الوطنية للصحافة.. وتصحيح المسار
بقلم – مجدى سبلة
أشعر وأنا أشارك فى اجتماعات الهيئة الوطنية للصحافة أن شيئا ما يحدث الآن بالفعل وأن هناك تصحيحًا فى الأيام الحالية لمسار ظل معوجًا سنوات ماضية بعد أن أصبح الإعلام الوسيلة الأساسية التى تستخدمها الجماعات الإرهابية فى الترويج لعقائدها الإجرامية وتجنيد المتعاطفين مع أفكارها الشريرة الخبيثة.
ولم تكن عملية تصحيح مسار الصحف القومية لتتم إلا إعمالًا للمادة (٢٣٧) من الدستور المصرى الصادر عام ٢٠١٣ التى تنص على «تلتزم الدولة بمواجهة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله وتعد برنامجا زمنيا محددا، باعتباره تهديدًا للوطن والمواطنين، مع ضمانها الحقوق والحريات العامة”.
الأولى، باعتبار أن الهيئة الوطنية للصحافة والمؤسسات الصحفية القومية جزء أصيل من مؤسسات الدولة المخاطبة بأحكام الدستور والقانون، أستطيع أن أقول إنه قد عادت صحف ومجلات تلك المؤسسات بشكل ملحوظ الآن إلى الإعلام المنضبط بعد أن كانت قد انحرفت صحف ومجلات تلك المؤسسات عن الخط الموضوعى فى تناول الرسالة الصحفية، لذلك لم يكن غريبا ولا مفاجئا أن تلجأ الهيئة الوطنية للصحافة إلى إصدار بيان مهم جاء فى وقته تمامًا أعتبره وثيقة مهمة وواجبة فى تصحيح مسار المؤسسات القومية حيث أكد فيه كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية النقاط التالية:
أنه لابد من الالتزام بالمعايير الدولية فيما يتعلق بتغطية حوادث العنف والإرهاب، وفى صدارتها عدم الإسراف فى نشر صور الضحايا، حفاظًا على مشاعر ذويهم، وتفاديًا لنتائج سلبية يستهدفها الإرهابيون بنشر الخوف والذعر بين المواطنين، ومعالجة هذه الحوادث فى حجمها الطبيعى دون تهويل أو تهوين، وتنمية الشعور الجمعى بأن أمن المجتمع هو أمن المواطن فى الأساس.
والثانية، عدم اعتماد الصحافة القومية على منصات التواصل الاجتماعى “الفيس بوك نموذجًا” كمصادر للمعلومات، بعد أن أصبحت هذه المنصات فضاء خصبا تتسلل إليه التنظيمات والجماعات الإرهابية لعولمة أنشطتها الدامية، والتسويق لأيدولوجياتها التى تستهدف نشر الرعب والخوف بين المواطنين.. وهذه نقطة مهمة للغاية لإفشال ما يسعى إليه الإرهاب وجماعات الإرهاب من الوصول إلى عقول المواطنين والرأى العام العالمى والمحلى من ناحية، ومن ناحية أخرى ترشيد معالجات وسائل الإعلام التى تهتم بتضخيم الأعمال الإرهابية انطلاقا من مقولة الحق فى المعرفة حتى ولو كانت هذه المعلومات كاذبة ومختلقة.
الثالثة، كم كان عظيمًا أن يتضمن بيان الهيئة الدعوة الصريحة إلى إنشاء مرصد وطنى لمتابعة كافة قضايا الإرهاب فى وسائل الإعلام، بحيث يتولى رصد وتحليل المعالجات الإعلامية لقضايا التطرف والعنف والإرهاب بكافة أشكاله وصوره، ولا يكتفى المرصد بذلك بل ويصدر تقارير استراتيجية دورية، تقدم للرأى العام معلومات موثقة لكشف الإرهاب الذى يسىء إلى صورة الإسلام وقيمه ومثله العليا، بحيث يكون المرصد حلقة وصل دائمة مع المصريين لدحض الشائعات والدعاية الكاذبة.. أولا بأول، لم يفت بيان الهيئة أن يركز على أنه لكى تقوم الصحافة بدورها لابد أن تقدم الأجهزة الأمنية المعلومات والحقائق أمام الصحف بحيث تتولى الأجهزة الإعلامية إخراجها بشكل مناسب وتقديمها للجمهور، ليكون متابعًا للجرائم التى تمس أمنه واستقرار أسرته ومستقبل وطنه، مع التزام بألا تعتبر هذه التنظيمات الإرهابية مصدرًا للأخبار الخاصة بالأحداث الإرهابية، أو بث ما يظهر قوتها فى إثارة الفزع والرعب والبلبلة بين الناس.
