رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


القافلة وكلب الوالي

12-2-2017 | 14:29


حمود سعود - له "عمامة العسكر" (قصص)، و"المرأة العائدة من الغابة تغني" (نصوص سردية).

الكلب الذي أزعج القافلة بنباحه لم يكن جاهلا أو ساذجا، من قال لكم إنه كان ناقما؟ الكلب كان يصرخ في والي المدينة: إن القافلة تحمل على ظهرها أموال الناس وتعبهم وأحلامهم، وهي الآن تمرُّ على أطراف مدينتك.

   ومن قال لكم إن كلَّ من كان في القافلة كان طيّبا مُخلصا؟ لو كانت القافلة خالية من اللصوص فلماذا نبح الكلب؟ علينا أن نتعاطف جميعا أو البعض منّا مع نباح الكلب.

    القافلة كانت خارجة من المدينة، وكان الليل قد نزل على المدينة، فتبعها الكلب، مخلصا لعمله التاريخي؛ وهو حراسة المدن والبيوت والليل. فشمَّ رائحة اللصوص فنبح بصوته، حاول أن يوقظ والي المدينة. من سوء حظ الكلب أن ليلة مرور القافلة كانت الليلة ذاتها التي يدخل فيها الوالي على زوجته الثانية. فلم يسمع الوالي ولا الحرّاس ولا أهل المدينة نباح الكلب، أو أنهم لم ينتبهوا لصوته.

    اقترب الكلب من بيت الوالي. حاول إيقاظه. كادتْ رصاصة من بندقية أحد حرّاس بيت الوالي أن تُنهي حياة الكلب. هرب الكلب إلى تلة قريبة مُطلّة على المدينة، واصل نباحه؛ لعلّ أحدا من أهل المدينة المنشغلين بفرح واليهم يسمع نباحه ويتبع القافلة.

   ظلّ الكلب ينبح والقافلة تسير بأموال الناس. في الصباح همس بعضهم في أذن الوالي عن صوت الكلب المزعج، فقال شاعر الوالي بصوت ساخر: هذا الكلب ناقم يا سعادة الوالي من فرح أهل المدينة بعرسك الميمون البارحة.

   أمر الوالي بقتل الكلب، فذهب أهل المدينة للبحث عن الكلب الذي أزعج ليلة الوالي وعرسه. لم يجدوا الكلب.

***

   القافلة التي أزعجها الكلب بنباحه قالت: من قال لكم إن الكلب كان مخلصا للوالي ولأهل المدينة؟ الكلب كان جائعا ومشردا ووحيدا تلك الليلة. لم نكن لصوصا لتلك المدينة، بل كنّا تجّارا ومسافرين، مررنا على المدينة فوجدناها تهتزّ فرحا لعرس الوالي، فتفرّق التجّار والمسافرون في ليل المدينة وأسواقها وطرقاتها. بعضهم أكل من بعض البيوت المفتوحة. وبعضهم أخذ ما خفَّ وزنه وثقل سعره، وقبل أن ينتصف الليل تحركتْ القافلةُ، وعلى طرف المدينة صادفهم الكلب، فأزعجهم بنباحه، فمضتْ القافلة تحت ظلمة الليل.

   لا أحد يعلم من الذي سرق من أسواق المدينة، هل هم التجّار أم المسافرون؟

   الإبل وحدها تعلم نصف الحكاية. الحكاية التي لم تمت. بل نصفها المُختبئ خلف ليل المدينة جعلها تمرُّ بدون ضوء. من هو اللص في الحكاية، الكلب أم القافلة؟

    من قال لكم إن الوالي كان بريئا من جسد الحكاية؟ هل من المصادفة الساذجة أن يتوافق مرور القافلة بموعد زواج الوالي بزوجته الثانية؟ هل من المعقول أن كلّ أهل المدينة لم يسمعوا نباح الكلب؟ وأي فكرة خبيثة جعلت شاعر الوالي يُوهم الوالي المستيقظ فرحا بعد ليلة جددّ فيها مجده الجسديّ، بأن الكلب كان حاقدا وحاسدا وناقما على عرس الوالي؟ ولماذا أمر الوالي بقتل الكلب؟ هل يريد أن يدفن الحكاية قبل أن تولد؟

   علينا أن نبحث في جسد هذه الحكاية، عن شاهد محايد يدلّنا على نصف الحكاية. كلنا عرفنا سابقا أن الإبل تعرف ما سقط من الحكاية، ولكن الإبل لم تعد في المدينة، الآن هي تحمل التجّار والمسافرين.

    أين كانت امرأة الوالي الأولى؟ هل نامت مبكرا؟ أم أنها ظلّتْ تبكي طوال الليل؟ هي غاضبة الآن فمن المؤكد أنها لا تُريد أن تتكلم وتدلّنا على نصف الحكاية. أين ذهب الكلب بعدما أزعج الوالي والقافلة؟

   لا أحد بريء في هذه الحكاية لا الوالي ولا الكلب ولا القافلة ولا التجّار ولا المسافرون ولا شاعر الوالي ولا امرأة الوالي الأولى التي رفضتْ أن تدلّ السارد على نصف الحكاية.

   القافلة مرّتْ، والكلب هرب إلى الصحراء، والوالي صمت عن نصف الحكاية.

   على السارد الفضولي أن يتبع القافلة ـ إذا كان راغبا أن يكمل نصف الحكاية ـ ليسأل الإبل عن أصحاب القافلة، وعن ذنب الكلب.

   خرج السارد من الحكاية باحثا عن الإبل في الصحراء، فلم يجد لا الإبل ولا الكلب، بل وجد الموت ينتظره.

   طوى الموت السارد الفضولي الذي كان يُطارد تفاصيل الحكاية. لذا كبرتْ الحكاية في أَلسُن البشر والرواة في غفلة من السارد الميت بداء الفضول، وتحوّل المعنى، وتناسل الكلب وأصبح قبيلة من الكلاب. ورجال القافلة حملوا أحلام أهل المدينة وأصبحوا شرفاء.