شكلت الوجدان المصري والعربى .. أهم مائة فيلم وفيلم فى السينما المصرية
كتب : سامح فتحي
في عام 1927 تم إنتاج أول فيلم سينمائي مصري، وهو فيلم " ليلى" بطولة عزيزة أمير، وأخرجه بداية وداد عرفي، ثم استكمل إخراجه - بعد تعديله - استيفان روستي، وبذلك التاريخ يكون قد مر هذا العام 2017 تسعون عاما على نشأة السينما المصرية، التي هي دون منازع السينما الأم في الوطن العربي وإفريقيا، ومنها انتقل هذا الفن إلى كافة ربوع العالم العربي والإفريقي، وصارت منذ ظهورها من أهم الفروع الثقافية وأوسعها انتشارا، وأصبحت ضمن المكونات الأساسية التي تشكل الوجدان المصري والعربي، باعتبار أنها الوسيلة الثقافية التي تخترق حاجز الأمية المهيمنة على الوطن العربي . والسينما ليست صناعة وتجارة فحسب، ولكنها بالدرجة الأولى فن وفكر، فكر ينمي عقل الإنسان ويساهم في توعيته، وفن ينفذ إلى أعماق النفس البشرية.
وقد دفعتني تلك المكانة للسينما المصرية إلى الاهتمام بها، وانعكس ذلك الاهتمام من خلال محاولة التأريخ وتوثيق بعض مفردات السينما المصرية، من مثل توثيق فن الأفيش المصري بجمع ما استطعت من أفيشات أصلية وتنسيقها وتقديمها في كتابين عن الأفيش المصري، هما كتاب "الأفيش الذهبي في السينما المصرية"، وكتاب " فن الأفيش في السينما المصرية" . ثم جعلت من الأديب العالمي نجيب محفوظ موضوعا لكتاب صدر عن المجلس الأعلى للثقافة بعنوان " نجيب محفوظ بين الرواية والفيلم"، حيث جمعت روايات نجيب محفوظ التى حولت إلى أعمال سينمائية ضمها هذا الكتاب الذي من خلاله يتم تقديم رؤية نجيب محفوظ الروائية، ورؤية المخرج أو كاتب السيناريو للعمل من الوجهة السينمائية، مع الحرص على تقديم العملين بصورة تقريبية تامة للقارئ، بحيث إن من لم يقرأ الرواية أو يشاهد الفيلم يستطيع بعد القراءة أن يتخيلهما جيدًا.
ثم أخيرا أردت أن أضع كتابا عن أهم الأفلام السينمائية المصرية من وجهة نظري الشخصية، فكان كتاب " أهم مائة فيلم وفيلم في السينما المصرية" الذي جعلت له هدفا أساسيا هو تلمس ما يسمى بالإجادة في الفيلم السينمائي المصري، وأسباب تلك الإجادة بدقة بعيداً عن العبارات الجوفاء، والتعليقات الانطباعية البحتة دون سبب واضح. وقمت، من خلال الكتاب، ببعض التبصير بالجوانب الفنية المختلفة للعمل كأسلوب الإخراج، وإدارة الكاميرا، والأداء التمثيلي، ونظام الإضاءة، وملاءمة الموسيقى التصويرية، واستخدام المجاميع البشرية، وطبيعة المونتاج إلخ، كل ذلك مع العناصر الكتابية المختلفة بداية من القصة، وأسباب اختيارها، ومراميها، ومواءمتها في التقديم للزمن المقدمة فيه، ونقدها الفضفاض أو الشديد لمظاهر العصر، وتركيبات المجتمع، وعلاقتها بالعمل الفني المقدم من خلالها . كما حددت في كل فيلم المشهد الأساس من وجهة نظري، أو " الماستر سين" للعمل والذي اخترته بدقة واضعاً نصب عيني أن يكون ذلك المشهد هو الملخص لفكرة العمل.
كما كان من الأهداف الفرعية مؤانسة القارئ ببعض المعلومات الفنية عن العمل، والمشاركين فيه . وقد راعيت في اختياري لتلك الأفلام، التي أراها أفضل ما قدمت السينما المصرية، ألا يكون العمل مقتبساً عن رواية أو مسرحية أو أي عمل فني أجنبي، وذلك ليكون الفيلم مصرياً خالصاً وليس ممصراً . كما راعيت أن تمثِّل الدراسة المجتمع المصري بكافة دقائقه الزمنية قديماً وحديثاً، فتناول الكتاب أفلاما تعكس بيئة قديمة مثل : " المومياء " و " العزيمة " و " سلامة في خير ". وأخرى حديثة مثل : " عمارة يعقوبيان " و " طيور الظلام " . كما لم يغفل الكتاب تمثيل بعض المجتمعات العربية القديمة المؤثرة في المجتمع المصري مثل ما جاء في فيلم" جميلة بو حريد " . وتطرقت الدراسة للحرف والمهن المختلفة في المجتمع المصري مثل " سائق القطار في " لوعة الحب "، والمدرس في " غزل البنات" و" ولا يزال التحقيق مستمراً "، وضابط المباحث في " زوجة رجل مهم "، والطبيب النفسي في " بئر الحرمان "، ومدير المدرسة ومدير المجمع الاستهلاكي في " المذنبون "، والعطار في " العار " و" بين القصرين "، والصحفي في " اللص والكلاب "، و" الرجل الذي فقد ظله" ، وتاجر الخضار في " الفتوة"، وقاطع الطريق في " الوحش "، وعامل الورشة في " الأسطى حسن"، والفلاح في " الأرض "، والحمال في " باب الحديد"، والبوسطجي في " البوسطجي"، والميكانيكي في " امرأة في الطريق"، والقاضي في " قاع المدينة" إلخ.
