د. نور عابدين
لقد منَّ الله سبحانه وتعالى علينا بأشياء كثيرة ووهبنا نعمًا عديدة، لا تُعدُّ ولا تُحصى، ونقول دائما الحمد لله.
لكن ما لا تعرفه هو الباطن، فكلنا لا يبدو منا سوى القشرة أو السطح والظاهر المرئي بجلاء، أما الداخل والباطن فهو في علم الله، وليس بالضرورة أن نُبدي دائمًا ما نعانيه، وإلا فَمَن نشتكي لمَن؟! لكن الأهم هو أن نتيقن بضمائرنا البيضاء أن كل نجاح كان خلفه جيشٌ من التحديات والصعاب التترى، وإعصارٌ من المواجهات المتعاقبة.
فأنت لا ترى شيئًا، ولم تُحط خبرًا وعلمًا سوى بالانتصار في صورته النهائية وقت الاحتفال والتتويج والتكريم، لكنك لم ترَ أوقات الألم والبكاء والانكسار والإحباط. أنت ترى بعينيك – بسهولة - ذلك الاجتياز والتقدير، لكنك لم تكن هناك وقت الضغوط وغياب منطق الزمن في ترتيب أولوياتك المتشابهة، ولم تكن هناك وقت غياب منطق المادة في الجمع بين الروح والجسد والعقل والقلب في زمان واحد، ومكان واحد لتعبر حاجز التحديات- بإذن الله.
فأنت لا ترى سوى الياقة البيضاء الناصعة، لكنك لم تر ما تحتها من ندوب وجروح لم تلتئم، فلم يعد الوجه كما كان، ولا القلب بهيئته الأولى الخالية من الشوائب والأشواك.
فأنت ترى- وتتمنى وأنت جالس في مكانك- تلك النجوم الساطعة وسط السماء الكاحلة، وتلك العيون اللامعة بين جمهورها، لكنك لم ترها وهي مظلمة متكهفة بين فكي قامطة أو كماشة مكلوبة لا تقوى على الانفلات منها، حتى إنها لا تكاد ترى أطراف وخيال من يقف أمامها.
أنت ترى الابتسامة الجميلة الهادئة، لكنك لا ترى ما كان ومازال تحتها من حِمَم، فنحن يعجبنا منظر البركان بألوانه الوهاجة الوضاءة وتدرُّجها ما بين قاني وأحمر وبرتقالي وأصفر من بعيد، لكنك لن تجرؤ - مرة مهما بلغ شأوك وعلا شأنك في الشجاعة على الاقتراب من شفا.. لفتحته.
نحن لا نختار أقدارنا، لكن الله يمنحنا بقدرته أدوات معنوية روحية تغلب تلك المادية المتمركزة حول قلوبنا وعقولنا.
وفي النهاية؛ إن لم تكن تعرف شيئًا، فاشكر ربك أولا، ثم سل - ثانيًا - كيف تكوَّنت أجزاء الصورة المتبعثرة، قبل أن تقع في فخ (سهولة) حل المسألة / المعادلة، قبل أن تتحرى المعطيات والخطوات والترتيب، وتخطِّي العقدة وحلها بالإثبات والبرهان، أو أن تتساهل في الحكم على الصورة النهائية من دون بذل الجهد في الأخذ بأسباب جمع ما وهبك الله إياه بدءً.
وفي نهاية المقال والمآل: إن لم تستطع أن تتحرى- بعد أن علمت القصة - الدقة وجمع شتات نفسك أولا، فـ(صَه).