رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


في ذكرى ميلادها .. نجاة الصغيرة تغني وأم كلثوم تسمع في الكواليس

10-8-2017 | 19:56


كتب ـ خليل زيدان

رحلة صعبة في عالم الفن بدأتها قيثارة الغناء وصوت الحب نجاة الصغيرة وهي لم تبلغ السادسة من عمرها، حيث اشتهرت بغناء قصائد كوكب الشرق آنذاك، وبعدها ابتكرت لنفسها لوناً مختلفاً في الغناء لتصبح من أشهر المطربات في مصر .. في ذكرى ميلادها التي تحل غداً ننشر أسرار ومواقف مبهرة في حياة نجاة الصغيرة مع نوادر الصور.

بيت نجوم الفن

ولدت نجاة الصغيرة في 11 أغسطس 1939 لأسرة تملأ جنباتها أنواع عدة من الفنون، فوالدها عبقري فن الخط العربي محمد حسني البابا، وشقيقها عازف الكمان والملحن عز الدين حسني. وعند بلوغها الرابعة من عمرها انضمت إلى فصل التعليم المنزلي الذي أقامه والدها لتعليم أخواتها، حيث اتفق مع السيدة سكينة أن تعلم بناته مبادئ القراءة والحساب والقصص الدينية في المنزل، وقد تفوقت نجاة وظهر نبوغها في سرعة التلقي، وبدأت تنصت إلى الراديو وتحفظ أغاني كوكب الشرق وقد شجعها لذلك عمل شقيقها عز الدين كعازف كمان في فرقة أم كلثوم، وكان يصحبها لتشاهد الحفلات الشهرية لكوكب الشرق.. وقد بدأت نجاة تغني ما تحفظه من أغاني أم كلثوم في المنزل، وأدهشت الأهل والمُعلمة سكينة بجودة النطق وبراعة التقليد .

الحرمان من مباهج الطفولة

بدأت الطفلة نجاة تلح على شقيقها العازف أن يتيح لها فرصة الغناء خارج البيت، وهو يرى أنها مازالت صغيرة في سن الخامسة، غير أنه حقق لها رغبتها وقدمها في حفل شهري أقيم بمعهد الموسيقى العربية حضره كبار المطربين والموسيقيون، وغنت نجاة "غلبت أصالح في روحي"، وهي تمسك بمنديل مثل كوكب الشرق، وأبهرت الحضور وانقض عليها الملحن مصطفى بك رضا وحملها بين ذراعيه وهو يقبلها وتنبأ لها بمستقبل واعد، وأصبحت نجاة الطفلة المعجزة، إذ طلب منها مصطفى رضا أن تذهب لأداء اختبار في الإذاعة لتغني في سهراتها، وبالفعل نجحت نجاة وغنت لأول مرة في الإذاعة وهي طفلة قصيدة "سلوا قلبي" وسعد الأهل والجيران بسماعها وأصبحت حديث رواد معهد الموسيقى العربية، وبدأت تغني أيضًا في الحفلات الخاصة التي يقيمها رجال المعهد، وبدأ والدها يوجه موهبتها واستقدم من يعلمها العزف على العود وأصول الطرب، أي أصبحت أيام الطفلة ولياليها تضج بموهبتها وتعليمها الموسيقى ولم تجد وقتًا لتعيش مباهج طفولتها.

فكري باشا أباظة يطالب الحكومة بتبني نجاة

تحت إلحاح متعهد الحفلات صديق أحمد وافق والد نجاة أن تغني للجمهور لأول مرة على المسرح، وكان ذلك في شهر يوليو عام 1946 وهي في السابعة من عمرها، وقضت معظم الصيف تغني في الحفلات التي أقامها المتعهد وأصبحت نجاة حديث المصطافين وأهل الإسكندرية، حتى أطلقوا عليها لقب "المعجزة الصغيرة"، ومن بين رواد الحفلات كان فكري باشا أباظة، حيث رآها وهي تغني وأشاد بصوتها وروعة أدائها وكتب مقالًا في نفس الأسبوع نشر بمجلة المصور، وضح به إعجابه بنجاة مع مطالبة الحكومة بأن تتبنى نلك الموهبة الصغيرة وتوفدها في بعثة دراسية لتتعلم أصول الطرب والموسيقى، وقد زاد فكري أباظة في مقاله أنه يشفق على تلك الطفلة من الجهد والسهر واستغلال والدها لها ابتغاء الكسب المادي، وهذا ما أثار غضب نجاة وفكرت في لقاء فكري باشا لمعاتبته وتخبره بأنها ألحت هي وأخيها وصديق أحمد على والدها لكي يوافق على أن تغني للجمهور في الإسكندرية، وأن والدها يشجع موهبتها ولا يستغلها، وصارت تشكو لكل من تقابله من مقال فكري أباظة.

كوكب الشرق بين الكواليس

عادت نجاة من الإسكندرية ولم تجد الوقت للقاء فكري أباظة، حيث استغل أحد متعهدي الحفلات نجاح نجاة في الإسكندرية، وبدأ في إعداد عدة حفلات لها في القاهرة وقدمها باسم "المعجزة الصغيرة"، وقد أعد لحفل خيري تكون نجمته كوكب الشرق ويقام بمسرح حديقة الأزبكية، وكان ببرنامج الحفل أن تغني نجاة نشيدًا مع الأطفال وبعد أن أدته نزلت لتجلس بجانب والدها لتستمع إلى كوكب الشرق، إلى أن جاء الملحن أحمد خيرت سعيد ومال على والدها وهمس له بعد كلمات، ثم سألها والدها هل تحفظين سلوا قلبي؟ فأجابت بنعم، ثم اصطحبها والدها إلى المسرح وأفهمها أن كوكب الشرق لن تغني الليلة، وقدمها مذيع الحفل لتغني قصيدة سلوا قلبي واتخذت نجاة مكانها وبدأت الفرقة الموسيقية في العزف وانطلقت نجاة تغني وسط تجاوب وإعجاب الجمهور وتصفيقه الحماسي لها، ومع اندماجها في الغناء لفتت نجاة رأسها ناحية الكواليس لتجد مفاجأة مذهلة أمامها، حيث رأت سيدة الغناء العربي تجلس على مقعد بين الكواليس لتستمع إليها وهي تقلدها في أغنية سلوا قلبي، بدأت دقات قلب الطفلة تتسارع وازداد خوفها، وارتبكت وهي تنتظر رد فعل أم كلثوم وهي تراها لأول مرة تغني إحدى أغانيها، طالت نظرات نجاة لكوكب الشرق لثوانٍ وكأنها دهر وكادت أن تتوقف عن الغناء، لولا أن رأت أم كلثوم تضم يديها من خلف الكواليس مشجعة لها وتطلب منها أن تكمل.

كانت تلك التحية من كوكب الشرق كفيلة بأن تعيد الثقة للطفلة نجاة كي تبدع في غناء باقي أبيات القصيدة مما جعل الجمهور يرد عليها بعاصفة من التصفيق، وبعد أن انتهت من الغناء نظرت إلى مكان كوكب الشرق لتجدها تفتح لها ذراعيها، وانطلقت نجاة لترتمي في حضن أم كلثوم التي ضمتها إلى صدرها وقبلت وجنتيها، وسألت نجاة عدة أسئلة وقد ظهر في عينيها الفرح بتلك الموهبة الصغيرة، ثم نهضت كوكب الشرق لتغني نفس القصيدة وقد أجلست نجاة على نفس المقعد لتشاهد كوكب الشرق من بين الكواليس كما شاهدتها أم كلثوم وهي تغني.