لن يهنأ لها بال حتى بزوغ الدولة المستقلة وعاصمتها القدس ثوابت مصرية فى القضية الفلسطينية
بقلم – لواء: محمد إبراهيم
تظل القضية الفلسطينية بكافة مكوناتها هى القضية المركزية العربية فى جميع الأوقات ورغم كل الظروف ومهما تصاعدت وتيرة قضايا أخرى فى المنطقة وصعدت إلى سلم الأولويات الإقليمية وهذه حقيقة يجب أن تكون ماثلة أمامنا دائمًا، ومن هذا المنطلق تصبح المسئولية العربية تجاه القضية الفلسطينية مسئولية متكاملة على كافة المستويات الرسمية وغير الرسمية أقلها وجوب الحفاظ على هذه القضية فى دائرة الضوء حتى لا تضيع تمامًا وتدخل فى دائرة النسيان الإقليمى والدولى وهو ما تهدف إليه إسرائيل بالقطع.
وقد شهدت هذه القضية خلال الفترة الأخيرة بعض التطورات المهمة يجب أن أقف عندها كثيرًا ولعلى هنا سوف أركز على تطورين رئيسيين وشديدى الأهمية ويحتاجان إلى بعض الإيضاح وإلقاء الضوء عليهما نظرًا لتأثيرهما المباشر على مستقبل القضية
أولهما الانفتاح المصرى على قطاع غزة
وثانيهما الأحداث الأخيرة التى شهدها المسجد الأقصى المبارك.
نأتى إلى التطور الأول وهو الانفتاح المصرى على قطاع غزة وما قد فسره البعض بأنه يعد تحولًا جديدًا فى السياسة المصرية تجاه القطاع, وفى البداية يجب أن أركز على نقطتين رئيسيتين مرتبطتين بالسياسة المصرية على المستوى الفلسطينى النقطة الأولى وهى أن القضية الفلسطينية تعد قضية أمن قومى لمصر ولا يمكن لأى طرف أيًا كانت وضعيته أن يزايد على الدور المصرى التاريخى تجاه هذه القضية منذ نشأتها وحتى الآن ولن أكون مبالغًا إذا قلت إن مصر لن يهنأ لها بال حتى ترى بزوغ الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية, والنقطة الثانية أن مصر تتعامل مع الرئيس أبو مازن باعتباره الرئيس الشرعى للسلطة الفلسطينية ولا يمكن لأحد أن يشكك فى هذا الأمر وأعتقد أن اللقاءات المتكررة للرئيس عبدالفتاح السيسى مع الرئيس الفلسطينى خير دليل على ذلك.
والسؤال الذى يبدو منطقيًا ومشروعًا هنا هو هل هناك سياسة مصرية جديدة تجاه قطاع غزة, وحتى تكون الإجابة على هذا السؤال منطقية أيضًا يجب أن أوضح ثلاثة محددات رئيسية: -
المحدد الأول أن قطاع غزة بحدوده الممتدة مع مصر لمسافة ١٤ كم فى الاتجاه الشمالى الشرقى يدخل ضمن ما نسميه بدائرة الأمن القومى المباشر والتى تمثل أهم دوائرنا الأمنية ولا يمكن لأحد أن ينازع مصر حقها فى اتخاذ كافة الإجراءات للحفاظ على أمنها القومى.
المحدد الثانى أننا مازلنا نعانى من الإرهاب فى منطقة شمال سيناء وهناك ارتباطات مؤكدة بين هذا الإرهاب الأسود وجماعات متطرفة موجودة بالفعل فى قطاع غزة وتم استغلال الأنفاق على الحدود بين مصر وغزة من أجل تقديم الدعم اللوجيستى للجماعات الإرهابية فى عملياتهم ضد القوات المصرية فى هذه المنطقة.
المحدد الثالث أن هناك قوة مسيطرة فعليًا على قطاع غزة لابد لمصر من التعامل معها من أجل تأمين الحدود وتهدئة الوضع فى القطاع وهذه القوة هى حركة حماس وهو ما يعنى أن تعاملنا الحالى مع هذه الحركة تفرضه الضرورة ولا علاقة له بالجانب السياسى وإنما يرتكز على الجانب التأمينى وتحميل حماس المسئولية كاملة عن أية محاولات للمساس بالأمن القومى المصرى انطلاقًا من القطاع, ولاشك أن المتابع لهذا الملف يرى أن حماس بدأت فى اتخاذ إجراءات على الأرض لتأمين الحدود مع مصر وهى خطوة وإن كانت غير كافية إلا أنها مطلوبة.
إذن فمن الواضح أن كل ما تقوم به مصر تجاه القطاع لا يمكن اعتباره سياسة جديدة وإنما هو عبارة عن مجموعة إجراءات ضرورية تندرج فى إطار السياسة العامة لمصر تجاه القطاع تهدف إلى تخفيف المعاناة عن أبناء الشعب الفلسطينى والحيلولة دون وصول الوضع الاقتصادى والأمنى إلى مرحلة الانفجار الذى إن حدث سيؤثر على الأمن القومى المصرى, هذا فى الوقت الذى تتحرك فيه القيادة السياسية المصرية لدعم القضية الفلسطينية سواء مع الأطراف الرئيسية الأخرى مثل إسرائيل والولايات المتحدة أو فى كافة المحافل الدولية, ومن الإنصاف أن أنوه إلى مسألة شديدة الأهمية وهى أن المسئولين المصريين عندما يلتقون مع أى من الفصائل أو التنظيمات أو القيادات والشخصيات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية فإن ذلك لا يمكن اعتباره مساسًا بالقيادة الشرعية الفلسطينية الممثلة فى الرئيس أبو مازن الذى تحرص مصر على دعمه بصفة دائمة, كما أن هذه اللقاءات تصب نتائجها أساسًا فى الصالح الفلسطينى العام.
