رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


عدو النِّعمة

16-11-2022 | 12:31


محمد فيض خالد,

لم يكن على الهَيئةِ التي ترَكتهُ عليها آخرَ مرةٍ، تبدّى سمينا ليّنَ العود بعدَ جَفَافٍ، اعرف عنه البُخل والتَّقتير، وحُبّه القرش لدرجةِ العبادة، قالوا لقد انتفشت حاله بعد إذ تَحنّنَ عليِه المعلم " عَزب"، فجعله ضمن حاشيته، والمعلم " عَزب" لمن يجَهله، مُتَعهِّد حفلات كبير لا يُشقّ له غبار، يطوف شرقا وغربا في أفراحِ ومآتم وانتخابات، يعرفه عِلية القوم وأسافِلها، طَالعت سِحنَته التي تمشّت الحُمرَة فيها بعد احتراقٍ، فبدت بَشرته زاهية تتَلألأ، إِذ ارتَوت من خَيراتِ المَوائد العَامرةُ وأطايبها. 

تَشعّ عَيناه بوميضٍ مخيف ساعة يقَصُّ على جُلسائهِ مظاهر الأُبَّهة ولذائذ الأطعمة والأشربة التي صُفّت، وكيفَ تنَقُله بينها كَعصفُورٍ رشيق، يقَتطِفُ من خيراتها بلا حِساب، بيد أنّ طبعه يُغالِبه، فيُتبع كلامه بنبرةٍ سَخيفٍة، يغلفها الكَمد يعتصر نفسه المُشتتَّة، يقول مُتنهِّدا: "حظوظ وأرزاق، ومال سايب زي الرز مع ناس ولا تسوا"، وكأنّه يَسترجعُ سَريعا سنوات عمره التي انفرطت كحَباتِ عقدٍ، يُخبرني أكثر من واحدٍ أنّه جَشعٌ حقود، يَستكثر الزرق في العباد. 

يحسب لوقعِ قدمه ألفَ حِساب حَتّى ضَاقَ بطِباعِ نفسه، يَلومَها حِين سماع أثر نعمة على صديقٍ من أقرانهِ، يَظلّ على ثورتِه واهتياجِه يتحرَّق، يُعنِّف قدره الذي أوكَلَ أمر الدُّنيا لأُناسٍ أنصاف، حين بَخِلَ عليهِ وهو المُجِدّ الساعي، حاول أكثر من مرة أن يلبس أسمال الزُّهاد، يصبغ سحنته بأصباغْ القَانِعين بقضاِء الله وقدره، لكنّه يَفشلُ في الأخيرِ، يَصرخُ مهتاجا: "الرزق أعمى"، يخيفك مرآه حين تعلو نبرته معنفا أولاده يعد عليهم أنفاسهم، مبدأه: "لا تترك ابنك يملأ بطنه من العيش أبدا، فذلك أنفع له وأحرى ألا يصاب بتخمة تضعفه"، في فترتهِ الأخيرة اعتلَ مزاجه، واختَلَ توازنه، لا تغمض عينه إلّا لِماما، ينام قَلِقا، لو استطاعَ لأغمضَ عين وفتح الثانية، يقولُ في ثقةِ المُجرِّب: "إنَّ النَّوم فشل لا أؤمن به أبدا، هو حيلة البليد الذي لا يجد معه استكانة"، زُرته منذ أيامَ فوجدته مُعتلَّ الصِّحة، وصُفرة فاقعة تَفشَّت في جِلدهِ، فاختلط الأسود والأصفر في هَالةٍ باهتة، تُنذر بانتكاسةٍ قريبة، إن لم تتَداركه رحمة الله، يتَهامس في وسوسةٍ حِينا، يُؤشِّر بيديهِ حِينا في لوثةٍ مُقلقة، يَهُبُّ واقفا يخطو بضع خُطواتٍ قبلَ أن يعودَ مَحله ثانيةً، تَعوّد الصَّمت اهملَ مُشاركة جُلساؤه، يكتفي بنظرةَ حَمئة، يتَفحّص بها الجَمع في تَوجّسٍ مُزعج، ثم يبدأ في وصلةِ ضجره، صَحىَ رفِاقه يوما لم يعثروا عليه، وجدوه جَالِسا بينَ أكداسِ القمامة زاعِقا بصوتهِ مُتوعِّدا، أولئك الخونة الذين سرقوا حَظَّه من الدُّنيا، ولابُدَّ من تأديبهم، يَوما بعد يوم تسوء حاله، ليجد نفسه على متنِ طائرةٍ عاَئِدا إلى الدِّيارِ، وإلى جوارهِ مرافقهُ، يُخبِّئ إبرة المُخدِّر يَستعملها عند اللُّزوم.