الكلفة باهظة الثمن، تزيد عن عوائد ونتائج القرار نفسه.
فلسفة الحكم تتجسد ليس فقط فى امتلاك الشجاعة فى اتخاذ القرار الإصلاحى والإجراءات الحاسمة التى تحقق الصالح العام ولكن فى الحكمة والاطمئنان على باقى أطراف المعادلة سواء صانع القرار أو متخذه، ومدى الرضا الشعبى عنه وقدرة البيئة السياسية والفكرية والإعلامية والثقافية والدينية على التمهيد لهذه الإجراءات الحاسمة التى تنشئ قاعدة من الوعى والقبول.
حادى عشر: إن اهتمام الرئيس السيسى بتنشيط الفعالية السياسية والإعلامية والفكرية والثقافية فى مصر على مدار ٨ سنوات لم يأت من فراغ ولكن من واقع قراءة واقعية وعبقرية لما يحتاجه الوطن من إجراءات حاسمة وحلول جذرية يعول فيها على القدرة على إحداث الوعى الحقيقي، والفهم الصحيح الذى يمهد الأرض والمجال إلى ضرورات تطبيق الرؤى الإصلاحية والحلول الجذرية لتغيير واقعنا وإنهاء معاناتنا وأزماتنا بدلاً من المسكنات والحلول الوقتية التى تبنى جداراً هشاً من الاستقرار لا يصمد أمام حجم العذاب والمعاناة بعد فقدان المسكنات القدرة على التأثير والتخدير ثم يفوق المريض على ألم مبرح وصراخ لذلك ما نحتاجه لاستمرار مسيرة البناء والتنمية هو وجود الرؤية الإصلاحية الخلاقة وهى موجودة وحاضرة، وتنشيط غدة الفكر والسياسة والثقافة والإعلام، وصولاً إلى ترسيخ الوعى المجتمعي، والفهم الشعبى لضرورة وحتمية اتخاذ قرار العلاج الناجع بدلاً من تفاقم حالة المريض أو اللجوء إلى البتر أو رفع الأجهزة عنه، لذلك لن يعمل الرئيس السيسى وحده فى بناء هذا الوطن وتحقيق النجاحات والإنجازات ونقل الدولة المصرية إلى مصاف التقدم ولكن مطلوب الحفاظ واستمرار حالة الوعى والاصطفاف الشعبي، وقيام المؤسسات السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية والدينية بحشد الرأى العام، وغرس الوعى والفهم، لتحقيق القبول والرضا والقناعة بأهمية اتخاذ القرارات والإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية من أجل الوصول إلى أهداف الدولة المصرية قبل أن نشكو وننتقد دون دراية بأصول وجذور المشاكل والأزمات.. وما كانت عليه ظروفنا وأحوالنا، علينا أن نمتلك سياقاً للوعى الحقيقى والفهم الصحيح، بعيداً عن التنظير دون فهم، أو دراية بالأسباب والمعطيات لأن التقدم الحقيقى يستلزم وجود قاعدة صلبة راسخة لدى الرأى العام بأهمية وحتمية هذه الإجراءات الحاسمة، وأن تنفيذ وتطبيق الرؤى الإصلاحية وقبولها فى الشارع لا يأتى من قبيل الصدفة ولكن نتاج عمل وجهود خلاقة وصادقة تصنع الحقائق بأساليب مختلفة تناسب كل أنواع الفهم، لمساندة هذه الإجراءات التى من شأنها أن تحقق التقدم وإنهاء الأزمات والمشاكل المتوارثة من عقود طويلة بسبب عدم الإقدام على اتخاذ قرارات بإجراءات حاسمة خشية عدم الاستقرار أو أن تكون تكلفة القرارات أعلى من عوائدها.
إن فهم الحالة المصرية على مدار 50 عامًا، كان حاضرًا بالأمس.. خلال افتتاح المؤتمر الاقتصادى ولعل الـ ٢١ بندًا التى طرحها الرئيس تعد توصيفًا وتشخيصًا دقيقًا على المفكرين والكتاب والمثقفين والغوص فى تفاصيل كل بند منهم.. حتى نخلق وعيًا حقيقيًا، ومهمًا صحيحًا لدى المصريين فى ظل حملات الأكاذيب والشائعات والتشكيك التى تضخ على مدار الساعة.
تحيا مصر