أما التطور الثانى فيتمثل فى الأحداث الأخيرة التى شهدها المسجد الأقصى ولا يتسع المقال هنا إلى التعرض إلى تفاصيل هذه الأحداث والمسائل المتعلقة باستحداث بوابات إلكترونية أو كاميرات مراقبة من عدمه وهى كلها فى رأيى شكليات لا يجب أن تكون بمثابة جوهر الصراع حول المسجد الأقصى فالأمر أكبر وأعمق من ذلك بكثير, وفى هذا المجال لابد من الإشارة إلى ثلاث نقاط أساسية: -
النقطة الأولى أن إسرائيل تتعامل مع القدس الشرقية بما فيها من مقدسات إسلامية ومسيحية باعتبارها تمثل مع القدس الغربية العاصمة الموحدة والأبدية للدولة استنادًا على قرارات الكنيست فى هذا الشأن وفرض سياسة الأمر الواقع التى تسير بخطى ثابتة نحو تهويد المدينة العربية من خلال تنفيذ سياسة استيطانية ممنهجة ومتدرجة ومعلنة ضاربة بعرض الحائط أية مواقف أو اعتراضات أو قرارات إقليمية أو دولية.
النقطة الثانية أن إسرائيل وإن كانت قد وافقت على استمرار الإشراف الأردنى على المسجد الأقصى إلا أنها لا تعترف بالسيادة الفلسطينية عليه بل أتاحت للجماعات اليهودية المتطرفة وللمسئولين الإسرائيليين الرسميين زيارة ساحة المسجد حيث تقوم هذه الجماعات باقتحامه على فترات وهنا يحب التذكير بالمبدأ الذى تسعى إسرائيل إلى تثبيته وهو التقسيم الزمانى والمكانى للمسجد الأقصى بين الفلسطينيين واليهود.
النقطة الثالثة أن ردود الأفعال الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية كانت قوية وأدت إلى تراجع إسرائيل عن إجراءاتها التى استحدثتها فى المسجد الأقصى ولكن يجب ألا ننسى أن كافة ردود الأفعال ركزت فقط على مسألة البوابات الإلكترونية ثم سرعان ما انتهت حدتها ولم نشاهد هذه المواقف القوية وإسرائيل تقوم بتهويد مدينة القدس الشرقية وبناء صروحها الاستيطانية كل يوم.
وبالتالى فإن ما حدث فى المسجد الأقصى مؤخرًا يعد بلورة حقيقية لطبيعة السياسة الإسرائيلية فى المناطق الفلسطينية المحتلة التى تسير بشكل ممنهج يستند على إيجاد أمر واقع جديد على الأرض فى المرحلة الأولى ثم التحرك لدعم هذا الواقع الجديد بإجراءات متنوعة بعضها شكلى ومعظمها جوهرى حتى إذا أثيرت أية مواقف خارجية معارضة ورافضة لهذه الإجراءات فإن الرفض يركز على الجانب الشكلى فقط ( مطالبة إسرائيل بإزالة البوابات الإلكترونية ) دون التعرض لجوهر الوضع الحقيقى على الأرض ( السياسة الإسرائيلية لتهويد المدينة ) وبحيث يكون أى تراجع إسرائيلى عن النواحى الشكلية وغير الأساسية يبدو وكأنه تنازل رئيسي من جانب إسرائيل.
وفى ضوء ما سبق ليس من المنطق أن أقوم بسرد أو تحليل الأحداث فقط دون أن أجتهد وأقترح ثلاثة مسارات للحركة الفلسطينية والعربية خلال المرحلة القادمة وهى فى رأيى يمكن أن تكون على النحو التالى: -
المسار الأول ويتمثل فى ضرورة الخروج بدروس مستفادة من أحداث المسجد الأقصى أهمها على الإطلاق أن استخدام المقاومة السلمية للمطالبة بالحق الفلسطينى يعتبر عاملًا هامًا يمكن أن يدفع إسرائيل إلى تقديم التنازلات المطلوبة فى العملية السياسية بأكملها.
المسار الثانى وهو ضرورة ألا نترك الفلسطينيين يواجهون تهويد القدس بمفردهم بل يجب أن يكون الدعم المادى المقدر والمحمود الذى تقدمه مؤتمرات القمة العربية المختلفة لدعم القدس مرتبطا بالسماح للعرب وللمسلمين من جميع أنحاء العالم بزيارة القدس والمسجد الأقصى, وفى رأيى أن هذا الإجراء سيكون الأكثر فاعلية من أية إجراءات أخرى.
المسار الثالث وهو أن تقود مصر بتاريخها وخبراتها المجموعة العربية نحو استئناف المفاوضات الفلسطينية / الإسرائيلية فى أقرب فرصة ممكنة استنادًا إلى مرجعيات مقبولة وتأسيسًا على أفضل مبادرة عربية للسلام وهى المبادرة المطروحة منذ قمة بيروت ٢٠٠٢ خاصة وأن توقف المفاوضات لا يصب إلا فى مصلحة إسرائيل ويمنحها الفرصة لمزيد من تهويد القدس فى ظل غياب المفاوض والشريك الفلسطينى.