النقطة الرابعة، أراها أكثر من رائعة، وهى التركيز على بطولات القوات المسلحة والشرطة وتضحياتهم وأعمالهم التى سيخلدها التاريخ، بديلا عن ثقافة الجنازات التى يحاول الفكر المتطرف استثمارها فى ضرب الروح المعنوية للمواطنين، لأن وراء كل شهيد قصة بطولة وفداء وتضحية تستوجب تسليط الأضواء عليها، وتقديمها نموذجًا إيجابيًا للمجتمع تحفيزا للهمم والعزائم خصوصًا بين أجيال الشباب الباحثين عن مثل أعلى يحتذون به، وتحقيرًا للأعمال الإرهابية الدنيئة.
والخامسة، مطالبة الهيئة الوطنية فى بيانها للصحف والمجلات القومية بـتعظيم دور الأزهر الشريف فى نشر قيم الأديان السماوية التى تنبذ العنف والإرهاب وإيصال هذه الرسالة للجمهور، وأن تدعو إلى فتح قنوات اتصال دائمة بين المؤسسة الدينية الرسمية والصحافة وأن تحرص على عقد اللقاءات الدورية ومناشدة الأزهر باعتماد مجموعة من علمائه الأفاضل للتحدث فى وسائل الإعلام ومنع محترفى التحريض والإساءة من تعكير صفو الرأى العام.
والسادسة، أنه كان مهما أن يطالب بيان الهيئة الوطنية بفتح قنوات الاتصال والمشاركة مع المجلس القومى لمكافحة الإرهاب، بما يمتلكه من قامات محترمة لها باع طويل فى معالجة الملف الإرهابى، خاصة أن المجلس يرأسه السيد رئيس الجمهورية ويضم كبار رجال الدولة، بما يتيح إمكانية وسهولة الحصول على المعلومات والحقائق أولا بأول، وأن يكون المجلس هو المصدر الأساسى لوسائل الإعلام، سواء فيما يقدمه من معلومات، أو باستضافة أعضائه فى مختلف وسائل الإعلام، ترشيدًا للظهور العشوائى لأشخاص قد يسيئون عرض هذه القضايا بالشكل الصحيح.
النقطة السابعة، أن يركز بيان الهيئة الوطنية على أن تلعب الصحافة دورها المطلوب فى حث المواطنين على المساهمة بما لديهم من معلومات تساعد أجهزة الأمن فى الوصول إلى الجناة وضرب أوكارهم سواء قبل وقوع العمليات الإرهابية أو أثنائها أو بعدها، ليبنى المواطن قناعاته ويتخذ مواقفه ورفع درجات الوعى الشعبى، وضرورة وجود علاقات وثيقة بين أجهزة الأمن والمواطنين ووسائل الإعلام حتى تتكامل الجهود ويترسخ هذا التعاون سيما فى وقت لابد أن تدخل فيه كل وسائل الإعلام والصحف إلى جميع القرى والكفور والنجوع والمربعات السكنية والمدن الجديدة.
والثامنة، أن الهيئة الوطنية لم تكن تملك ترف السكوت أو تجاهل الدور الذى يمكن أن تلعبه السينما والدراما، ولذلك طالبت الهيئة بالإسراع فى إنتاج أعمال سينمائية ودرامية تهتم بالقضايا الوطنية وإيقاظ القوة الناعمة المصرية التى شكلت على مر العصور سياجا قويا يحمى أبناء الوطن من التيارات التى تتنافى مع قيمه ومبادئه ومثله العليا، وفى صدارتها بطبيعة الحال إذكاء روح التسامح والحوار والحفاظ على النسيج القوى للشعب المصرى، وأن تكون الصحافة هى الجسر لوصول هذه الأعمال الفنية المهمة إلى الرأى العام عوضًا عن الثقافات الدخيلة التى تهب على مجتمعنا من الشرق والغرب.
ويتبقى أن أقول فى نهاية هذا المقال، وبمنتهى الصدق والصراحة إننى بعد أن وجدت أن هذا البيان تضمن الدعوة إلى الانطلاق من المعايير الدولية والمهنية، التى تحظر نشر أى مواد يتضمن محتواها تحريضا على ارتكاب أعمال عنف أو إثارة كراهية أو نعرات عرقية أو دينية أو اضطرابات، أو التعاطف مع الإرهاب أو الأعمال التخريبية.. تنطلق من الحرص على التوازن بين التعددية والمصالح العليا للوطن، وبين تأكيد أهمية دعم الصحافة الحرة التى تتضمن جميع وجهات النظر.. وبين ضرورة الالتفاف حول راية الوطن فى قضية لا تقبل بالمرة المزايدة أو التحريض، مع الحرص التام على احترام أخلاقيات المهنة وتقاليدها المتوارثة عبر أجيال طويلة.. أقول وجدت فى النهاية أنه نظرًا لأهمية هذا البيان -الوثيقة- الذى انتهت إليه الهيئة الوطنية كان لا بد من نشره كاملا ليشكل رسالة مكتملة عند القارئ حتى يشاركنا مسيرة الإصلاح التى كنا ننتظرها منذ زمن بعيد فى مهنة الصحافة.