وقدمت الدراسة البيئات المختلفة مثل بيئة القرية وبيئة المدينة و النيل مكاناً للحوادث، وضمت الدراسة أفلاماً نقلت عن أعمال أدبية مثل " دعاء الكروان " لطه حسين، و " السقا مات " و " الناصر صلاح الدين " و " رد قلبي " ليوسف السباعي، و" في بيتنا رجل " و " أنا حرة " و " الطريق المسدود " و " لا أنام" و " لا تطفئ الشمس"، و "أين عمري " و" النظارة السوداء" لإحسان عبد القدوس، و " الطريق " و" السمان والخريف " و " السراب " و " بداية ونهاية " و " القاهرة 30 " و " الكرنك " و " قلب الليل " و " ميرا مار "، و " أهل القمة" لنجيب محفوظ ، و" شيء من الخوف "، و " هارب من الأيام" لثروت أباظة . كما شملت أفلاماً كتبت خصيصاً للسينما مثل " جعلوني مجرماً " و " تجار الموت " و " ريا وسكينة " و" جرى الوحوش " و" سواق الأتوبيس " و " سلطان " و " رصيف نمرة خمسة "، و" كلمة شرف"، و " الحريف" .
وقد راعيت في اختيار الأفلام التنوع بين الأجيال المختلفة للمخرجين بما يعنيه ذلك من اختلاف الأساليب في الإخراج وتنوعها وتطورها، فكان هناك الجيل القديم ممثلاً في يوسف وهبي، وكمال سليم، وعز الدين ذو الفقار، وهنري بركات، وصلاح أبو سيف، وتوفيق صالح، ونيازي مصطفى، وكمال الشيخ، وحسن الإمام، وفطين عبد الوهاب، وعاطف سالم، ويوسف شاهين، والسيد بدير، ومحمود ذو الفقار، ثم جيل الوسط الذي مال إلى التجديد والحداثة من أمثال حسين كمال، وأنور الشناوي، وأشرف فهمي، وعلي عبد الخالق وما تلاهم من جيل أحدث منفتح على التقنيات السينمائية الحديثة كعلي بدر خان، وعاطف الطيب، ومحمد خان، وشريف عرفه، وداود عبد السيد ، إلى منير راضى، وخيري بشارة . وكذلك تنوعت الدراسة بين الفيلم الذي يعالج موضوعه بطريقة مباشرة مثل معظم الأفلام، والذي يتخذ من الأسلوب الرمزي إطاراً له.
وكنت حريصاً على أن يقرن كل فيلم باللوحات والصور الدعائية التي صنعت خصيصاً له من أجل الدعاية " الأفيشات "، لأن تلك الصور تحمل ذكريات مشاهدة العمل لأول مرة في دار العرض لمن شاهده، أما من لم يشاهد العمل في وقته؛ لظروف مختلفة منها عامل السن، أو الظروف الاجتماعية الأخرى، فإن تلك اللوحات الإعلانية تحمل متعة له، حيث تعيده لزمن جميل كانت تصنع فيه تلك الصور واللوحات بإتقان حقيقي، وبطريقة يدوية تعتمد على مهارة وخبرة الفنان صانعها . وجاء مع الأفيش الأصلي صورة فنية معبرة من العمل، وتم اختيارها بعناية بحيث تكون صورة أصلية من الفيلم؛ لتكون في قمة الجودة في الطباعة، كما تكون معبرة إلى حد كبير عن روح العمل. وقد خرجت في هذه الكتاب بمستخلصات، كان من أهمها وجود نجيب محفوظ على رأس أكثر كاتب للقصة السينمائية في الكتاب، كما يعد علي الزرقانى أبرز كتَّاب السيناريو في السينما المصرية، وهو أكثر كاتب سيناريو في المائة فيلم موضع الدراسة، ووجدت أن السينمائي المصري الكبير عبد الحليم نصر أكثر مدير تصوير في المائة فيلم . وجاء الفنان فريد شوقي أكثر فنانا له أفلام في المائة فيلم، وهند رستم هي أكثر ممثلة مشاركة بأفلام في المائة فيلم، والفنان محمود المليجي هو أكثر ممثل مساعد بالمائة فيلم، وفؤاد الظاهري، الملحن والمؤلف الموسيقي أكثر مؤلف موسيقي للمائة فيلم، وتأتي المؤسسة العامة للسينما كأكثر مؤسسة أنتجت أفلاما في المائة فيلم، وماهر عبد النور مهندس الديكور لأغلب الأفلام المائة والسيد بدير واضع أكثر حوارات أفلام المائة فيلم، وتعد شركة توزيع الأفلام دولار أكثر شركة توزيع للمائة فيلم . وقد تم طباعة الكتاب على ورق مصقول من القطع الكبير؛ ليليق بأهمية تلك السينما وقيمتها عبر الأجيال.