مصر - العراق.. التاريخ والحاضر والمستقبل
ما بين مصر والعراق علاقات وروابط تاريخية وجذور عميقة من الأخوة... يجمعهما ميراث حضاري وقواسم مشتركة ورحلة عطاء متبادل. يمثلان قوة ضاربة على مختلف الأصعدة تصب في مصلحة الأمة العربية... وتدعم مسيرتها وإرادتها في مواجهة التحديات والتهديدات التي تواجه الوطن العربي... لكن خلال العقود الأخيرة تعرض العراق الشقيق لمحنة شديدة الوطأة نالت من أمنه واستقراره ودوره الفاعل والمتوازن في محيطه الإقليمي وإطاره العربي وانعكست هذه التحديات بطبيعة الحال على الشعب الشقيق وهو الذي دفع ثمنا باهظاً وقدم تضحيات عظيمة... لكن ورغم ذلك حتما سيعود العراق إلى دوره الإقليمي وإسهاماته الدولية مرتكزا على نوايا ورؤى حقيقة للإصلاح واجتثاث أسباب معاناة الماضي بإرادة عراقية خالصة تمتلك مخزونا حضاريا وثقافيا عربيا وإسلاميا مدعومة بدعم الأشقاء وفي مقدمتهم مصر الكبيرة والعظيمة التي تدرك قيمة العراق في المعادلة العربية... ولعل ما أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل متكرر ونفذه على أرض الواقع بأشكال وأساليب مختلفة يجسد اهتمام مصر بعودة العراق واستعادتها لدورها الإقليمي والعربي والدعم المصري المطلق والكامل لتحقيق هذا الهدف.
ليس جديدا على مصر.. السيسي دعمها الكامل للعراق الشقيق لاستعادة دوره العربي والإقليمي... وتعزيز الدولة الوطنية العراقية ومؤسساتها لمزيد من تحقيق الأمن والاستقرار بعد تحديات وتهديدات عديدة واجهت مسيرة الدولة العراقية خاصة الإرهاب الذي نجح فيه الجيش الوطني العراقي في محاصرته وتحجيمه وهناك إنجازات كبيرة في هذا الإطار بفضل تضحيات العراقيين... وأصبح مناخ الأمن والاستقرار يشهد تحسنا ملحوظًا بل إن هذا التحسن والإنجاز والتطور في الحالة العراقية يشمل الكثير من المجالات في ظل دولة تسعى بكل جهد لاستعادة قدرتها الكاملة وتعمل على تهيئة أنسب الظروف للبناء وإعادة الإعمار وتولي اهتماما كبيرا بتطوير الاقتصاد والخدمات من أجل تعويض العراقيين عن سنوات المعاناة وبناء العراق الجديد.
دعم مصر الكامل للعراق الشقيق ليس فقط من منطلق العلاقات والروابط والجذور التاريخية ولكن لأن مصر أيضا تعمل في إطار ثوابتها الشريفة ودورها كركيزة الأمة العربية والحقيقة الكبرى لجميع دول العرب وأيضا تجسيدا لرؤية وعقيدة وتوجه الدولة المصرية لتعزيز العمل العربي المشترك وترسيخ التكاتف والتلاحم والتكامل العربي إدراكا واستشعارا .. لأهمية الوحدة والعمل العربي المشترك سواء لمواجهة التهديدات الإقليمية والدولية أو مجابهة التحديات التي جاءت نتاج تداعيات الأزمات العالمية سواء جائحة كورونا أو الحرب الروسية الأوكرانية وما خلفته من أزمات في مجال الأمن الغذائي والطاقة واضطراب سلاسل الإمداد والتوريد وهو ما يستلزم إرادة ورؤية عربية من أجل التقارب والتعاون والشراكة التي تعتمد على تعظيم الاستفادة من الموارد العربية واستثمارها وتبادلها بما يحقق بقدر كبير تعزيز الأمن في الغذاء والطاقة وفتح آفاق جديدة للتنمية بما يحقق تطلعات الشعوب العربية وتأمين الأمن القومي العربي في مواجهة العديد من التحديات والتهديدات.
