رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


صناعة الموت

11-8-2017 | 16:35


بقلم:  طه فرغلى

تغرد دارالإفتاء دائما خارج السرب، يحاول علماؤها الاقتراب بعمق أكثر من كل القضايا الشرعية والفقهية والحياتية.

الأمر بالنسبة لهم ليس مجرد وظيفة أو تأدية عمل والسلام، بل رسالة ومنهج يسيرون عليه بخطى ثابتة لتحقيق الهدف المرجو.

اختار علماء الإفتاء التفكير خارج الصندوق منهجا لهم فى العمل، وبرامجهم التى يعملون عليها دائما ما تحمل نظرة مختلفة وبعدا جديدا.

تابعت مؤخرا المشروع البحثى الذى تعكف دارالإفتاء عليه ويحمل عنوان «صناعة الموت .. مشروع تشريحى لدورة بناء الإرهابى» واستعانت الدار بعدد من الخبراء والمتخصصين الذين عقدوا اجتماعاتهم فى رحابها من أجل الوصول الى دليل استرشادي يوضح كيف ينشأ الإرهابي والمراحل العامة التي يمر بها والمسارات التي يقطعها، وصولا إلى تنفيذ العمل الإرهابي وممارسة العنف والعمليات الانتحارية.

أهمية هذا المشروع تكمن فى أنه بمثابة علاج استباقى للتطرف والإرهاب، ودراسة لأسباب تحول الإنسان إلى إرهابى.

الورقة المفاهيمية الأساسية للمشروع البحثى وفق لما أكده لى الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتى الجمهورية توضح أن التفكير فى هذا المشروع يأتى فى ظل تعرض الأمن القومي المصري مؤخرًا إلى هزات عنيفة بفعل عمليات إرهابية غادرة نفذتها عناصر إرهابية ، أثرت بشكل قوي على صورة مصر أمام العالم ، وهو ما يفرض على دار الإفتاء البدء في تشريح عقلية المتطرف ونفسيته والتداخل مع المؤثرات التي يتعرض لها ويتأثر بها، سعيًا لوقف تسلسل تلك المراحل التي تؤدي بالمتطرف إلى التحول إلى عنصر إرهابي يسعى بكل قوة وعزيمة إلى الإضرار بالغير، إضرارًا ماديًا ومعنويًا.

وفي هذا السياق ينبغي الإشارة إلى أن هذا العمل يعد الأجدر بالاهتمام والمتابعة كونه يمثل تطورًا نوعيًا في العمل الفكري والثقافي المعني بالتطرف والإرهاب، إضافة إلى أنه يمثل دعمًا لصناع القرار والسياسات في الداخل والخارج وجهات التحقيق والمؤسسات المعنية بالتعامل مع المتطرفين والإرهابيين ومراكز إعادة تأهيلهم، خاصة وأن برامج إعادة تأهيل المتطرفين قد كشفت عن ثغرات كبيرة أدت إلى نتائج عكسية مغايرة لما هو مستهدف، وهناك خطورة فى إطلاق سراح المتطرفين دون عمليات إعادة الدمج والتأهيل لمنعهم من العودة إلى الممارسات الإرهابية.

هذا المشروع البحثى يعد الأول من نوعه في كونه دليلاً يجمع بين المعالجات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية من جانب والدينية من الجانب الآخر، حيث تشرف المؤسسة الإفتائية المصرية على هذا العمل وتدلي بدلوها في هذا الشأن مستعينة في ذلك بالخبرات العملية والشرعية والإفتائية لديها.

والهدف الذى يسعى هذا المشروع إلى تحقيقه إعداد دليل استرشادي يوضح كيف ينشأ الإرهابي والمراحل العامة التي يمر بها والمسارات التي يقطعها، وصولا إلى تنفيذ العمل الإرهابي وممارسة العنف والعمليات الانتحارية، ودراسة المؤثرات الداخلية والخارجية الدافعة في هذا الاتجاه، والسياقات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والسياسية المصاحبة لذلك، إضافة إلى المدركات والمفاهيم المعتقدة والمتداولة في عقلية المتطرف والتي تؤدي دورها في دفعه نحو التحول إلى إرهابي ينتظر الفرصة ليوقع القتلى والجرحى.

المنتج النهائى الذى من المنتظر أن ينتهى إليه هذا المشروع هو إخراج ورقة مفاهيمية تأصيلية توضح بشكل أساسي نشأة المتطرف وتكوينه الفكري والثقافي والاجتماعي، والمراحل المختلفة التي يمر بها، ويتأثر بها ويؤثر فيها، وصولا إلى تبنيه العمل العنيف والممارسة الإرهابية، وتحديد مؤثرات ومدخلات كل مرحلة من المراحل، وذلك بهدف تحديد سبل مواجهة هذا التحول ووقفه وإعادة تأهيل المقبلين على ممارسة العمل الإرهابي.

والإجابة على تساؤلات حول لماذا يقبل الإرهابي، وخاصة من ينتمون إلى فئة الشباب إلى قتل أنفسهم وتنفيذ العمليات الإرهابية؟، وما طبيعة من يقوم بتلك العمليات؟، وما هو التكوين النفسي والاجتماعي للانتحاري؟، وكيف يتم غسيل أدمغة من يقوم بتلك العمليات؟، وهل يمكن فهم تلك العقلية الانتحارية ومنعها فكريا من الإقدام على تنفيذ العمل الإرهابي؟، ولماذا يشعر الفرد بالمظلومية من (الدولة – المجتمع – العالم – المختلف عنه دينيًا)؟، وكيف يمكن وقف ومواجهة العمليات الانتحارية ومنعها من حصد أرواح الأبرياء؟.

أما الجمهور الذى يستهدفه المشروع البحثى فهم متخذو القرار من المهتمين بمواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب ،وجهات التحقيق في قضايا التطرف والإرهاب ، والمعنيون بشئون الدعوة والقيادات الدينية وأئمة المساجد الإسلامية في الداخل والخارج، وفئة الشباب باعتبارهم الفئة الأكثر عرضة واستهدافا من قبل التنظيمات والجماعات الإرهابية ، ودوائر البحث داخل العالم الإسلامي وخارجه والجامعات ، والمؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بنشر السلام العالمي ، ومنظمات المجتمع المدني العاملة في الحقل الاجتماعي والسياسي والثقافي.

المؤكد حتى تصبح التجربة ناجحة وناضجة وتحقق المستهدف منها وهو تجفيف منابع الإرهاب والأفكار المتطرفة ألا يبقى هذا المشروع البحثى الهام فى إطاره الضيق داخل أسوار دار الإفتاء، الأهم من وجهة نظرى أن يتحول إلى مشروع تدعمه الدولة وتقف وراءه الحكومة ومؤسساتها المختلفة.

هذا المشروع إذا قدر له النجاح سيكون بمثابة اللبنة الحقيقية فى المواجهة الفكرية للتطرف والإرهاب، دار الإفتاء عليها مسئولية كبرى فى الترويج لهذا المشروع وأن تبذل مجهودا مضاعفا من أن أجل تمريره إلى المسئولين فى الدولة، وتقف على الاستفادة من النتائج النهائية التى سينتهى إليها هذا المشروع أما غير ذلك فلن يكون الأمر سوى أوراق ودراسات حبيسة الأدراج.