الطريق إلى توت عنخ آمون (7).. افتتاح المقبرة
د. محمد أبو الفتوح,
من الغريب أن القائمين على الكشف لم يبلغوا مصلحة الآثار بموعد الافتتاح، فلم تُوجَّه الدعوة إلى "بيير لاكو" مدير المصلحة، و"بول توتنهام" مستشار وزارة الأشغال للشئون الثقافية والأثرية يوم الافتتاح بل في اليوم التالي أي في 30 نوفمبر. وربما يكون السبب في عدم توجيه الدعوة لهما اهمالاً، وربما يكون السبب أن كارنارفون وكارتر يعتبران المقبرة مقبرتهما لأنهما صاحبا الكشف.
تجاهل الرجلان صحافة مصر، وصحافة الدنيا كلها، ووجَّها الدعوة لصحفي واحد فقط لحضور حفل الافتتاح ودخول المقبرة، وهو الصحفي "آرثر ميرتون" مراسل صحيفة التايمز البريطانية في مصر وصديق كارتر. وقد قال "ميرتون" عن هذا الاكتشاف: "أهم اكتشاف مثير في القرن العشرين، وأعظم اكتشاف أثري مصري، وأن الآثار تُقدَّر بملايين الجنيهات".
صارت المقبرة بعد هذا السبق للتايمز حديث الصحافة العالمية، وأخبارها تتقدم الأخبار السياسية والاقتصادية العالمية في هذه الأيام، وتغطِّي على أحداث عالمية كبرى شهدها العالم في ذلك العام.
وكان قد تحدَّد يوم 17 من فبراير عام 1923م لافتتاح غرفة الدفن، وتوافد في هذا اليوم مئات المصريين والسياح إلى المقبرة منذ الصباح الباكر على ظهور الحمير والخيل والعربات، وسيراً على الأقدام، كلٌ يريد أقرب مكان إلى المقبرة ليشاهد الحدث الضخم الفريد في التاريخ.
وكان مقرراً دعوة عشرين شخصية فقط، ولكن الرقم تضاعف إلى أربعين، جلسوا في صفوف متراصة، وقد تخلَّف الملك أحمد فؤاد عن الحضور، بينما حضر "اللورد اللنبي" وقرينته وأثنان من الأمراء هما: عمر طوسون، ويوسف كمال، وخمسة من رؤساء وزارات مصر السابقين، وتخلفت ملكة بلجيكا إليزابيث الثانية وولي عهدها نظرًا لمرضها.
وبدأ الحفل بخطاب قصير للورد كارنارفون شكر فيه العاملين في المقبرة. وكان أغلب الشكر للأمريكيين الذين تطوَّعوا بالمساهمة في الحفظ والترميم، والتسجيل والتصوير مجاناً! أعقبه كارتر بخطاب عن الجهود التي بذلها حتى عثر على قبر الملك. ثم أخذ كارتر معوله ليبدأ عملية كسر جدار المقبرة ليبدأ العمل فيها.
تنقسم المقبرة إلى: المدخل وهو عبارة عن سلالم تتكون من 16 سُلَّمة، يتبعه ممر أو دهليز مائل طوله سبعة أمتار، ثم غرفة أمامية مستطيلة الشكل عرضية يبلغ طولها 8 أمتار وعرضها 3.67 متراً. يتفرع منها في اتجاه الشمال غرفتان: غرفة التابوت أو غرفة الدفن وغرفة الكنوز. كما يتفرع من الحجرة الأمامية حجرة إضافية صغيرة نحو الغرب. لم تكن حوائط المقبرة مزينة فيما عدا غرفة التابوت، كان عليها نقوش من كتاب الموتى، وعدة صور جدارية تصوِّر الملك توت عنخ آمون في مقابلته للآلهة في العالم الآخر.
كانت محتويات المقبرة التي تُقدَّر بنحو 5398قطعة موزعة في الغرف المختلفة، تعطينا فكرة عن طريقة المعيشة في القصر الملكي، فقد وجد كارتر ملابس توت عنخ آمون، وحلي ذهبية، وأقمشة، وعدداً كبيراً من الجعارين والتماثيل، وأوعية ومواد للزينة وبخور. كما وجد قطع أثاث وكراسٍ ومصابيح بالزيت، وقِطعاً للألعاب، ومخزونات غذاء ومشروبات وأوعية ذهبية وفخارية، وعربات (كانت تجرها الخيول) ومعدات حربية.
بدا العمل في المقبرة وسمحت مصلحة الآثار باستخدام مقبرة "سيتي الأول" ومقبرتين مجاورتين كمعامل لتصوير وترميم الآثار وحفظها. واشترى كارتر أدوات كيميائية للترميم وباباً من الصلب لإغلاق مقبرة توت عنخ آمون.
بدأت الأعمال في المقبرة عام 1932م حيث قام كارتر والمجموعة العلمية العاملة معه بتصوير جميع الموجودات وتدوينها في قوائم وتصويرها وترميمها. وقد استغرق إخلاء محتويات الغرفة الأمامية نحو 50 يوماً.