الحقيقة أن عودة العراق لدورها الإقليمي الفاعل والمتوازن واستعادة كامل الاستقرار والطلاق الأعمار والبناء والتنمية وترسيخ التعاون والشراكة مع الدول العربية الشقيقة سوف يكون له مردود كبير على الوطن العربي بما تملكه العراق من مقومات وموارد اقتصادية وامتداد حضاري وثقافي وتنوع فالعراق دولة نفطية وعضو بارز في منظمة الأوبك وتمتلك القدرة المالية لتمويل مشروعات التنمية والبناء والإعمار والاستثمار سواء اعتمادا على الذات أو في سياق تعاون وشراكة عربية .. من خلال إقامة مشروعات مشتركة مثل المدن الصناعية الكبرى والنموذج الأكثر حضور لي الآن هو آلية التعاون الثلاثي بين مصر والعراق والأردن أو ما تشهده علاقات القاهرة وبغداد من تطور كبير في ظل قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي واهتمامه بدعم وأمن واستقرار ورخاء العراق وتقديم كل سبل الدعم والخبرات والإمكانيات المصرية لصالح هذه الأهداف .. ولعل ما قاله الرئيس السيسي في كلمته أمام مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة بالأردن يؤكد هذا المعنى وتأكيد على استعداد مصر الكامل لتقديم كل ما تحتاجه العراق في مسيرتها نحو الاستقرار والتنمية خاصة أن مصر لديها تجربة بناء وتنمية خلاقة في القلب منها بناء وإقامة بنية تحتية عصرية ولديها خبرات وجواد وشركات بالإضافة إلى مشروعات الطاقة والربط الكهربائي.
نجاحات ملحوظة تشهدها العراق وإنجازات واضحة نحو تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية استوجبت الإشادة والتحية على وجود إرادة عراقية مخلصة تسعى للأحداث اصطفاف وطني يستجمع كل العراقيين أبناء الوطن الواحد للقضاء على أزمات وتحديات ومعاناة العقود الماضية... الحكومة العراقية كما أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في كلمته أمام القمة العربية الصينية وأيضا أمام مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة بالأردن... إن العراق عازم على تطوير الاقتصاد والخدمات للمواطنين والاتجاه إلى تحقيق التنمية المستدامة وبسط الأمن والاستقرار في كافة ربوع العراق لتحقيق تطلعات العراقيين والاستفادة من قدرات العراق وبناء العراق الجديد.
العراق يخاطب الأشقاء والأصدقاء من كافة الدول العربية أو في الإقليم والجوار أن العراق يتبنى سياسات حسن الجوار والتعاون والشراكة وتبادل المصالح ويفتح الحضانة للجميع من أجل التنمية والاستثمار ونبذ الصراعات والنزاعات والتدخلات في الشؤون الداخلية للدول ورفض انتهاك سيادتها ومكافحة الإرهاب من خلال تعاون إقليمي ودولي ليس فحسب لمواجهة الإرهاب ولكن أيضا التعاون والشراكة في كافة المجالات التنموية والاقتصادية والاستثمارية والتجارية وتبادل والاستفادة من تجارب الآخرين في كافة القطاعات فالعراق تمد يدها للجميع بالتعاون والسلام والاحترام المتبادل وتبادل المصالح والفوائد والمنافع متمسكة بالدفاع عن قضايا أمتها العربية ومساندة ودعم جهود الأشقاء في حل الأزمات العربية وإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية علي أساس حل الدولتين من خلال دولة وطنية فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس بالإضافة إلى التوصل إلى تسويات سياسية للأزمات في ليبيا وسوريا واليمن وتعزيز الأمن القومي العربي والعمل العربي المشترك لمواجهة الكثير من التحديات الإقليمية والدولية إذن فسياسة العراق هي الاحترام المتبادل وحسن الجوار والمصالح المشتركة وتبادل المنافع.
ربما تجد أن سياسة مصر الدولية باتت ملهمة ونموذجا يحتذى به في الداعية على مدار أكثر من ٨ سنوات إلى ترسيخ الاحترام المتبادل بين الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وعدم انتهاك سيادة الدول وغيرها من المبادئ والقيم الشريفة وربما تشابهت مصر مع العراق في ملامح الفوضى والإرهاب عقب يناير 2011 وقبل ثورة 30 يونيو العظيمة ونجحت مصر باقتدار وتضحيات عظيمة في دحر الإرهاب واستعادة كامل الأمن والاستقرار وهيبة الدولة وبناء دولة المؤسسات والقانون... ومصر في منظورها العربي تعتبر العراق جزءا رئيسا ومهما من الأمة والأمن القومي العربي وتسعى بكل جد وجهد ودعم كامل لاستعادة الدور العراقي الفاعل والمتوازن على كافة الأصعدة لأنه يمثل قيمة مضافة في تعزيز العمل العربي المشترك وقدرة العرب على مجابهة التحديات والتهديدات.
