رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


فرنسا الأم الحنون!

14-12-2022 | 11:43


د. شيرين الملواني,

تُذهلني التعليقات على أي منشور أو تويتة يطلقها الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"؛ صراخ من الفرنسيين الملونين من دول أفريقيا وشمالها، يحمل سباباً وشتائم؛ مضمونه أن أفريقيا بخيراتها ومُجنسيها هم من أقاموا مجد فرنسا، مئات من التعليقات الحادة تحمل نبرات من مرارة الظلم ومطالبات برفع أيدي فرنسا عن أفريقيا "مصدر ثرواتكم ومجدكم!!!" كما يقولون.

وهنا تذكرت ما جاء على لسان الرئيس (جاك شيراك) في الماضي، حين قال: "دون أفريقيا، فرنسا ستنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث"!!!!، نفس الأمر عبر عنه الرئيس الفرنسي الأسبق الاشتراكي (فرانسوا ميتران)؛ حيث قال: "دون أفريقيا، فرنسا لن تملك أي تاريخ في القرن الواحد والعشرين!! ؛ وهو ما يفسر نية فرنسا الاستعمارية تجاه القارة وشعوبها، حتى وإن باركت الاستقلال المزيف للدول الإفريقية  وحتى وإن ظنت تلك الشعوب أنها نالت حريتها.


وهو ما يقودنا للربط بين نوايا وأفعال فرنسا وبين ظاهرة الانقلابات العسكرية في القارة السمراء خلال العامين الماضيين؛ فقد ظهر ضوء أحمر ينذر بعودة  الانقلابات وعدم الاستقرار في  القارة الأفريقية وبقوة؛ وكأن الزمن يعود إلى الوراء وتتأجج معه ذكريات الألم والمُعاناة المستمرة حتى بعد حصول شعوب هذه الدول على استقلال صوري.

كانت ولا زالت فرنسا تخطط من أجل  النهل من ثروات أفريقيا، أرادت أن يكون هذا الاغتصاب للقارة مُغلفاً بالشرعية حتى وإن كان باطنه غير قانوني؛ وجاءت الخطة بعقل الرئيس الفرنسي (شارل ديغول)، مُكلفا (جاك فوكار) الذي كان يشغل منصب الأمين العام للإليزيه؛ بإنشاء شبكة يتم من خلالها الدفاع عن المصالح الفرنسية في أفريقيا، ونجح (فوكار)، وأنشأ المظلة الفرنسية تحت مسمى  "فرانس– أفريك"، شبكة فرنسية عنوانها إدارة مصالح فرنسا في أفريقيا، موجهة كل طاقتها من أجل استغلال ثروات القارة من نفط وذهب وألماس ويورانيوم ومعادن أخرى، وتحولت (فرانس – أفريك) إلى أداة للاستعمار الحديث الذي تنتهجه باريس، فساهمت في بقاء القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا رغم حصول البلدان على استقلالها بحجة حماية المصالح الفرنسية هناك، فأصبح  القرار السيادي والسياسة الخارجية لهذه الدول الأفريقية مرهوناً ً بقرار فرنسا ؛ حيث ألزمت جميع هذه البلدان باتباع سياستها في المحافل الدولية، وهو ما أهل فرنسا للحكم من وراء الستار. 

لم تقتصر السيطرة الفرنسية في هيمنتها على الاقتصاد والثروات فقط، بل امتد الأمر إلى وأد أحلام الاستقلال الكامل الذي يراود الشعوب الإفريقية، عبر قيامها بالإطاحة بأي نظام مستقر أو أي قائد يرفض هيمنتها ويطالب باسترجاع السيادة الكاملة لبلده والاستفادة من غنى مواردها الطبيعية.

من بين أبرز مشاهد الاستعمار المُعدل هي تلك الاتفاقيات التي عقدتها فرنسا مع ١٤ مستعمرة سابقة،  تعهدت لها بحصولها على استقلالها في ظرف عامين، مع إجبارهم على أن تضع كل دولة من ٥٠ - ٨٥٪ من مواردها  تحت رقابة البنك المركزي الفرنسي، حيث تم السيطرة على الوحدة النقدية في وسط وغرب أفريقيا من خلال اعتماد عملة موحدة مرتبطة بالعملة الفرنسية التي كانت قبل اليورو، الفرنك، فسمي بالفرنك الأفريقي، لتصبح عملة هذه الدول الأفريقية خاضعة للنظام المصرفي الفرنسي!


قد يتساءل البعض هل فرنسا أم حنون مع شعوب أفريقيا، ويستدل المتسائل بمنهجيتها الثقافية؛ فقد أنشأت مراكز ثقافية ومدارس بعثات يتم من خلالها تكوين نخب محلية فرنسية ، متشبعة بالثقافة الفرنسية، تحت مظلة المنظمة الفرنكوفونية؛ والإجابة بسيطة وبمنتهى التجرد؛ تسعى فرنسا لخلق عالم فرانكوفوني خاص بها، تلتحم فيه الدول الناطقة بالفرنسية؛ لضمان وحدة اللغة والذي بالتبعية يضمن وحدة الولاء وأعني بالأخص الولاء الاقتصادي والمالي لها ،وقاعدته النظام التعليمي.

نعم فرنسا بدون المجنسين الأفارقة أضعف؛ وليس أدل على ذلك من منتخبها المُلون والذي تتباهى بإنجازاته، نعم فرنسا بدون أفريقيا فقيرة، فخيرات تلك القارة هي دينامو الاقتصاد الفرنسي الهابط في السنوات الأخيرة، نعم فرنسا دولة استعمارية ذكية تمد إليك يدها اليمنى بثقافتها ونور علمها كي تسرق أموالك بيدها اليسرى؛ للأسف فرنسا ليست بالأم الحنون!!!!!