نساء السينما في مهرجان أيام قرطاج.. احتفاء وترحيب بحارسات الجمال
يقترن دائما بحضور المرأة في السينما بالإبداع، سواء كانت بطلة أمام الكاميرا أو مخرجة خلفها، وسواء كانت تنثر أفكارها وعواطفها عند كتابة السيناريو أو كانت تقوم بتركيب المشاهد داخل غرف المونتاج، فإنها وفي كل أحوالها ووظائفها تخط سيرة نجاح وتكتب مسيرة إصرار من أجل تثبيت أقدامها على طريق الفن السابع.
فمنذ بداية ظهور صناعة السينما في تونس، انتفضت المرأة ضد محاولات احتكار الرجال لهذه المهنة، لتقتحم عالم السينما من مختلف أبوابه، وتصبح المملثة والمنتجة والمخرجة والكاتبة والمبدعة في الجوانب التقنية المتعلقة بالصناعة السينمائية.
ومن بين أسماء التونسيات اللاتي تركن بصمة في سماء الإبداع الفني، وخاصة السينمائي المخرجات والفنانات والكاتبات مفيدة التلاتلي وسلمى بكار وكاهنة عطية وكلثوم برناز وهايدي تمزالي ودرة بوشوشة وهند بوجمعة، وغيرهن من الأسماء التي مازالت أعمالهن محل شغف ومتابعة من الجمهور التونسي.
ومن منطلق مناصرة مهرجان "أيام قرطاج السينمائية" للمرأة وقضاياها طوال دوراته السابقة، حظيت مشاركة المرأة في هذه الدورة بالاحتفاء والترحيب والاهتمام، فلا تكاد تخلو مسابقة أو قسم من أقسام المهرجان إلا وتجد نساء السينما متربعات على قوائمها، لعرض أعمالهن الفنية التي تناولت في معظمها قضايا الهجرة واللجوء.
فعن اللاجئين وما تحمله حقائبهم من ذكريات الوطن، وعن المهاجرين التائهين بين البقاء والرحيل، ضم مهرجان "أيام قرطاج السينمائية" ستة أفلام روائية ووثائقية لم يسبق عرضها بتوقيع ست مخرجات من شمال وجنوب المتوسط، وهن جوهرة عبودة وموريل كرافات وصوفي باشولييه من فرنسا، وماري نويل من الكاميرون، وياسمين قصاري من المغرب، وهارا كامينارا من بلجيكا.
وطوال السنوات الماضية.. نحت المهرجان مكانة راسخة في العمق الإفريقي والعربي، غير أن الدورة الثالثة والثلاثين الحالية تفتح نافذة جديدة على محيطها المتوسطي من خلال قسم "فوكيس"، الذي وضع المخرجات الأسبانيات تحت المجهر، انطلاقا من استعراض تجاربهن في رحلة البحث عن نور الحياة بعيدا عن ظلام الإقصاء وأغلال القيود.
وانطلاقا من تجارب السينمائيات الأسبانيات، يرسم المهرجان ملامح الإبداع التي شكلتها عدة سيدات اخترن العمل في المجال السينمائي، واكتشاف الأفلام السينمائية لمخرجات رائدات وآخريات واعدات في السينما الأسبانية، ومن بينهن فيرونيكا أشقي، سلفيا كاربيزو، مرتكسيل كولال، مارجريتا ألسكندر، جوسيفينا مولينا، كلارا روكات، سيليا ريكو كلافلينو، كارمن كوردوبا، أنا لامباري، الودا رويز.
وكالعاة دائما.. لم تغب المبدعات المصريات عن المشهد السينمائي، حيث تشارك المخرجة ماجي كمال بفيلم "ميكروباص"، الذي يتناول قصة فتاة مصرية تبلغ من العمر 17 عاما، وفي نهاية يومها الدراسي يتصل بها شقيقها ليخبرها أنه سيتأخر، وحتى لا تتأخر عن عملها بعد انتهاء اليوم الدراسي، تستقل الميكروباص في رحلة لم تكن تتوقع أنها ستغير مجرى حياتها إلى الأبد.
وفي لمسة وفاء وعرفان بدورهن في نشر ثقافة الجمال رغم رحيلهن، يكرم المهرجان اسم المخرجة والسيناريست التونسية الراحلة كلثوم برناز التي وافتها المنية عام 2016، وأخرجت عدة أعمال مميزة، منها فيلم "الألوان الخصبة" عام 1984، و"ثلاث شخصيات تبحث عن مسرح" عام 1988، و"نظرة نورس" عام 1991، و"كسوة الخيط الضائع" عام 1998، و"شطر محبة" عام 2008، والتي تحتفظ لها المرأة التونسية بالجميل لشجاعتها في طرح موضوع ميراث المرأة من خلال فيلم "شطر المحبة".
ومن الجزائر.. يكرم المهرجان المخرجة والسيناريست الراحلة يمينة بشير التي وافتها المنية في شهر أبريل الماضي، وتركت بصمتها في سجل السينما الجزائرية، لاسيما تناولها لأحداث "العشرية السوداء" من خلال فيلم "رشيدة" عام 2002.
ومن سيدات السينما الأفريقية، يحتفي المهرجان بالممثلة السينمائية والتليفزيونية "ناكي سي سافاني" من كوت ديفوار، والتي بدأت مشوارها الفني في سن مبكر من خلال فيلم "كرة الغبار"، وتناضل "ناكي" من أجل تحرير المرأة الإفريقية ومساعدتها للنفاذ إلى مراكز التعليم.
ومن مصر.. كرمت وزيرة الثقافة التونسية الدكتور حياة قطاط القرمازي في افتتاح فعاليات المهرجان السبت الماضي، الفنانة هالة صدقي عن مشوارها الفني، خاصة أن أول تكريم حازت عليه هالة في مشوارها الفني كان من تونس أيضا.
وتظل نساء السينما في كل الأزمنة والأوطان، شمعة تضيء شاشات الفن السابع بومضات من الملامح والأحلام، وبلوحات من الحياة تأبى النسيان، لتبقى اسماؤهن خالدة كالوشم على الجسد لا تمحيه الأيام.