في الحقيقة أن مصر السيسي أولت دعم العراق اهتماما كبيرا يتناسب مع محورية الدور المصري وكونها كبيرة الأمة العربية وأيضا في إدراك قيمة عودة العراق لدوره العربي والإقليمي الفاعل والمتوازن... ففي قمة بغداد عام ٢٠٢١ أكد الرئيس السيسي على دعم العراق الشقيق لاستعادة أمنه واستقراره ودور الفاعل والمؤثر والمتوازن... وفي مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة في الأردن استبشر الرئيس السيسي بالتحسن الملموس الذي تشهده العراق على صعيد استعادة الأمن والاستقرار وجدد التأكيد على دعم مصر الكامل للعراق الشقيق واضعا إمكانات وخبرات وتجارب ومساندة مصر للأشقاء. وطرح الرئيس مجموعة من متطلبات لمفهوم الوطن الأمن المستقر أو تحقيق الأمن والاستقرار ويتمثل ذلك في تعزيز دور الدولة الوطنية وتمكين مؤسساتها من أداء مهامها وإعلاء شأن دولة المؤسسات وسيادة القانون والتصدي للقوات الخارجة عنه بالإضافة إلى نبذ روح الانقسام والتطرف والتعصب وإرساء قواعد التسامح والتعايش وقبول الآخر وكل ذلك يؤدي إلى وحدة الصف الوطني وتحقيق الأمن والاستقرار.
الرئيس السيسي في بغداد عام 2021 والأردن عام 2022 خاطب الشعب العراقي وأكد علي قدرته بمالديه من تاريخ عريق ومخزون حضاري وثقافي وبعد عربي واسلامي وتنوع يحمل قيمة مضافة قادر علي تجاوز التحديات وتحقيق امانه وتطلعاته وطالب العراقيين بالحفاظ علي وطنهم وأنهم دوما سيجدون مصر خير سند وداعم بشكل كامل لامن واستقرار ورخاء وازدهار العراق.
مصر والعراق ليس مجرد تاريخ من العلاقات والروابط والجذور العميقة ولكن حاضرا ومستقبلا يحمل الكثير من الخير والتعاون والشراكة للبلدين الشقيقين من خلال وجود إرادة سياسية عازمة على التعاون والتكامل لديها فرص غزيرة وموارد كثيرة متبادلة لدى القاهرة وبغداد يمكن استثمارها بشكل يحقق تطلعات الشعبين لذلك تشهد العلاقات الثنائية آفاقا جديدة وخلاقة سواء في مجال البناء والتنمية والأعمار أو في توظيف مشتركات الشعبين والقواسم المشتركة بينهما وهنا تبرز أدوار الإعلام والثقافة والفنون والتعليم من استعادة دور القوى الناعمة المصرية وحضورها في العراق الشقيق الذي يتعطش شعبه لكل ما هو مصري.
مصر والعراق.. تاريخ زاخر وحافل بالعلاقات القوية والمواقف المشرفة والعطاء المتبادل وحاضر يمتلك إرادة سياسية عازمة على تطوير العلاقات وتبادل المصالح حاضر عراقي مدعوم من مصر الكبيرة بشكل تام لاستعادة الدور العراقي الفاعل والمتوازن عربيا وإقليميا ومستقبلا يحمل آفَاقًا خلاقة تحلق في سماء التعاون والتكامل والشراكة بين دولتين صاحبتين أقدم حضارتين.
عندما تطأ قدماك أرض العراق الشقيق تستشعر أن هناك روحا جديدة وعزمًا وإرادة صلبة تستجمع قويا وشمل العراقيون من أجل البناء والإعمار والتنمية وتطوير الخدمات للمواطنين فهناك أكثر من ألف مشروع يجري تنفيذها لتحقيق الأهداف السابقة... المواطن العراقي أمام تجربة جديدة هو هدفها لتخفيف معاناة العقود الماضية عنه عندما تكالبت علي العراق قوى الظلام والإرهاب والصراعات طويلة الأمد لم تخل من تدخلات خارجية أثقلت كاهل العراقيين وبات الوطن العراقي أكثر إيمانا بأهمية الوحدة والاصطفاف ورفض الانقسام والتشرذم فنحن أمام مشروع وطن لبناء العراق الجديد وفق مبادئ وثوابت عراقية خالصة مدعومة من نوايا عربية شريفة في مقدمتها مصر العظيمة.
الحقيقة أن كل من تقابله من الأشقاء العراقيين تجد حفاوة وحباً وتقديراً لمصر وقيادتها السياسية وتجد تقديرا عميقا وامتنانا لدعم الرئيس السيسي للعراق وشعبه ومواقفه المؤازرة والمساندة والداعمة لأمن واستقرار وبناء العراق ويحفظون عن ظهر قلب رسائله التي وجهها للعراقيين بالحفاظ على الوطن العراق وإعلاء مصالحه سواء في بغداد ٢٠٢١ أو في الأردن خلال مؤتمر بغداد للتعاون الشراكة ويري العراقيون أن وقفة مصر معهم ودعمها لهم لن ينساه العراقيون وأن هذا موقف طبيعي لمصر الكبيرة وقيادتها المحبة والداعمة لامتها العربية.
تحيا مصر