رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


العظماء السبعة

7-12-2022 | 15:01


محمد علي السيد,

في صلاة الضحى لمحتهم عبر زجاج ألوميتال الصالة.. سبعة حمامات ريشهم سماوي في أبيض.. مفتولي العضلات (الأجنحة).. منتفشي الصدر في تشكيل عسكري مفتوح ميمنة وميسرة ومؤخرة، وقائد يتقدم ثلاثة.

نظرات حادة متحدية (اللي شايف نفسه يقرب)، وكأنه فيلم العظماء السبعة (شمس الزناتي بالمصري)، وقد أنهوا الأرز الذي وضعته على رف العصافير أمام شرفتنا؛ تحسبًا للوم زوجتي بشكوى العصفور الفصيح ذو الريش البيج ومنقار وطوق رقبة بلون القهوة (لم أصل لاسمه)، ينبهني لأذان الفجر من على فرعه بندائه الحاد السريع (سنتا.. سنتا كليمن)، ومع أول ضوء يزعق به ملاصقًا زجاج الشباك، يؤنب تكاسلي للصلاة أو انشغالي بإفطارنا، فيشكو لزوجتي (حسب التفاسير) تقصيري في إفطاره وعصافير الشجرة المتصدرة واجهتنا الزجاجية بمستطيل حديقة بين العمارات.

رمقوني بترقب ثم طاروا فجأة أمام كاميرا الموبايل (تك تك تك تك) بهجة موسيقى إفطارهم عقب الغزوة (ترررر) جفلتهم الجماعية.. دنوت أصورهم

ترقبنني باستكانة اليمامات الضئيلة البنية اللون، وطمعت تصويرهن فطرن فور إمساكي مقبض الشباك.

أصل الفكرة زوجتي بحفنة أرز صباحية على سور بلكونة شقة عين شمس، وعند الغروب لطيور عابرة.

أصبحت متعددة على سطح تكييف شقة مساكن شيراتون (الأولى- إيجار جديد)، عند عودتها من العمل ومتابعة الطيور المعششة على الشجرة المواجهة، وفي الثانية نفذنا رفا خاصا لهم.

ابني أعجبته الحدوتة .. يضع أكثر ، فلا يشفقه زقزقة جوعهم ، يستيقظ من عز نومه ليصب الأرز ويهرع لنومته.

نرصد بهم دنيانا  يكنون في الريح والبرد.

يفرون من بنادق صيد الصبية، يختفون في الخريف والربيع في رحلتي هجرة، صقران شابان يرتاحان أيامًا بسطح عمارة يجوبان صباحًا ومساءً، يقنص كلا منهما عصفور شارد في نصف دائرة هابطة صاعدة، نرصد صوصوة استغاثته فيتحررون حتى تتكرر الغارة مرة في المساء وأخرى في الصباح.

يتعايشون مع الغربان ولو لاصقهم أحدهم دقائق ليطير يأخذ نصيب من عظام طعام كلب بلكونة الجيران.. تزداد أعدادهم يوما فنسخر (عازمين جيرانهم). يتعلقون أيامًا بالفروع فزعين، فنكتشف أحد القوارض قد عثر على طعامهم ويأتينا صديق بسم فئران يخلصهم.

فزع أسري على بركة إطعامهم، وخشية من تبرم أحدنا من مصاريفها.. تلجم الجميع يبادروا بالشراء وكانت مهمتي وحيدًا.

قبل الغروب بنصف ساعة يتراصون على الأفرع للنوم، لا يقبلون تلهفنا بطعام يتدارك سهونا عنهم.

أجتهد في تنظيف زبادي فخارية لشربهم والانتظام في إطعامهم، لكنهم لا يبتهجون أسرابا طائرة بين أفرع شجرتهم وحائط الشباك إلا عند عودة زوجتي، ومن اتجاهها  المعاكس تبادرني (كده سايبهم جعانين).

أبدا والله.. بس ناس لها بخت.. وناس لها ترتر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2- وحشتني

صباح سفرها أتمت 40 يوما نظرت لي طويلا كما اعتادت منذ أيام تعقبها بشبه ابتسامة على جانب فمها الرقيق، لكنها اليوم أنعمت لأول مرة بابتسامة كاملة من شفتيها.

غمرتني فرحة طفولية أصفق مبتهجًا، وكنت أردد لها غنائيتي الصباحية (جدو محمد علي) علها لا تنساني في البعاد، فأخذت أغني (ضحكت .. يعني قلبها مال)

تعاركنا كأطفال.

أمها تؤكد أن الابتسامة لأنها سمعت مامتها حبيبتها وهي تغني (حلوة الأيام في عنيا.. علشان خلفت بنية)، وتتحمس جدتها بأن الابتسام لها وهي تردد لها النشيد الصباحي (يا حلو صبح يا حلو طل.. يا حلو صبح نهارنا فل).

حسما للمواقف أعادت للدنيا نهارها ببسمة عريضة واضحة لي، ورفرفت بذراعيها وساقيها  كعصفور جنة بديع.

حملتها من سريرها وأذبتها في أحضاني ونهلت عسلًا من خدها.

أردد مداعبًا أشبع من أبو بلاش بعد كده البوس عاوز تأشيرات وتذاكر سفر.. شاغبتني ابنتي..قولي له يا جدو (خسارة فيييه)، رددت على الفور (مش خسارة ليييه) قولي لها جدك.. ممكن تلاقيه ناطط عندكم أبوسها وأرجع، فمنحتني لأول مرة إشارة رضا.. أغا.. أقلدها فترد أغا.. أغا وسط بهجة لا توصف.

لم أقدر على توغل طفلتي (الأم وأبنتها) في صالة سفر مطار القاهرة – إلى دبي - تذوبان عن عيني .. انتظرت إقلاع الطائرة أتلهف على التليفون المغلق في الطيران حتى رد بعد ساعات كالدهر، وأسمعني والدها عقب استقبالهما ولو صوت بكائها.  

سافرت من يومين..

(ليليا •• فارسي • الورد الأبيض في الأحمر).. وحشتني.

•••

3- البنت بيضة

كل الوجوه السمراء لجنوب شرق آسيا تبتهج لفرحة حفيدتي (تقيم ابنتى وزوجها في دبي) بمقدرتها علي المشي مستقلة وارتقائها سلالم المحلات والتجوال بين صفوف الملابس وعلى الأرصفة تستثمرني حارسا لنزواتها.

ينحنون لقامة (الشبر ونص) ترى بريق عيونهم وبسمتهم الكبيرة وتقبل مداعبات عاملات المحلات وبعض قبلاتهن وتجرؤ بعضهن لحملها.

تقف بثبات جنرال ميداني تلوح لهم بيدها البيضة تنتظر ضجيجهم بمنحتها الغالية.

يشاغلني سؤال هل شعرت بفطرتها ، حنين غربتهم لأطفال تركوهم في بلادهم أو يتمنون إنجابهم بعد تكوين أنفسهم.

أم عقدة كنت أظنها عجيبة مصرية فوجدتها إنسانية عالمية

(البت بيضة وأنا أعمل إيه؟)